صحيفة المثقف

علجية عيش: أكذوبة "الصحراء" أطلقها الحسن الثّاني وصدّقها محمّد السّادس

eljya ayshلم يكن النزاع في الصحراء الغربية وليد اليوم، بل هو مدرج في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار على مستوى الأمم المتحدة منذ 1963، وتعد قضية الصحراء الغربية، آخر قضية لتصفية الاستعمار في القارة السمراء وأقدمها في الوقت ذاته،  لكن غياب "الصُلَحَاء" المحايدين الذين يقفون فوق كل النزاعات، ويقومون بدور الوساطة في توحيد الشعوب المغاربية غائب أو مغيب، ولذلك كانت قضية الصحراء الغربية جوهر الاختلافات الإيديولوجية والسياسية، وحتى الإستراتيجية، بين بلدان المنطقة ، كون المغرب تصر على اتهامها الجزائر وتشن حملات إعلامية ضدها ، بتأمين منفذ لها على المحيط الأطلسي لتصدير حديد تندوف

كانت رغبة الدول الثلاث (الجزائر، تونس والمغرب)  في بناء دار واحدة ، اسمها المغرب العربي والتي هي مقدمة لبناء اكبر هو "وحدة العروبة الشاملة"، غير أن الانشقاق بدأ لما لقيت القضية الصحراوية دعما قويا من طرف الحكومة الجزائرية أيام الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كان له لقاءات مع الملك الحسن الثاني، ومنها لقاء "إيفران" في سنة 1969 والذي بمقتضاه تعترف الجزائر والمغرب بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي كحل وحيد وسليم،  ومنذ طرح هذه القضية أمام المجتمع الدولي، اتخذت الجزائر موقفا واحدا وطبيعيا، وهو تصفية الاستعمار..، وأكدت تضامنها مع جميع الشعوب المطالبة بحقها في تقرير المصير والاستقلال الدائم، وكانت تتحرك دائما على مستوى المغرب العربي أو الإفريقي أو الدولي،  وقد أكد عبد العزيز بوتفليقة  عندما كان وزير الشؤون الخارجية آنذاك، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الجزائر ليس لها مطالب في ذلك القطر، ولكنها متمسكة بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتصفية الاستعمار، وهو ما لم يعجب المغرب، وهو الذي كان يطالب بالساقية الحمراء ووادي الذهب كجزء من أراضيه المغربية،  بل تعدى إلى أكثر من ذلك، طالب بضم موريتانيا كلها إلى أراضيه وجزء كبير من الأراضي الجزائرية، وهذا ما يطلق عليه بـ: "المغرب الكبير"، وظلت المغرب متمسكة بأطماعها الترابية في الصحراء الغربية وإلحاق هذا الإقليم بالمغرب، ولم يكتف بذلك، بل أعلن عن تنفيذ عملية "المسيرة الخضراء" لغزو الصحراء الغربية في 05 نوفمبر 1975، وهو ما لم يرض الجزائر التي وقفت في وجه المغرب من أجل السلام واحترام مبادئ الأمم المتحدة.

و لطالما أكد الرئيس هواري بومدين أن الصحراء الغربية ليست أرضا مغربية ولا أرضا موريتانية، وأكد أن الجزائر ليست لديها أية نية عدوانية ضد المغرب، لأنه ليس هناك سبب للعدوان، ومهما كانت المشاكل الأنية فقد كان حلم الرئيس هواري بومدين أن يقام مغرب الشعوب، وأن الذين يعتبرون اليوم أعداء الجزائر قد يصبحون غدا أصدقاء، وكان بومدين يرى أن المجتمع بصدد البناء فكان يقول: "إن شعوب المغرب العربي هي شعب واحد بتاريخه ودينه ولغته وحضارته ومطامحه، وستلتقي هذه الشعوب بلا شك لبناء المستقبل المزدهر، وطالما تساءل الرئيس هواري بومدين لصالح من هذا الصراع؟ ويرد بالقول: إن حربا إبادية تشم اليوم على شعب الساقية الحمراء، وتساءل عن السكوت المطبق في المناطق العربية وهي ترى أن الذين يذبحون في هذه المنطقة هم عرب مسلمون يشهدون لا إله إلا الله... وكانت مواقف الرئيس هواري بومدين واضحة ومشرفة، بأن بلد المليون ونصف مليون شهيد لا يمكنه أن يسكت عن الحق أو يشارك بالصمت في هذه الجريمة النكراء، ويضيف قائلا: "وإذا كان هناك اليوم نوع من الحلف المقدس ضد الصحراويين، فسيدرك الشعب المغربي في يوم من الأيام أن حليفه الحقيقي والموضوعي والتاريخي هو الشعب الجزائري وبقية شعوب المنطقة، كما كان يعتقد أن تشديد الحصار على الصحراء الغربية الهدف منه ضرب الثورة الجزائرية.

 

مطامع المغرب الأقصى في إقليم الصحراء الغربية

و تعود فكرة مطالبة المغرب بإقليم الصحراء الغربية بالتحديد إلى شهر نوفمبر من عام 1955 عندما أعد حزب الاستقلال المغربي ما عرف بـ: "الكتاب الأبيض" الذي تبنته ونشرته الحكومة المغربية سنة 1960 والذي أكد على إدعاءات الحقوق التاريخية في بلاد "شنقيط" (موريتانيا). وحسب هذا الكتاب، فإن مطالب المغرب تشمل جزءا من تراب الجزائر "بشار وتندوف" وجزء من مالي والسينغال والكيان الموريتاني كله وإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، بالإضافة إلى المطالبة باسترجاع المناطق التي تحتلها إسبانيا والمتمثلة في "مليلية وسبتنة وطرفاية وأفني"، وهو ما يسميه المغرب بـ: "المغرب الكبير"

و كان علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال علال الفاسي، قد أشار في تصريحات سابقة  "ما دام النظام الدولي قائما في منطقة "طنجة" والصحاري الإسبانية في الجنوب من تندوف إلى عطار والأقاصي الجزائرية المغربية، لم تنح عنها الوصاية، فاستقلالنا يبقى أبترا وواجبنا الأول هو متابعة العمل من أجل تحرير البلاد وتوحيدها، كما قام الحزب بحملة إعلامية تهدف إلى نشر الإدعاءات المغربية في إقليم الصحراء الغربية وكذلك المناطق الحدودية الجزائرية، بأن حدود المغرب يجب أن تمتد لغاية ما وراء نهر السينغال، ولاقت هذه الحملات الإعلامية نجاحا بفضل الدعم الكبير الذي قدمه النظام الملكي المغربي، وقد عبّر عن هذا التوجيه الملك المغربي محمد الخامس في خطاب له بتاريخ 25 فيفري 1958، أكد فيه عن رغبته في العمل بهدف استرجاع الصحراء الغربية إلى المغرب، مستعملا في ذلك القوى العسكرية التي قامت باختراق إقليم الصحراء الغربية.

و الحقيقة أن  كتب التاريخ تشهد وإلى اليوم أن إقليم الصحراء الغربية منذ مجيء البرتغاليين في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، مر بثلاث مراحل،  وكانت رؤيتهم لإقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب كموقع استراتيجي هام لسوق الذهب والعبيد، وكذلك للتصدي لانتشار الإسلام بالمنطقة وما حولها، وقد تمكنت اسبانيا من سلخ العديد من المناطق (مليلية، سبتة، طرفاية، أفني والساقية الحمراء ووادي الذهب)، وهكذا أعلنت حمايتها على إقليم الصحراء الغربية وتأسيس ما عرف بـ:"لجنة ريجيا للصحراء"، ثم قامت بإنشاء مراكز لها في مدينة الدخلة التي أطلقت عليها "فيلا سيزينروس" واتخذتها عاصمة للإقليم، وكانت نتيجة هذه الشراكة دخول البرتغال واسبانيا في خلافات مع فرنسا، انتهى الأمر بعقد سلسلة من الاتفاقيات لرسم الحدود بين مستعمراتها، وبموجبها رسمت الحدود الشرقية والجنوبية لإقليم الساقية الحمراء وادي الذهب بصورة نهائية، أصبح فيها إقليم الصحراء الغربية من مناطق نفوذ إسبانيا .

و لطالما حاول الاستعمار الإسباني ان يقنع الحكومات والرأي العام أن  الشعب الصحراوي ليس له كيان، وأن الصحراء الغربية أرض بدون سيد، ذلك من أجل الاستيلاء على خيراتها الطبيعية.. وأصدر في ذلك مرسوما في 10 جانفي 1958، وأعلنت فيه أن الصحراء مقاطعة إسبانية، ولأن الاستعمار الإسباني كان ضعيفا تقنيا، فقد قام باتفاقيات مع أمريكا وفرنسا للتنقيب عن البترول والفوسفات، وغيره من الثروات، وبدأت بتهجير أبناء الصحراء الغربية إلى إسبانيا وجعلهم مرتزقة. وتحت ضغوط لوائح الأمم المتحدة، وافق المستعمر على تقرير المصير للشعب الصحراوي وادعى أن هذا التقرير يتطلب وقتا لتحضيره، ولتهدئة مقاومة القبائل الصحراوية عندها، قامت إسبانيا بعقد سلسلة أخرى من الاتفاقيات والمعاهدات مع رؤساء هذه القبائل مكنتها من فرض قوانينها على سكان المنطقة وهذا منذ عام 1961 الذي عرف توسع كبير لظاهرة الهجرة نحو الأقاليم المجاورة إلى ما وراء البحار، وزاد الوضع تأزما عندما شكلت الحكومة الإسبانية مجلسا عموميا هو مجلس "الجماعة" يتألف من 32 عضوا وتعيين مدينة "العيون" عاصمة الإقليم،  ونشير إلى أن الاحتلال الاسباني لإقليم الصحراء الغربية واجهته مقاومة شعبية عبر مراحل تاريخية مختلفة، كانت أشهر مقاومة تلك التي قادها الشيخ "ماء العينين وابنيه" مع بداية القرن 20، وهو ما أدى إلى رد فعل عنيف من قبل الأسبان وحتى الفرنسيين الذي تمثل في عمليتين مشهورتين هما عملية "إيكوفيون" وعملية "أوراقان"، كما عرفت هذه المرحلة بداية ظهور النشاط والوعي السياسي بتشكيل بعض التنظيمات البسيطة التي تطورت إلى تكوين ما يعرف بـ: "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" (جبهة البوليساريو) عام 1973 والتي أعلنت الحرب على الاحتلال الإسباني في يوم 20 ماي 1973، غير أن إسبانيا في 14 نوفمبر 1975، قامت بإجراء مفاجئ تمثل في توقيع "اتفاقية مدريد الثلاثية بين اسبانيا والمغرب وموريتانيا"، والتي تم بموجبها تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا.

 

نص الاتفاقية الجزائرية المغربية بشأن الحدود

لعل ما أزّم الوضع بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب، أحداث حاسي بيضاء وحاسي تبنجوب وتبادل النار بين المركزين والهجوم كذلك على مركز "إيش"، في الوقت الذي كان فيه الوفدان الجزائري والمغربي يعملان لإيجاد حل لمشكلة الحدود، وسط هذه الأحداث حذر الملك الحسن الثاني بن بلة من العواقب الوخيمة التي سوف تترتب عن هذه التصرفات، وأن يتجنب الجزائريون كل انفعالات ليس من أجل التعايش السلمي فقط،  بل من أجل التعاون الأخوي لبناء المستقبل المشترك، ولعل مرحلة من مراحل الحدود جاءت بعد وفاة الملك محمد الخامس واعتلاء الحسن الثاني العرش، وقد وجد هذا الأخير نفسه في وضع حرج كون الجزائر كانت في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية للتوصل إلى اتفاقيات إيفيان والمغرب في البحث عن حل للقواعد الأمريكية الفرنسية التي كانت تقوم فوق أراضيه، واحتراما لروح مؤتمر "طنجة" المنعقد في أفريل 1958 فإن الحكومتين قررتا تشييد وحدة المغرب العربي، وتم خلالها إنشاء لجنة مغربية جزائرية لدراسة مشكلة الحدود، كان ذلك في إطار اتفاقية أبرمت بين الحسن الثاني وفرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة وتعهد أحمد بن بلة باحترام سائر الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الجزائر المؤقتة عندما أصبح رئيسا، ولكنه ما لبث أن تراجع عن وعوده بحجة أنه لا يعلم شيئا عن هذه الاتفاقية، وكان لقاء جمع بين الحسن الثاني وبن بلة بناء على دعوة محمد خميستي وزير الخارجية نيابة عن بن بلة لبحث قضية الحدود، وبالأخص قضية تندوف، ووعده أحمد بن بلة أن يسلم له تندوف، لكن عليه أن يمهله إلى حين يتسنى له إقامة المؤسسات الجزائرية ويتولى زمام الأمور في البلاد ويأخذ في قبضته المعارضة والحزب، جاء هذا التصريح أو الاعتراف من الحسن الثاني في الصفحة 290 من المذكرات الشخصية للحسن الثاني ، وكان من المفروض ان يؤكد الرئيس الأسبق أحمد بن بلة هذه التصريحات أمام التاريخ أو ينفيها وموقفه من المذبحة، قبل وفاته.

 

رسائل أحمد بن بلة والحسن الثاني في مخبر التاريخ

إن نظرة جديدة على تجارب الماضي وظروف الحاضر، من شأنها أن تدفع السير إلى المستقبل في توازن صحيح يراعي الشكل والمحتوى، ويضمن المبدأ والواقع، وبذلك تتفتح آفاق المغرب العربي على حياة حرية كفيلة بمطامح شعوب المغرب العربي، فسير الأقطار العربية نحو الوحدة والتقدم سيلتقي بطبيعة الحال مع حركة الوحدة القومية المندفعة التي تطبع اليوم العالم العربي الذي يشكل منه المغرب العربي جزءًا لا يتجزأ، كما يشكل جزءا لا يتجزأ من القارة الإفريقية، ولهذا يتعين عليه السير في الوحدة مع بقية أجزاء الوطن العربي، والمطلع على "مذكرات" الملك المغربي الحسن الثاني تحت عنوان: "انبعاث أمة" ، يقف على مساعي الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، عندما كان على رأس الجمهورية الجزائرية عشية الاستقلال في توحيد دول المغرب العربي وبناء صرح الإتحاد المغاربي، وتكريس العلاقة بين الأشقاء في أقطار المغرب العربي وتحقيق الآمال التي كانت تصبو إليها الشعوب المغاربية،  فقد كان بن بلة في رسائله يشيد بتجربة الثورة الجزائرية التي خاضها الشعب الجزائري والتي برهنت على عمق الصداقة والأخوة التي تربط بين الجارتين تونس والمغرب، ورغم المشاكل التي برزت بعد الاستقلال، فقد كان الشغل الشاغل بالنسبة للحكومة الجزائرية العمل على إزالة جميع العقبات والحواجز الموروثة عن الاستعمار، والاحتفاظ بالعلاقات الطيبة مع كافة الشعوب المحبة للسلام، وخاصة منها الشعوب العربية الشقيق.

وكان أحمد بن بلة يرى أنه من التجني على الواقع ان تتحول المشاكل الطارئة إلى خلافات، لأن حلها متوفر إذا ما نوقشت على أساس الصراحة والواقعية والتفاهم، حيث كان يقول: "إن الصراحة يجب أن تكون حجر الزاوية لبناء وحدة المغرب العربي، وفي سبيل تحقيق هذه الفكرة يجب أن نتذرع بالصبر ونتطلع بتفاؤل إلى المستقبل"، كما كان يرى أحمد بن بلة أن "الوحدة" المتينة التي تجعل من بلدان المغرب العربي شعبا واحدا هي شيء فوق الحدود وفوق اختلاف الأوضاع والتجارب،  وإن بناء المغرب العربي في إطاره الطبيعي إطار القومية العربية هو رسالة أجيال في الكفاح، وهو مجهود مشترك يقتضي وعيا وشعورا بالحقائق الموضوعية، كما هو عمل متواصل ومسؤولية في مستوى الإمكانيات والوسائل، وبحكم أن المغرب العربي الذي يشكل جزءًا لا يتجزأ من القارة الإفريقية يتعين عليه وهو يسير في الوحدة مع بقية أجزاء الوطن العربي أن يكون عامل اتزان داخل هذه المجموعة الواسعة "الوطن العربي" التي تربط بين أعضائها ظروفا واحدة، كما كان يؤكد في رسائله التي كان يرسلها إلى الملك الحسن الثاني وخطاباته، أن الاتفاقيات التي حصل عليها الشعبان خطوة للسير بصفة جدية لتحقيق المغرب العربي.

وبالمقابل، نقف على مواقف الحسن الثاني في رسائله إلى أحمد بن بلة وخطاباته كذلك، إذ يقول:"إنه جدير بالمغاربة أن يكونوا أكثر ابتهاجا، لأن في تحرير الجزائر تحقيق هدف من أهدافنا المشتركة، وهو تشييد وحدة المغرب العربي وأننا آخذون بأسباب تحقيق هذه الوحدة"، وقال الحسن الثاني في زيارة قادته إلى الجزائر: "إن هذين الشعبين الشقيقين هما في الحقيقة نتيجة لماض مشترك وسوف يكونون إن شاء الله عاملا من عوامل المستقبل المشترك بحكم الجوار الجغرافي وروابط الدم واللحم واللغة والسيادة التي تجمع بين الشعبين، وهو يذكر حلم والده في تحقيق وحدة المغرب العربي، وبحثه عن سبيل يختط به طريق الديمقراطية، كان كلام الحسن الثاني ردا على دولاري رئيس جمعية الصحافة الدبلوماسية الفرنسية في الفاتح من جويلية 1963، وهو يشير إلى ان المتطلبات التاريخية واللغوية وحدها ستؤدي إلى تحقيق وحدة المغرب العربي وسيضطر القادة إلى التعبير عن إرادة الشعوب التي ترغب في وضع الأسس الأولى للمغرب العربي.

 

أكذوبة " الصحراء" أطلقها الحسن الثّاني وصدّقها محمّد السّادس

بعد استعراض الجذور التاريخية لجبهة البوليساريو  يأتي خبراء في الشأن السياسي ويصرحون في ملتقى أكاديمي نظمته جامعة مدريد وجامعة التفاريتي الصحراوية بولايا العيون  تحت عنوان "الصحراء الغربية الذاكرة والتاريخ" ، شارك فيه خبراء ومؤرخون ومنهم المؤرخ الإسباني خوان كارلوس، وأجمع المشاركون في المؤتمر أن المخزن يقع ضحية وهم روّج له وأجبر المغاربة على العيش فيه ، وقالوا أن أكذوبة " الصحراء" أطلقها الحسن الثّاني وصدّقها محمّد السّادس، حيث صرح مسؤولون مغاربة حسبما ذكرته بعض المواقع حول ملف الصحراء الغربية التي يحتلها المغرب منذ عام 1975، أنهم دأبوا على سرد الأكاذيب، وإطلاق العنان لأقلامهم الصّفراء لتسطير معلومات زائفة غلّطوا بها الرأي العام المغربي، ويحاولون عبثا تحويل أنظار العالم عن هذه القضية العادلة، ثم راحوا يتهمون أوباما  بأن إدارته تحاول الزج بالمغرب في "الفوضى الخلاقة" التي ارتبطت بفترة رئاسة جورج بوش الابن، ويأتي موقف المعرب من البيت الأبيض طبعا بعدما أقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تعيين جون كيري (المؤيد لجبهة البوليساريو) وقال: "لم يعد للمغرب أي حليف بالإدارة الأمريكية بعد ذهاب هيلاري كلينتون"، ووصفه المغاربة بالمخادع ، وتشير التقارير إلى أن التحوّل الذي طرأ على لغة الخطاب المغربي إزاء واشنطن منذ أفريل الماضي والذي اتسم بــ: "العدائية" ، دفعت بملك المغرب محمد السادس إلى الحديث عن وجود "مؤامرة غربية ضد وحدة المغرب".

 

جمال عبد الناصر وقف إلى جانب الجزائر في قضية الحدود

شهادة أدلى به الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قبل وفاته في رده على سؤال أحد الضباط المصريين الذين أسروا في الأراضي المغربية، حيث قال: "إن الجزائر لا تعمل على صعيد وطني بل على صعيد آخر، في حين أن المغاربة يعملون وحدهم وكمغاربة فحسب، وهذا هو الفارق بين الموقفين"،  كان جمال عبد الناصر متأثرا للوضع القائم بين الجزائر والمغرب، وهذا موقف ينبع من قائد عربي يطفح بتقدير مسؤوليات الظروف الدقيقة التي يجتازها العالم العربي والتي تستدعي المزيد من التضامن والتساند لترقية أواصر التعاون بين الأقطار العربية، حيث حسّس جمال عبد النصر في خطاب له الملك الحسن الثاني بتاريخ 20 أكتوبر 1963، موضحا له بأن الموقف على الحدود بين الجزائر والمغرب يتدهور بسرعة، وأكد له حرصه الكبير على العلاقات بين العرب بحكم العلاقة التي كانت تربطه بوالده محمد الخامس، وهذا تقديرا للنضال الوطني آملا منه أن لا تستمر المأساة التي شهدتها حدود الجزائر والمغرب وختم خطابه بالقول: "تكفي الأمة العربية آلامها مما جرى هناك حتى الآن وما تعانيه غيره من جراح النضال المستمر الصابر"، وذكره بأنه لا يريد أن يتصور أحد أن حكومة المغرب استغلت ظروفا داخلية معقدة في الجزائر بفعل طليعة المرحلة الثورية، ثم وجهت إلى حدود الجزائر ضربة، كما نصحه بأن يسمع صوت الواجب المنبعث من ضمير الأمة العربية، واقترح عليه الالتقاء بالرئيس أحمد بن بلة وأن يرفع الاجتماع إلى مستوى أعلى يحضره رؤساء الدول، وكتب جمال عبد الناصر خطابا إلى الرئيس التونسي لحبيب بورڤيبة لكي تكون تونس مقرا لهذا الاجتماع.

و كان الرئيس لحبيب بورڤيبة راسل الملك الحسن الثاني قال فيها: "حاولنا عديد المرات بدون جدوى، أن تسوى المشاكل بالحسنى فنتابع السير متضامنين متكاتفين لخير شعبنا ومصلحة شعوب المغرب العربي الكبير ولا يتأتى أن نقيم صرحه ما لم تكن الثقة والاحترام المتبادل بيننا، وهي عوامل لابد من توفرها لتتوفر أساسيات النجاح فيما نحن مقدمون عليه من أعمال جبارة"، وكان منصف المرزوقي لما كان رئيسا مؤقتا قد أعاد فتح الملف من جديد ويأمل في بناء الإتحاد المغرب العربي، ويحقق بذلك حلم الشيخ الفضيل الورتلاني الذي كان همه الوحيد هو بناء وحدة المغرب العربي،  غير أن النزاع على اتحاد المغرب العربي انعكس سلبا على المنطقة المغاربية وخاصة على العلاقات الجزائرية المغاربية، بسبب إدعاءات النظام المغربي واتهاماته  المتكررة للجزائر بأنها وراء النزاع في إقليم الصحراء الغربية، مما دفع بالأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد "بطرس غالي" إلى القول إن حل النزاع الصحراوي مرهون بإرادة الجزائر والمغرب "بعدما عبر عن فشله في إقناع الجارتين الجزائر والمغرب في الجلوس وجها لوجه لإيجاد حل لمشكلة الصحراء الغربية، خلال تواجده على رأس الأمانة العامة للمنظمة الأممية ولعبه دور الوسيط بين الجزائر والمغرب.

و قد أكدت القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة أن القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار، مما يدل على أن الأمم المتحدة لا تعترف لا بالتقسيم ولا بدمج الإقليم الناتج عن المعاهدة المغربية الموريتانية لسنة 1976، وتشير العديد من الوثائق والشهادات بأن المغرب يتحمّل مسؤولية تعطيل مسار المفاوضات وبالتالي تعطيل مسألة الاستفتاء، التي كان هو من طالب بها، وأن هذا الهروب يؤثر على مشروع بناء إتحاد المغرب العربي، وهو السؤال الذي ينبغي أن يطرح وهو لماذا يطرح المغرب مسألة الحكم الذاتي إذا كانت الصحراء الغربية مغربية فعلا؟ ولماذا وافق على اقتسام الصحراء الغربية مع موريتانيا، إذا كانت فعلا أرضا مغربية؟ هذه التساؤلات الموضوعية التي طرحها باحثون تؤكد أن إدعاءات النظام المغربي في مغربية الصحراء الغربية لا أساس لها من الصحة وأنها مفتعلة حتى يجد النظام المغربي حجة أخرى لتهربه من مشروع بناء مغرب عربي موحد، وكان دائما يفتعل الخلافات والمشاكل لوضع العراقيل أمام قاطرة المشروع،  والدليل على ذلك الوثيقة التي أصدرتها اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال على شكل بيان بتاريخ 2 مارس 1958، حللت فيه الوضع في مجموع الشمال الإفريقي، على اثر حوادث جنوب المغرب وساقية سيدي يوسف، وتعبر فيه عن رفضها خلق منطقة تدعى الآن (منطقة الموت) في التراب الجزائري وعلى طول الحدود التونسية، يطرد منها السكان الجزائريون، وكانت تونس من الدول المؤيدة للجنة التنفيذية فيما تبذله من مساعي في المجال الدولي لإيقاف تنفيذ هذا التدبير الجائر المنافي للإنسانية.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم