صحيفة المثقف

ملهم الملائكة: صناعة الرأي العام التي لم يرها الصحاف!

mulehim almalaekaأعلن محمد سعيد الصحاف أمام العالم أنّ "العلوج ينتحرون الأن على أسوار بغداد". بعد ساعة سقط النظام وهرب الجميع. بهذا الإعلان أطلق الصحاف النار على عصر الدعاية المصنوعة في مطابخ الحكومات ليبدأ عصر صناعة الرأي العام. 

قبل أعوام عدة، أثناء إعدادي ريبورتاجا تلفزيونيا لأحدى الفضائيات الدولية عن المدارس في عموم لبنان وفي جنوبه، إلتقيت في سهل البقاع مبلّغا عراقيا يدرّس اللغة العربية وعلوم القرآن. قدم لي نفسه باسما : الشيخ "أبو أحمد ال.." ، ثم أردف مداعبا: ربما هي المرة الأولى التي تلتقي فيها بشيخ مبلّغ وهو أفندي لا يضع عمامة ! 

ضحكتُ بصوت عال وسألته لماذا يفرض الإسلاميون أنفسهم على الناس بعمائمهم وبدونها، فأجاب: " نحن لا نفرض أنفسنا على أحد، الناس تريد الإسلام ".

قلت: الرأي العام ضدكم!

قال:  "نحن نصنع الرأي العام، أسالك الآن هل صليت الظهر أم بعد؟ بمثل هذا السؤال نصنع الرأي العام ".

 سألته كيف أنّ الشارع لهم ونصفه المؤنّث يرفضهم؟

ضحك وقال وهو يمسد بيده على كرشه المنتفخ : كيف ترفضنا النساء وهن اخترن الحجاب، أنت تعيش في زمن آخر، النساء اليوم يردن الحجاب، وحظوظ البنت المحجبة  في الفوز بعريس تفوق حظوظ غير المحجبة بعشرات المرات. "أقول لك بضرس قاطع: نحن نفوز بصوت المرأة ودعمها".

تعلمت من ذاك الحوار أنّ الرأي العام بات يُصنع خارج مطابخ السلطات، وفي الأمر مفارقات.

حين حارب بشار الأسد خصومه وأعلن أنه باق في السلطة التي ورثها بعثيا عن أبيه " لأن الشعب السوري قد إختاره"! فهذا صناعة للرأي تنتمي الى مدرسة الصحاف. الأسد توكأ على روسيا وإيران فقهر حرب الرأي العام العربي والخليجي والأوروبي الذي اطلق النار عليه من كل اتجاه.

وحين أعلنت الدولة الاسلامية أنّ الفلوجة إمارة إسلامية وتسوق الناس بالسياط الى صلاة الجمعة ، فهذه صناعة للرأي على طريقة أسامة بن لادن، ويقبلها ملايين المجانين عبر العالم ويموتون في سبيلها.

وحين يظهر النواب والساسة الشيعة وهم يشاركون في خدمة زوار الحسين وإحياء المراسم، فهم يصنعون الرأي العام ولن يبحث أحد بعد هذا عن مستوى انجازات الساسة الشيعة في  المدن الشيعية.

وحين يُعلن النواب السنة المعترضون في الأنبار، أنّ شيعة العراق صفويون وفرس، فهذا صناعة للرأي العام تضمن إلتفاف الجموع حولهم حتى إذا رأى الناس فضائحهم علنا في كل وسائل الإعلام.

وحين تُعلن حكومة إقليم كردستان عن جعل حلبجة شهيدة السموم محافظة تاسعة عشرة، فهذا صناعة للرأي العام تزيد التفاف الكرد حول نخبتهم ما داموا يلمسون اهتمامها بهم، ولن يهم أن ترضى كتلة التغيير أو لا ترضى.

حين حاول نظام حسني مبارك أن يبرر قتل الشاب خالد سعيد بالقول إنه ابتلع لفافة مخدرات إختنق بها، أطلقت صفحات التواصل الاجتماعي فيسبوك حملتها لصناعة الرأي العام ، ونجحت خلال أسابيع في أن تغيّر الرأي العام المصنوع في معامل مبارك والداعم له، لصالحها.

وحين أراد الرئيس الأخواني محمد مرسي أن يؤسلم المجتمع، نجحت نُخب مصر إزاء مساعيه في أن تصنع رأيا عاما مسلما لا يتفق مع الأخوان، بل يحاربهم  ويطاردهم ويقتلهم، واسقطته وسجنته وتحاكمه اليوم وتدين وتحاكم كل مرحلته.

وحين أرادت إيران أن تحلّ أزمتها مع المجتمع الدولي، صنع الإصلاحيون رأيا عاما يروّج أنّ وصول رئيس منهم الى السلطة سيحلّ أزمة الملف النووي ويمهد للتطبيع مع الشيطان الأكبر" أمريكا " ، ولتردد الجموع ما شاءت في كل صلاة جمعة " مرك بر أمريكا، مرك بر إسرائيل" بما يُرضي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.

وحين أرادت تركيا أن تصنع نصرا إسلاميا دون أن تُغمض عينها عن الإنضمام الى الإتحاد الأوروبي وهو الحلم الأبدي الذي يراود كل تركي، صنع اردوغان الإسلامي ببدلته الأوروبية وحزبه الإخواني رأيا عاما يؤمن أنّ زوجة رئيس الحكومة المحجبة هي إعلان سياسي حقيقي لهوية النظام، وما الإنتساب الى الإتحاد الأوروبي إلا خطوة تكتيكية تمكّن أخوان تركيا من بناء قاعدتهم والتغلغل وراء خطوط الغرب "الكافر العاري".

وحين يُقدم رئيس كوريا الشمالية "كيم يونج أون" زوج عمته عاريا كوليمة للكلاب البرية لأنه لم يصفق بصوتٍ عالٍ" للقائد الضرورة الملهم المفدى حفظه الله ورعاه" ، فهذه صناعة خائبة متخلفة للرأي العام على طريقة هتلر وموسوليني وستالين وصدام والأسد والقذافي، تعتمد مبدأ يقوم على أنّ "صوت الرعب أعلى من كل صوت".

في عصر الإتصالات والعولمة ، يمكن لأي مجموعة أو حتى فرد أحيانا أن يصنع رأيا عاما من نوع ما، يحتشد لصالحه. والعالم العربي ما زال يحترق بربيعه الذي أوقده محمد بوعزيزي وبالرأي العام الذي صنعه دون أن يدري ، ولم يخمد بعد لهيب نيرانه.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم