صحيفة المثقف

مصطفى العمري: روح شيوعية بثقافة إسلامية

mustafa alomariبعد مقالي الذي كتبته عن كتاب، ذكريات الزمن القاسي، للاستاذ محمد الشبيبي، وبمقارنة بسيطة في استمالة الشيوعيين للشباب لمشروع الموت، ثارت ثائرة الاخوة الشيوعيين، تعليقات خاصة وعامة، الغريب ان بعض التعليقات جاءت بنفس اسلامي خالية من دلالة شيوعية .

منطق الحقيقة المطلقة او الكل المطلق، منطق بات لا يمر دون تفتيش ومداولة صارمة، تحقق المعنى الابستي لصيرورة الكشف عن الذات، وكما يقول فريدرك نتشة، لا توجد مسلمات أبدية ولا توجد حقائق مطلقة . يشير هذا المعنى ان العقل البشري لا يمكنه التوقف على مرحلة زمنية خاصة او إمكانية التشابه في الايمانات التي يعتقد بها الناس .

أعود الى بعض التعليقات فاقول بكل محبة، الى الذين حاولوا الدفاع عن الشيوعيين وعن الفكر اليساري، عن تراث كارل ماركس وسارتر وسيمون دي بوفوار وغرامشي ولينين، أنتم تدافعون عن نظريات فلسفية واقتصادية كبيرة، لكنكم كنتم بعيدين كل البعد عن هذه الفلسفة وتلك النظريات .

فبالوقت الذي تدافعون به عن مفهوم كان يمتلك خطابه ونهجه الخاص، أتيتم انتم لتقدموا خطابكم الخاص وبثقافتكم الخاصة، معتمدين في بعض ردودكم كلياً على الخطاب الاسلامي ! الذي يشكل تناقضاً وبدرجة كبيرة مع الفكر الشيوعي !

أنتم قدمتم خطاباً واستشهادات وصوراً لتراث إسلامي، بل هو تناص لما تقدمه الاحزاب الاسلامية ونسخة غير محرفة عن الخطاب الاسلامي المرتجل.

اين خطابكم اليساري وثقافتكم الشيوعية ؟ جوابكم أضاف لي وضوحا ان بعض المشتغلين في الاحزاب اليسارية غير مدركين عمق الفلسفة التي انبثقت منها تلك الاحزاب . وإلا ماذا نسمي ان يتصدى رجل شيوعي للدفاع عن الشيوعية، مستخدماً خطاباً إسلامياً ! ومستشهداً بتاريخ لم يستطع الى اليوم ان يتخلص منه الاسلاميون انفسهم .

كتب احد الشيوعيين تعليقاً على مقالي (قراءة في كتاب ذكريات الزمن القاسي) سأضع فقرةً مما كتب، لكي يتضح عمق الفجوة بين الفكر وبين من يدعونه.

كتب:

(فهل كان الأمام علي (ع) متهورا عندما قاتل معاوية بن ابي سفيان في حرب صفين، او متهورا عندما خرج لحرب الجمل وفي كليهما قدم الشهداء؟ وهل الشهداء مع علي (ع) مغرر بهم من قبل ابا الحسن. ثم ماذا يسمي استشهاد الحسين واخوته وابنائه وسبي عائلته واصحابه وقتاله الآلاف من اعدائه غير ابه بالنتائج رغم معرفته بها؟ هل كان مجنون ام متهور او مغرر به عندما قال: "لن اعطي يدي اعطاء الذليل واقر اقرار العبيد" رغم كثرة الجيش المحيط به من كل جانب. لماذا خرج الحسين (ع) على حاكمه يزيد بن معاوية، اما كان الأولى به مبايعة يزيد وحفظ دماء ابائه واخوته واصحابه وحفظ عائلته من السبي وما تعرضوا له من اهانة وجوع وحر وبرد الصحراء)

غياب الخطاب الخاص بكم ينبئ عن فجوة كبيرة بين النظرية والمعرفة بها وهذا لعمري لن يقبله الواعون والمفكرون والمثقفون من زملائك الشيوعيون . كان هذا جوابي له.

كتبتُ عن مذكرات الزمن القاسي للاستاذ محمد علي الشبيبي، وحاكيت المؤلف وكأنه ابن التاسعة عشر اي الشاب اليافع، تفاعلت مع الكتاب وبطريقة الاستاذ الشبيبي في صياغة حياته وذكرياته، لم أتطرق الى الحزب الشيوعي بشكل مفصل، لكن المؤاخذة الكبيرة ان الشيوعيين لا يختلفون عن الاسلاميين في استمالتهم او أدلجتهم للشباب، وأحياناً تركهم فريسة سهلة بين انياب وحش مفترس . ثم ان الشيوعيين في تلك الحقبة سيطر عليهم عقل التضحية والقتال والصمود ولم يستنجدوا بعقل ماركس المفكر والسياسي والاقتصادي، فكانوا هشيماً أمام ضربات متتالية .

التحرك الثوري يحتاج الى آليات وخطط وقدرة ثورية، خاصة اذا كان الخصم لا يعبأ بطريقة الاقصاء. غايتي ان ابعد الشباب عن الانسياق خلف أفكار وأدلجة تودي بهم الى الهلاك، ولو كنت مشرعاً قانونياً سأمنع انتماء الاشخاص دون عمر الثلاثين الى اي حزب.

عندها ستكون بعض الحقائق واضحة أمام الشباب وسيكون معنىً للمثل الذي يقول (ما هكذا تورد يا سعد الابل)

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم