صحيفة المثقف

مواقع التواصل الإجتماعي في خدمة الديكتاتوريات أيضا!‏

يعتبر عديد من الأخصائيين أن مواقع التواصل الإجتماعي شكلت فرصة سانحة لإذكاء ‏الثورات الشعبية وهذا إستنتاج من السهل فهم مغزاه . فمنذ أواسط سنوات 2000 ومع إنطلاق ‏فيس بوك وتويتر ومواقع تواصل أخرى ، تصاعدت وتيرة الإنتفاضات وحركات التمرد ‏سواء بهدف إشعال ثورات كما حدث في مصر أو إيران ، أو من أجل تتبع تحركات الجنود ‏الروس في أوكرانيا أو من أجل إمداد المتظاهرين السودانيين بمعلومات مفيدة في وقتها ‏المحدد. إن مواقع التواصل الإجتماعي قد أسهمت في إبراز هذه الإنتفاضات بشكل كان أكثر ‏من المتوقع .‏

إنها وجهة نظر صائبة إذ أن التكنولوجيات الجديدة قد قدمت الكثير من الدعم للنشطاء ‏والمعارضين السياسيين . يتجلى ذلك بوضوح في استعمال عبارات للتواصل بين النشطاء ‏مثل: (أين ، متى ، كيف ، لماذا .. إلخ) وهي عبارات قد أسهمت في حشد تجمعات عدد أكبر ‏من المحتجين كما أسهمت بشكل وافر وواضح في تقليص كلفة نشر المعلومة والخبر. وكمثال ‏على ذلك ماقام به موقع تويتر من دور فعال في صالح حركة ( أوروميدان)  ‏

Euromaidan‏ في أوكرانيا سنة 2014 . وهناك منصات تواصل أخرى مثل موقع يوتوب ‏الذي أسهم من جانبه في تلقين النشطاء الحقوقيين قواعد التظاهر الناجح وآليات تقدمهم على ‏المستوى التنظيمي . أما في حالة ما إذا تعذر تنظيم تظاهرات بسبب حظر السلطات فإن مواقع ‏التواصل الإجتماعي (فيس بوك ، تويتر، روديت ‏Reddit‏) تستطيع خلق تظاهرات إفتراضية ‏مفتوحة للجميع ويصعب على السلطات حجبها أومنعها .‏

من جانبهم يرى عديد من المتتبعين المتفائلين أنه باستطاعة وسائل الميديا ومواقع التواصل ‏الإجتماعي معا خلق فضاءات حقيقية للنقاش إبان الأزمات حيث بإمكان النخب والجماهير ‏الشعبية أن يحققوا من خلالها بدائل سياسية رغم الرقابة السلطوية ...‏

يا لها من فعالية !‏

في سنوات التسعينات مايناهز 70 % من حملات المجتمع المدني عرفت نجاحا فائقا. ‏

وبالرغم من هذه النسبة المتفائلة فإن مايسمى ب ( تكنولوجيا التحرر) لم تسهم في الحقيقة في ‏فعالية الحركات الديموقراطية . ومن دون شك أنه مع قدوم وسائل التواصل الرقمية فقد ‏أصبحت تعبئة المجتمع المدني أكثر فعالية من ذي قبل . لكن يجب التذكير أيضا كيف كانت ‏النضالات السلمية (اللاـ عنفية) نشيطة حتى قبل ظهور الإنترنت . منذ غاندي ومقاومته ‏الإستعمار الأنجليزي سنوات الثلاثينات والأربعينات ، فإن تقنية التظاهرات السلمية كانت لها ‏شعبية واسعة ورائجة . وبالتالي فإن المقاومة اللاـ عنفية اليوم فقدت فعاليتها مقارنة مع الحقب ‏السابقة على ظهور الإنترنت .‏

في سنوات التسعينات وكما سبقت الإشارة إلى ذلك مايناهز 70 % من حملات النضال المدني ‏قد توجت بالنجاح الباهر ، ومنذ سنة 2010 عرف هذا الرقم تراجعا ملحوظا بلغ ‏

‏30 % . ‏

لماذا إذن وماهو السبب ؟

هناك بعض الحقائق التي تثبت ذلك . في المقام الأول وكما وثقت ذلك بكل تدقيق (أنيتا ‏كوديس ‏Anita Gohdes‏ ) الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية بجامعة زوريخ بسويسرا ‏وعضوة مركز الدراسات المقارنة والدولية قالت : إن الحكومات تعلم جيدا مدى استفادتها من ‏خدمة مواقع التواصل الإجتماعي بشكل أفيد من نشاط الحقوقيين والسياسيين . وبالرغم من ‏آفاقه التحررية المعروفة فإن الإنترنت بانفتاحه على الأنشطة التجارية والسياسات الحكومية ‏العامة جعل من مفهوم الخصوصية وسرية البيانات والمعلومات الشخصية للأفراد أمرا في ‏حكم الماضي البائد . فالحكومة الروسية على سبيل المثال إستطاعت أن تتنصت على مكالمات ‏معارضيها بهدف إستباق بل ردع أي مظاهرة قد يقومون بها . إنه سلوك لم يستثن حتى بعض ‏الدول الديموقراطية بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية حيث لم يكن البرنامج المجحف ‏للتنصت الطليق لوكالة الأمن القومي الأمريكي ‏NSA‏ أو تعاون شركة ياهو ‏Yahoo‏ مع ‏الحكومة من أجل تجميع المعلومات حول نشاطات مستخدميه لم يكن كل هذا سوى البداية في ‏مسلسل إنتهاك خصوصية الأفراد.‏

منذ بضعة أسابيع راج خبر مفاده أن بعض مصالح الشرطة المحلية تراقب مواقع التواصل ‏الإجتماعي بهدف تجميع معطيات حول قانونية وضعها . وإذا كانت الحكومات في الماضي ‏في حاجة إلى ناسخات المصادر من أجل ترصد تحركات المنشقين وتتبعهم فإن واقع الفضاء ‏الرقمي اليوم بات يشجع الأشخاص بكل حرية وثقة في النفس على إبداء آرائهم ومعتقداتهم ‏وهويتهم السياسية والإجتماعية والدينية .. إنها معطيات قد تمكن قوة النظام ومصالح الأمن من ‏إستهداف طرائدها بشكل فعال .‏

طبعا هناك بعض التقنيات الضرورية من أجل حماية السرية لكن القليل منها من تقع في فشل ‏خصوم عنيدين .‏

إن الدور السوسيوشبكي الذي إعتمدته الحركات الإجتماعية قد أدى أحيانا إلى تراجع تجربة ‏العمل التشاركي ، حيث أن بعض النشطاء ومنهم جماعة "المتقاعسون" ‏slacktivistes‏ ‏

‏( وهي جماعة تدعم قيمة الكسل والخمول وتتخذ من الإنترنت منصة لنضالها وقد تطورت ‏منذ سنة 2000 خصوصا مع ظهور مواقع التواصل الإجتماعي) يمكن لهذه الجماعة أن تتعبأ ‏من أجل قضية لوقت محدد فحسب لكن ليس من السهل لديها أن تنخرط في إلتزام شامل ‏وأطول في صراع ما .‏

ولأجل نسج نوع من الثقة بين الجماعات المهمشة أو الجماعات المقموعة فذلك أمر يتطلب ‏بعضا من الوقت والطاقة والمثابرة والتواصل الإنساني وهذه آليات يجب أن تكون دائمة ‏ومتواترة ، ومن دون هذه الثقة وهذا النزوع نحو وحدة شبكية فإن هذه التعبئات سوف يكون ‏مصيرها نحو الخفوت بسبب عوامل الضغط . ولكوننا نأخذ بعين الإعتبار بالنشاط والنضال ‏الرقمي فإنه يتشكل لدينا انطباع بأن الأمور تتحرك إيجابيا لكن وكما أكد ذلك (إيفيجيني ‏موروزوف ‏Evgeny Morozov‏ ) فإن التغيير الحقيقي يتطلب إخلاصا وتضحيات لها ‏آثارها الإيجابية .‏

ثالثا إن مواقع التواصل الإجتماعي يمكن أن يكون لها أثر سلبي على تعبئة الجماهيرعندما ‏يعمد المتدخلون المسلحون إلى تهديد النشطاء السياسيين والحقوقيين أو إيذاءهم بشكل مباشر ‏عنيف ومنسق . وكمثال على ذلك فخلال الثورة الليبية سنة 2011 قام نظام معمر القذافي ‏باستثمار خدمة الرسائل النصية القصيرة من أجل دعوة المواطنين للعودة إلى مقرات عملهم. ‏إنها رسائل كانت غايتها شل حركة النشطاء مثل : ( إن الدولة تتابعك عن قرب وإذا أنت أيها ‏المواطن كنت تساند التحريض فإنك ستأدي الثمن باهضا . ) ومن هذا المنطلق إتجهت ‏دراسات عالما السياسة (فلوريان هولانباخ ‏Florian Hollenbach‏) و(جون بيرسكالا ‏Jan ‎Pierskalla‏ ) اللذان توصلا إلى نتيجة مفادها أن ظاهرة تصاعد حركات العنف في إفريقيا ‏قد تزامنت مع إرتفاع في عدد مبيعات الهواتف المحمولة . في المقابل إذا كان بعض ‏المناضلين قد إعترفوا على مواقع التواصل الإجتماعي بتعرضهم للعنف من طرف قواة حفظ ‏النظام فإن الأشخاص الذين ترددوا في الخروج للتظاهر ومكثوا في بيوتهم قد قاموا بدورهم ‏بالتظاهر في وقت لاحق . وإذا كانت مواقع التواصل الإجتماعي قادرة على تعبئة الفئات ‏الناقمة عن الأوضاع الإجتماعية فإنها تسهم بالعكس من ذلك في تقاعس الأشخاص المتوجسين ‏وبالتالي فإنها تنيط مهمة النضال للفئات الراديكالية وأحيانا (المتهورة) . ‏

إن الأمرالذي يؤدي بنا إلى خيبة أمل قصوى هو أن التغليط الإعلامي يمكن أن ينتشر بسرعة ‏أكثر من المعلومات الصائبة والصحيحة . إنه نفس الأمر الذي قام به المتصيدون الروس من ‏أجل الإستفادة من التضاربات في مجال المعلومة وبالتالي العبث في نتائج الإنتخابات ‏الأمريكية على سبيل المثال.‏

فالتغليط الإعلامي ينتعش عبر التأكيد على صحة المعلومة المغلوطة .. وغاياتنا الطبيعية هي ‏إنتقاء مصادرالمعلومات التي تدعم مواقفنا .‏

لقد باتت مواقع التواصل الإجتماعي مصانع فقاعات محكمة إلى درجة أنها صارت قادرة ‏على تشتيت المجتمعات بدل لملمة آرائها حول قضية واحدة .‏

تعبئة الجماهير المتصدعة .‏

وحتى أولئك المشهود لهم بالثقة والذين يعتبرون مصادر موثوقة على مستوى إمداد وقراءة ‏المعلومات الصحيحة هم أيضا وبسبب جهل ما قد يخلقون لنا مشاكل . إن الإطاحة بديكتاتور ‏ما في العالم بواسطة مواقع التواصل الإجتماعي قد تحرض مناضلي البلد المجاورعلى ‏الإنتفاضة والثورة كذلك .. حيث تمكنهم من إستيراد نفس التكتيك والطرق من خارج الحدود ‏وتطبيقها على وضعيتهم وقد تكون بعواقب وخيمة أكثر من سابقتها . يكفي فقط أن نشاهد ما ‏يجري في سوريا وليبيا لكي نقتنع بهذه النتيجة . فالبنسبة لهذين البلدين فقد كان في رأيهم ‏الإقتداء بالربيع العربي في تونس ومصر واللجوء إلى حشد الجماهير في الساحات العمومية ‏والفضاءات العامة يكون كافيا لقلب الديكتاتوريات في بضعة أيام ... لكن هذه النتيجة قد ‏تطلبت عديدا من السنوات من التعبئة السرية للإنتفاضة سواء في تونس أومصر وهو ما دفع ‏بالليبيين والسوريين فيما بعد إلى ثقة زائدة من أجل إنجاح تمردهم المرتجل والفاشل...‏

توضح أبحاث (كورث ويلاند ‏Kurt Weyland‏) حول ثورة 1848 أن الثوار يستمدون أسوأ ‏الدروس من الإنتفاضات التي حدثت قبلهم منذ قرون خلت .‏

إنها حقيقة قد تسهم في تفاقمها مواقع التواصل الإجتماعي بتشجيعها لنشر الآراء ووجهات ‏النظرالتبسيطية والمجانية دون الأخذ بعين الإعتبار الدراسة والطريقة والصبر والتحليل .‏

لقد كتب (مالكولم كلادويل ‏Malcolm Gladwell‏) سنة 2010 : إذا كان مناضلوا الأمس ‏عارفين جدا بقضاياهم فإن مناضلي اليوم يعرفون بوسائلهم فقط وأخطر شيء هو العمل على ‏إنشاء حركة جماهيرية شعبية والحفاظ في نفس الوقت على إستمراريتها .‏

وإذا كان علينا أن ننظر إلى هذه الخسارات باعتبارها خسارة عامة للتعبئة والتحريض السلمي ‏اللا ـ عنفي فإنه يجب علينا أن نفهم بشكل واقعي وإيجابي أن مواقع التواصل الإجتماعي قد ‏قوضت تعبئة الجماهير وأن الخطأ ليس في التقنية بل في الوسائل .‏

ــــ إيريك شينويث* ‏Erica Chenoweth‏ دكتورة وأستاذة مساعدة للإدارة الحكومية في ‏جامعة ويسليان ‏Wesleyan‏ ومديرة برنامج خاص عن الإرهاب والبحث في شؤون التمرد ‏بالولايات المتحدة الأمريكية . تعتبر شينويت مستشارة معترف بها دوليا في قضايا مكافحة ‏الإرهاب، والمقاومة السلمية. أصدرت ثلاثة كتب هي (لماذا الأشغال على المقاومة المدنية‏‏) و(المنطق الاستراتيجي للنضال السلمي)‏

 

بقلم: ‏Erica Chenoweth‏

ترجمة عبده حقي‏

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم