صحيفة المثقف

موقف النبي في الشعر


تطالعنا في بعض الصفحات الادبية وكتب السيرة والتاريخ أقوال للنبي محمد ( ص) في الشعر وقبل ان نتطرق الى تلك الاقوال نقول ان الشعر احتل المرتبة الاولى في حياة العرب قبل الاسلام فكان هو ديوان العرب بحق كما قال الشاعر ابو فراس الحمداني ذلك الديوان الذي سجل مآثرهم وعاداتهم وخطرات من ديانتهم ووقائعهم وعندما جاء الاسلام غير من كثير من مفاهيم العرب والغى العديد من المفاهيم وأثبت اخرى، وقد ظن العرب ان القران الكريم شعر بدليل قوله تعالى " وماهو بقول شاعر" " وما علمناه الشعر" وهذا يدل على ان العرب كانوا يعدون الكلام المؤثر الذي يثير المشاعر شعرا بغض النظر عن كونه موزونا او غير موزون لأنهم لم يعرفوا بعد علم الأوزان الذي اكتشفه الخليل فيما بعد بل كانوا يؤلفون الشعر على السليقة، والقران الكريم نص يختلف عن الشعر والنثر المألوف زمن الجاهلية من قَص ومثل وحكمة وسجع وان احتوت بعض سوره على مقاطع موزونة  كقوله تعالى: 
لن تنالوا البر حتى تُنفِقُوا مما تحبون
 او كقوله تعالى الذي يمكن ايضا ان يقرأ من اليسار الى اليمين:
ربك فكبر
، والنبي (ص) نفسه لم يكن شاعرا لكن هناك بعض الرجز ينسب اليه وبعض الشعر لايدل على ان صاحبه شاعر لان معجزة النبي (ص) هي القران الكريم فهناك الكثيرون ممن قالوا البيت والبيتين من المفكرين والعلماء ورجال الدين ومن هؤلاء الامام الشافعي، ولم يكونوا بشعراء، الرجز المنسوب الى النبي هو:
 انا النبي لا كذب   انا ابن عبد المطلب
، وقد قال (ص) في الشعر "الشعر فيه كلام حسن وقبيح فخذ الحسن واترك القبيح " وهناك قول اخر حيث ارقى مانجده في الشعر هو الحكمة " ان من البيان لسحرا ومن الشعر لحكمة "فالحكمة خلاصة تجربة تظل تتناقلها الالسن على مدى أزمان واجيال والحكمة فيها عموم اي انها لا تخص أمة من الامم ولو استقرأنا الحكم لوجدنا انها تسجل الواقع والتجارب بأسلوب جميل موجز يؤثر في النفس من غير مبالغة اذ ان المبالغة تفسد الشيء وتثقل الخيال بمعان وصور مفتعلة، حدث نابغة بني جعدة انه أنشد امام النبي (ص) بيته المشهور:
بلغنا السما عزا ومجدا وسؤددا وانا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فقال النبي (ص) فأين المظهر يا ابا ليلى ؟فقال :الجنة، قال : قل ان شاء الله، ونستشف من الروايات ان النبي (ص) تابع باهتمام شعر الحكمة فيعلن استحسانه لمعاني ذلك الشعر كموقفه من بيتي النابغة الجعدي:
ولا خير في حلم اذا لم يكن له   بوادر تحمي صفوه ان يكدرا
ولا خير في جهل اذا لم يكن له  حليم اذا ما أورد الامر أصدرا 
وقد قسم الشعراء المجيدين الذين دافعوا عن الاسلام الى مجموعتين: شاعر حسن وشاعر اعلى مرتبة " وهو الذي يشفي ويشتفي" اذ روي عنه (ص) انه قال لعبد الله بن رواحه انك لحسن الشعر والقول ذاته قاله بحق كعب اما الشاعر الذي شفى واشتفى فهو حسان بن ثابت لان حسان لم يكن لينظم المعاني الاسلامية او يحول التعاليم والقيم الى شعارات يضمنها شعره فقط بل كانت له القدرة على تأليف الصور وتوليف الخيال بأسلوب يضاهي طريقة شعراء مكة من حيث الجودة وان كلمته لا ينتهي مفعولها بانتهاء المناسبة بل تظل كالحكمة لأمد بعيد. وقد وجه النبي (ص) نقده للشاعر كعب بن مالك حين قال:
مقاتلنا عن جذمنا كل فخمة 
والجذم هو الاصل، فقال (ص) لا تقل عن جذمنا بل قل عن ديننا فاذا ما فهمنا طلب النبي من الشاعر ان يبدل " الجذم" الى " الدين" لان القتال لا يكون عن قبيلة او عشيرة بل عن عقيدة ودين او وطن، اذا ما فهمنا ذلك سنفهم حتما لماذا نهى (ص) عن رواية قصيدة الأفوه الأودي التي يقول في مطلعها:
ان تري راسي فيه قزع   وشواتي ظلة فيها دوار
وذلك لما في هذه القصيدة من تفضيل اليمن وهم عرب الجنوب على مضر وعرب الشمال وهي مسالة حسمها الاسلام وهي كون الانسان اخا للإنسان بغض النظر عن اي عرق ولون.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم