صحيفة المثقف

قطار الفعل القرائي الحاجة الى اصلاح النوافذ المكسورة

كيف وصلت الحضارة الإسلامية الى الحضيض؟ هو السؤال الذي ينبغي أن يطرح قبل السؤال الأرسلاني الشهير لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ذلك أن السؤال الجوهري في نظرنا هو البحث عن سبل علاج الأزمة الحضارية لترقيع الفجوات والصعود الى النقطة الصفر آنذاك فقط يمكن التفكير في آليات وووسائل التقدم والترقي الحضاري، أما والحال أن الثقوب والكسور تملأ الحيطان والنوافذ التي بنيت وشيدت عليها أسقف الحضارة العربية والإسلامية فإن بحثا عن التقدم والرقي هو لمن الهرطقة من القول أو لمن المهدور من المياه الفكرية والثقافية أو لمن العالق في أوحال الوهم والسراب.

يتضح من خلال استقراء نسب القراءة والقراء في الوطن العربي أن هاته النسب في تدهور مستمر، حيث أن معدل القراءة ينخفظ بمرور السنين، فبقارنة صغيرة في حال القراءة بين الأمس واليوم يكفي أن نورد مثالا واحدا  ليتضح المراد، ذلك أن متوسط معدل القراءة في الوطن العربي يقدر بربع صفحة للفرد سنويا في حين أنه كان يبلغ سنة 2013 ما يمكن تشخيصه في أن 80 مواطنا عربيا يقرؤون كتابا واحدا، وهو رقم يبقى جد ضئييل لكنه أعلى مستوى نسبيا مما هو حال القراء اليوم.1.

كيف لمجتمع لا يقرأ أن يتقدم؟ كيف لمجتمع  لا يعي محصلات وفوائد القراءة أن يطالع؟ كيف لمجتمع لا يفقه كباره مقاصد القراءة أن ينقلها لصغاره؟

لقد توالت الجرائم ضد القراءة من طرف أفراد المجتمع عن وعي أو بدون وعي بسبب النوافذ المكسورة التي باتت تتوالى شَدَخاَتثها بسبب الإهمال غير المقصود من طرف أصحابه والعدوى السريعة الانتقال بين أفراده في صمت وفي غفلة عن مسؤوليه.

ان نظرية النافذة المكسورة نظرية معروفة في علم الاجتماع حيث دفع انتشار الجريمة بعلماء الاجتماع هؤلاء كجورج كيلينج وغيره الى التفكير في حلول جذرية لهاته المعضلة المجتمعية حتى قادهم التفكير الملي والبحث الجاد الى ابداع نظرية النافذة المكسورة، ومفادها أن الجريمة هى النتيجة المحتمة للفوضى، فعندما تكسر نافذة فى بناء ولا يتم تبديلها مباشرة، يظن الناس أن أحدًا لا يهتم للأمر وسرعان ما تكسر نوافذ أخرى، وتنشر الفوضى من المبنى إلى الشارع الذى يقابله، مع إرسال رسالة بأن كل شىء ممكن.2.

إذا تم اسقاط هاته النظرية على الحقل المعرفي الذي نحن بصدده فإن الأمر لا يختلف، حيث أن قطار القراءة في مجتمعاتنا العربية قد كسرت أغلب نوافذه وباتت رياح الجهل تدخل على ركابه من كل جانب، وتوال عبر التاريخ تهشيم زجاج نوافذه في عدوى غير مسبوقة بين أفراده لجهلهم بفوائد القراءة والنتائج المذهلة التي يمكن أن تُتَحصل عنها.

لا يخفى على أحد أن الكتابة ما هي الا امتداد للذاكرة البشرية، حيث أن الانسان خوف النسيان يُقيٍد معلوماته على ورق الكتب، فتكون الكتب آنذاك بمثابة ذاكرة كبيرة لتخزين المعلومات، ولا أدل على ذلك من محرك البحث جوجل الذي بات مفتاحا كبيرا لخزانات هائلة من ليس فقط الكتب الورقية بل وأيضا كل ما يمكن أن يملأ عقولنا بالمعلومات من ميكرو فيلم وأفلام وثائقية مرئية أو مسموعة وجرائد ومجلات  ورقية والكترونية.

المشكل إذن ليس في نذرة المعلومة كما كان عليه الأمر في السابق بقدر ما هو في الثقوب والكسور التي أصابت نوافذ عقولنا فتتسرب منها رياح الأفكار السلبية التي تبعدنا أن نسمات الفكر الراقي التي ينبغي أن تتسرب برفق على عقولنا من خلال نوافذ مصلوحة متحكم في أبوابها حتى تهضم عقولنا  أريج أفكارها.

الذي ينبغي التفكير فيه بجد من طرف الفاعلين في الحقل القرائي بمختلف مشاربهم هو إصلاح ما ينبغي إصلاحه من النوافذ المكسورة في عقول أفراد مجتمعاتنا العربية وهو أمر لسي بالسهل لما يسبقه من جرد لها من أجل ضبطها وحصرها، ومن ثم معرفة ما يصلح لرأب صدعها، خصوصا مع استحضار الإمكانيات الهائلة التي أصبحت متوفرة مع عصر التيكنولوجيا والاتصال.

 

د محمد غاني، كاتب – المغرب

...................

الهوامش

1، تقرير خاص عن: أرقام مفزعة.. كم كتاباً يقرأ المواطن العربي في السنة؟ جريدة الخليج أونلاين، بتاريخ 13، 04، 2016.

2، الموقع الثقافي ، أما قبل، النافذة المكسورة، تحت خانة : مصطلحات.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم