صحيفة المثقف

الانتخابات التشريعية في الجزائر

"الشّْكَارَة" السُمُّ الذي قتل روح "النضال" داخل الأحزاب في الجزائر

من مظاهر الممارسة السياسية داخل الأحزاب في الجزائر أنها تضع الكمّ في أولى مراتب "النضال"، فكثير من الأحزاب السياسية تريد ملء وعاءها الانتخابي عن طريق استقطاب مناضلين مهما كانت أشكالهم وأخلاقهم، ولا مرة فكر حزب من الأحزاب السياسية في الجزائر أن يبحث إن كان مناضليه متورطون في قضايا فساد أو مسبوقون قضائيا،  لأن الفعل النضالي النزيه أصبح مفقودا، منذ أن تحولت " الشكارة" إلى مفهوم يستعمله  أرباب المال ورجال الأعمال في كل مرحلة انتخابية من أجل الوصول إلى السلطة، لا يهم معرفة مصدر هذا المال حتى لو كان فاسدًا، ولا يوجد حزب من الأحزاب السياسية في الجزائر التي قبلت بهذا الوضع، حاول ولو مرة واحدة أن يطبق شعار:" من أين لك هذا؟"، لأنه لا يمكن عند الذين لا مبدأ لهم أن يروا العسل ولا يتذوقونه، وإذا غمسوا أصبعهم مرة فلن يترددوا في غمسه مرتين   أو ثلاثة، وهكذا.. ، وأصبح التنافس حول من يدفع أكثر، ولعل تفضيل المال على الرجال كان سببا في تعطل الحركة النضالية داخل الأحزاب في الجزائر، والدليل أن البعض لا ترى وجهه إلا عند اقتراب موعد الانتخابات، إما للحفاظ على مقعده فوق، أو لانتزاع مقعد له.

لقد برزت قضية "الشكارة" بشكل كبير إلى السطح داخل الأحزاب السياسية قي الجزائر، وارتبطت أكثر بأكبر حزب، وهو حزب جبهة التحرير الوطني، لا لشيء إلا لأنه صاحب الأغلبية داخل البرلمان و المجالس المنتخبة المحلية، كما أن أغلب نوابه وزراء ،أي أنه هو الحزب الحاكم في البلاد،  ولذا لجأ بعض الانتهازيين إلى استعمال "الرشوة" أو الشكارة  بتعبير العامة من الناس،  من أجل الوصول إليهم وحبك شبكة من العلاقات بينهم ، من أجل كسب الجاه والثروة ،  وكان بمقدور البعض أيضا أن يستبدلوا الرجال بالمال، ويبيعون ذمتهم، فتصريح الأمين العام الحالي للأفلان عندما قال: أن "عهد الشكارة داخل حزب جبهة التحرير الوطني قد انتهى" يؤكد أن الظاهرة  ليست بالجديدة،  وإن كانت هذه الأخيرة أي "الشكارة" قد ألصقت بالأمين العام الأسبق للأفلان، الذي تمت تنحيته في المؤتمر العاشر،فقد استمرت للأسف،  وكانت سببا في ما نراه من تفتت سياسي بين قادة الحزب، لا يهم ما هو موقف رؤساء الأحزاب السياسية الأخرى من قضية "الشكارة" خلال الانتخابات،  لأنها "معارضة" وحتى لو ذكرناها هنا ، فهي لن تكون سوى تحصيلا حاصلا لتصريحات مَنْ سبقوهم، كم أنه في هذه الأحزاب من يقدم رشوة من أجل الفوز أو ترأس القائمة الانتخابية،  إنما الأهم، هو كيف تكون الرقابة على الشكارة؟، وبتعبير أصح كيف يمنع قادة الأحزاب "الرشوة" ؟..

إذا وقفنا على تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الدكتور جمال ولد عباس عندما أكد بأن أصحاب الشكارة مستبعدون من الترشح للتشريعيات المقبلة ، وأن اختيار المرشحين سيكون خارج دائرة المحسوبية والمحاباة، ذلك من أجل استرجاع المسار النضالي للأفلان إلى سكته الصحيحة، فالسؤال الذي وجب طرحه على الأمين العام للحزب العتيد، وعلى كل رئيس حزب سياسي قرر المشاركة في هذه الاستحقاقات، كيف يمكن منع هؤلاء من شراء أصوات المناضلين ؟ كيف يمكن تفعيل الرقابة؟ ، على ما يبدوا أنه حتى لو جندوا جيشا عرمرما ، فلن يتغلبوا على محاربة الشكارة، هذا  "السُمُّ" الذي أصبح يسري في دم البعض، و قتل روح النضال لدى المناضلين،  فالمترشح "الرّاشي" ليس غبيا طبعا أن يقدم رشوة أمام الملأ ، فقد يعقد صفقته في مقهى، أو في بيته، وفي الظلمة إن صح القول،  فهل سيراقبه في بيته؟ ، وهل سيراقبه في الظلمة؟ وليس غبيا أيضا من يقدم رشوة داخل كيس بلاستيكي ،  حتى في الأفلام لا تحدث مثل هذه الأمور، وقد علّمت السينما الغربية المشاهد العربي بصفة عامة والمشاهد الجزائري بالخصوص كيف يسرق وينهب، وكيف يرتشي ويشتري الذمم، بل نجده يتفنن في إغراء النفوس الضعيفة بالمال، من أجل ترتيبه في المراتب الأولى في قائمة المترشحين أو أن يكون على رأس القائمة، وقد سمعنا هنا وهناك أن فلانا اشترى أصوات المناضلين بالعملة الصعبة، وأن مقاولا مترشحا قدم شقة كعربون، وآخر  وهب سيارة  فخمة، الشيء الذي يؤسف له هو أن هؤلاء المترشحين منهم من لا يحمل بطاقة مناضل، وكان اسمه ضمن قوائم أحزاب أخرى، وهم بهذه السلوكيات  أساءوا للحزب، ففقدت صورته وهجها التأسيسي، لأنها من مخلفات المؤامرة العلمية التي انتهت  بالانقلاب على عبد الحميد مهري والإطاحة به قبل وفاته.

من قال أن الأزمة داخل الأفلان انتهت؟ .. إن الأزمة مازالت موجودة، وما زال الحزب يعيش حالة انسداد خفيّة،  طالما "المعارضة" داخل الحزب ما تزال قائمة، وهي تصر على أن المؤتمر العاشر  غير شرعي، ما تزال الأزمة طالما رموز الحزب ما زالوا خارج اللعبة ، دون الحديث عن الذين انسحبوا وانضموا إلى تنظيم علي بن فليس، وهم أغلبهم إطارات دولة ، ففي وقت نادى زعيم الأفلان الحالي أن لم الشمل أصبح  أكثر من ضرورة لمواجهة التحديات التي يواجهها الحزب وتواجهها الدولة، وقال أن  خارطة الطريق تندرج في إطار مصالحة شاملة بين جميع أبناء الأفلان، لكن لا شيء من هذا القبيل تحقق، وهاهي إطارات الأفلان تنفلت من أيدي القائمين عليه حاليا، بعدما أخلط  اقتران  المال بالسياسة  كل الحسابات، ولم يعد  للطموح المشروع والنظيف مكان، بل نجده يغير موقفه ويتراجع عن تصريحاته ويعلن أمام وسائل الإعلام أنه يجوز لأصحاب المال (الشكارة) الترشح في قوائم الأفلان شريطة أن يتأكد الحزب من مصدر هذه الأموال، وإن كان من الصعب جدا الوقوف على مصدر أموال المترشحين من الأثرياء ، فالأمين العام للحزب أثبت أن منطق الشكارة سائدا داخل الحزب العتيد، ولا يختلف اثنان أن هذا خطأ سياسي فادح وقع فيه  ولد عباس لأن الأحزاب المعارضة ستسجله في أجنداتها، إن ليس اليوم فغدا.

فمن المؤسف جدا أن نقف على حالات في بعض الولايات، وأن نرى متابعون قضائيا وآخرون تحت الرقابة القضائية يجمعون ملفات المترشحين، ثم من قال أن الملفات  ستُحَوَّلُ كلها إلى الجهة المركزية كما أمر الأمين العام جمال ولد عباس؟ ، وهل رئيس الجمهورية   الذي يعد رئيس الحزب يتابع فعلا هذه العملية، وأنه أمر بضرورة التحلي بروح المسؤولية في اختيار مترشحين أكفاء من جميع شرائح المجتمع وهو في حالته الصحية هذه؟، لا أحد طبعا يشك في القدرات العقلية للرئيس، لأنه معروف عنه بالعقل المدبر وصاحب المهمات الصعبة،  وهو الوحيد الذي استطاع لم شمل أبناء البلد الواحد وتجاوز ألأزمة التي عصفت بالجزائري خلال العشرية السوداء، وصالح بين الشعوب الأخرى ،  وباختصار شديد نقول أن رجال المال المترشحين للانتخابات والدين لا ضمير لهم،  فرضوا سيطرتهم على النفوس الضعيفة  ، وبالمال اخترقوا الساحة السياسية، وجعلوا من الشكارة قانونا يطبقونه على هؤلاء، وخلقوا طبقة من "الرقّ" السياسي، أو التابعين، وكانوا سببا في تراجع المناضلين الحقيقيين الذين وجدوا أنفسهم على الهامش.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم