صحيفة المثقف

حقيقة الاسلام الغائبة (30): قولوا الحقيقة للناس وأخترقوا الصمت

من القواعد الأساسية المتبعة في نشر الأصول التاريخية هو احترام النص الذي ننشره كلمة كلمة . لكني لاحظت ان الكثير من مؤلفينا القدامى قد وقعوا في أخطاءٍ كبيرة، وهي ظاهرة الخطأ، ولابد من اصلاحها.الكتابة في حياة الاسلام الأولى تحتاج الى دقة وذكاء، حتى لا تنقل نصوصها على علاتها التي كلفتنا الكثير في تحديد مستقبلنا ومستقبل الاسلام الذي ندعي انه أخر الآديان، وبه أكتملت الرسالة الآلهية . لقد مثل الأسلام تجربة ميلاد مجتمع جديد وأكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة التي فرضت على المجتمع العربي حين تحدد مصيره بدينٍ خلقَ لنا كل هذه الفُرقة والتنازع والأشكاليات في المصير فيما بيننا، فهل كان هو سبب فُرقتنا، أم نحن الذين سببنا له كل هذه التُهم الكبيرة...؟

 وهل ان اسلام محمد (ص) هو نفسه أسلام الفقهاء اليوم، أم كان دين الفقهاء دين أخر ؟ من هذا المنطلق لابد من تحديد الأشكالية بعد ان اصبحنا نحن والدين موضع شكٍ واتهام .

لا أحد يستطيع ان يفهم معنى الدولة والأمة، الا من خلال الدستور الذي يحكُمها، ومن خلال القوانين المستنبطة من الدستورالمطبقة فيها، وخاصة في الحقوق والواجبات والثوابت الوطنية.وهكذا أدرك محمد الحقيقة في وقت مبكر على الدعوة، فكانت وثيقة دستوره التي كتبت في السنة الخامسة للهجرة – التي أخفاها الفقهاء خدمة للسلطة - هي الوثيقة المعتمدة في الحقوق والواجبات عند المسلمين في حياته، والتي نصت في مادتها الأولى على :"ان الذين أشتركوا في تكوين أمة الاسلام يكونون وحدة أعتقادية وسياسية وأجتماعية مستقلة بذاتها وحقوقها مشتركة فيما بينها دون تفريق، ولم تفرق الوثيقة بين المسلمين وغيرهم، أذن من أين جاءت نظرية المذاهب المتعارضة في حكم الاسلام ؟، أنظر نص الوثيقة في مجموعة الوثائق النبوية لأحمد حميد الله .المكتبة البريطانية العامة لندن - قسم الآرشيف".

ان التطبيق الواقعي للجماعة الأسلامية الجديدة كانت ترمي الى تكوين دولة أمة جديدة بقانون جديد يرفض معاداة الأنسان بحجة الدين، لا بل كان بداية لمسار جديد للأنسانية التي تخلصت من عصبية الجاهلية القبلية والعشائرية، لكن وفاته (ص) المبكرة، قد أنتاب الدولة نقص كبير، وهو نقص بالمقارنة الى قمة الكمال التي كان التطبيق الرسولي قد بلغها، والذي لا يأتي بعدها الا النقص ان لم يُحافظ عليها..فحدث النقص منذ بداية عصر الخلافة الراشدة بنظرية تنازع القيادة، حين توجهت الأطماع نحو السلطة رافعة شعار(منا امير ومنكم أمير)، ويقصد به المهاجرون والأنصار، والذي شكل بداية النقص والتدهور حتى اصبح النقص يعلوا على قوة المسيرة النبوية، فأستمر التناقض والتناقص مع الأسس التكوينية الأولى للتجربة فدخلنا في النفق المظلم، نفق الرئاسة ولا زلنا فيه الى اليوم، كما قيل : ( ما سُل سيف في الأسلام مثلما سُل على الخلافة).

من هذا المنطلق نقول ان التاريخ بحاجة دائمة الى اعادة نظر، والنظرة النقدية للنص تحتم علينا تفحص الثوابت حتى في مواجهة الشخصيات العظيمة كالخلفاء الراشدين (رض) .نحن لا نريد التقليل من شأن هذا او ذاك، بقدر ما نهدف الى أعادة ترتيب التاريخ وقراءة ما خلف السطور، لعلنا نكتب تاريخا للاجيال بعد ان دمر التاريخ المزيف عقولنا خلال 1400 سنة من التدوين.

نعم هناك من كتب بقصد طمس حقائق وأختراع فضائل ومشينا على ما كتبوا، فأذا بأبطال التاريخ يوارون في غيابة التجاهل وينزوون في الظلام، واخرين غيرهم يشاد بهم، ويعلى من شأنهم، ويضاف اليهم ما ليس لهم..وتستمر المسيرة الى اليوم حين صوروا الخيانة أمانة والباطل هو الحق في حقوق الناس والوطن ..بعد ان طمست الوثيقة مرة اخرى ...فأين نقف اليوم ..؟

لقد كانت البداية المآساوية لأمتنا قد تمثلت في أخفاء الوثيقة من قبل السلطة والفقهاء، وهذه مخالفة شرعية وقانونية، لأن دولة الرسول (ص) لم تكن دولة دينية، بل كانت دولة مدنية بكامل مواصفاتها والدين يبقى مراقبا عليها.ولتلافي هذا التوجه المُحكم، أعلنوا ( نظرية المحاصصة بين الانصار والمهاجرين )، غير ان التجربة كانت في قمتها الروحية، فأمكن تطويق هذه الفُرقة بعد ان تغلبت روح المؤاخاة عليهم فأجتمعوا على خير.فاين من كانوا يدعون بوحدة المعارضة والمصيرفي عراق المظاليم، بعد ان باعوا الوطن للأجنبي – ولا زالوا كل يوم يبيعون- ولم يتفقوا على مصير، فأدى بهم الى التنابز والتباغض من اجل المصالح الشخصية لا الوطنية يؤيدهم عدو لئيم يضمر في قلبه الاسود الحقد التاريخي القديم ...حتى ذهبوا بالوطن الى تدمير..

فقال الفقهاء منذ البداية بأن القرآن هو دستور الدولة الاسلامية، فكانت المشكلة الاولى، لان هذا يجانب الصحيح، فالقرآن لا يحتوي على أي تشريع. ومن يعتقد انه يطبق أحكام الشريعة الاسلامية في دستوره بموجب النص المقدس اليوم فهو خاطىء، لأن الشريعة لها منهجها الحاكم الذي يحتوي على الأحكام المرتبطة بالحدود، يقول الحق :"لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً، المائدة 48".ولا يوجد حكم في الأسلام الا في حالة الفاحشة العلنية يقول الحق : "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فأجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون(النور 19)"، ولا غير.

من هنا فأن الدساتير العالمية اليوم التي تحكم الشعوب هي الدساتير المدنية ولا تَدخل للشرائع الدينية فيها وحدود الله هي الرقيب، وهذا ما فطنت اليه الوثيقة منذ البداية،  وهو هدفها الذي أخفوه من اجل دكتاتورية السلطة، لذا نحن نطالب بألغاء المادة الثانية من الدستورالعراقي الحالي، واستبدالها بنص مدني لأن الشعب العراقي مكون من مكونات اسلامية وغير اسلامية يجب ان تراعى فيها الحقوق بالتساوي، وحتى لا نقع بما وقع به الأقدمون ؟. وان يلغى النص الخاص بالآديان والمذاهب واستبداله بنص مدني يشمل الجميع، لأن المذاهب اجتهادات شخصية مات أصحابها وأنتهى زمانها واصبحت تاريخ .وان تحذف كلمة الدين واللقب من الهوية العراقية الشخصية واستبادلها بكلمة عراقي فقط ضماناً لوحدة المجتمع وعدم التفريق بين المواطنين بعد ان دمرتنا الفُرقة المذهبية الباطلة .من هنا نستطيع ان نعمل دولة القانون؟. والا سنمر بما مرت به دولة الخلافة التي خلفت لنا أشكاليات التعقيد .

لقد كان الرواد الأوائل بعيدين عن الفكر السياسي السليم ولا زلنا نحن نتبعهم دون تعديل، لذا تحولت الخلافة الى ملك عضوض مستبد، أليس كلك ؟ فتحولت الخلافة الى نظام لتفريق أموال الدولة بين المؤيدين بأمتيازات تشابهت ما فعله الرواد الجدد في دولة العراقيين بعد2003 بعد ان اصبحت اموال الدولة مشاعة لهم دون قانون. وبعد ان رفضت الخلافة أحتجاجات الأخرين، ترفض الرئاسات الثلاث اليوم سماع رأي المواطنين بعد ان أخترقت الدستور في المادة 18 رابعا والتي تنص:" من حق العراقي التجنس بجنسيتين، لكن ليس من حقه ان يعتلي منصبا سيادياً، والرئاسات الثلاث يشملهم القانون..هنا الخطأ القاتل في دولة العرب والمسلمين، حين يستثنى الرئيس والمسئول من مسئولية القانون .

ان المشكلة كانت عند المسلمين أنهم لم يقوننوا القوانين، بعد ان ظل كل شيء عندهم عائم وغامض وغير مضبوط.واليوم تتشابه الحالة حين تقر القوانين لمصلحة الحاكمين ويؤيد القضاء- وهي الطامة الكبرى- كل باطل بقانون.كما انتزعت الرئاسة من منتخب الى اخر

 بتدليس القانون، وهكذا كانت تزور الخلافة اوالرئاسة للدولة عند المسلمين .أنظر الطبري ـ310 للهجرة في موضوع الخلافة).

 

من يريد ان يُكون دولة ويحكُم المجتمع بعدالة القانون عليه :

ان يقر ان عقيدة الدولة هي عقيدة وجود مادي حقيقي مبني على ثنائية التناقضات بين الأزواج والأضداد، وعلى تغير الصيرورة (التطور)  في الأشياء وفي المجتمعات، وعلى التناقضات الداخلية في المجتمعات، والتي تؤدي بالضرورة الى تغير جديد في شكل الدولة والعلاقات الاجتماعية في بنية الدولة مع الزمن، حتى تصبح دولة متطورة مبنية على البينات المادية يقدمها العلم الموضوعي وعلى العقل لا العاطفة او الأنتماء الديني، وعلى تغير القوانين بأستمرار مع تغير الزمن، والسلطة لا تملك أداة الاكراه، وكل شيء يقوم على الأكراه وعدم رضا الناس ليس من التنزيل الحكيم (لكم دينكم ولي دين). والدين فيها يقوم على حرية الأختيار، أما مبدأ الحرية والعدالة الأجتماعية فهي اتفاق بين السلطة والدين .وان الدين ومرجعيات الدين ليس من حقها ان تعطي مشروعية السلطة الا بالتطبيق العملي للقانون، حين تصبح السلطة والدين في خانة واحدة في تطبيق الحقوق والقانون، وبعد ان يكون الدستور والقانون مطاع طواعية دون اكراه.

فاذا ما بنيت الدولة على قوانين الحقوق والواجبات لا يمكن ان تسقط – هذا هو هدف الوثيقة – اي الدستور، لا ان يعطل الدستور ويخترق كما هو مخترق في دولة العراقيين اليوم في المادة 18 رابعا.لأن قوتها ناتجة من ايمان الانسان فيها، ولأن قوة ربط العلم بالانسان والحياة يدفع عجلة التطور الى الامام ويصبح بالضرورة هو احد مبررات التقدم في الدولة من اجل الانسان.لذا فأن التشريع في الدولة العربية الاسلامية مبني على ان لا شيء اسمه الشريعة الاسلامية وكيفية التصرف في الحقوق، بل في الاحكام التي تنبع منها الحدود، وليس في الاسلام مرجعيات دينية أو فقهاء، لهم حق الفتوى على الناس كما تحشر اليوم في كل صغيرة وكبيرة تقربا من السلطان، وتعداها الى اصدار الاوامر بتكوين الجيوش المرادفة للجيش النظامي فتزيد كلفة الدولة وتجعلها مرادفة لها في التصرف والتنفيذ، بل يعتمد على الحدود التي يجب ان تطبق على الجميع دون أستثناء، - الحد الأدنى (النساء آية 22)، والحد الأعلى ( المائدة آية 38) – وهوتشريع انساني ضمن حدود الله، لذا ليس من حق الحاكم او السلطة تجاوز حدود الله في الانسان.

 من هذا المنطلق حدَدت الدساتير المدنية في العالم المتحضر، تحديد سلطة الدولة عن حقوق الناس، وأنحصرت سلطتها في توفير الآمان والأطمئنان والكفاية والعدل للمواطنين ولا غير. وليس في انتخابات مزورة تظهر برلمان قائم على مصالح الكتل السياسية الفاسدة لاالقانون، وها ترون اليوم الى اين وصلنا بعد ان اصبح الوطن يباع قطعة قطعة في سوق النخاسة دون قانون والكل من الصامتين .

اما العلاقات الاخلاقية المتمثلة بالصراط المستقيم والمعروف والمنكر هما اساس الألتزام الاخلاقي بين الفرد والسلطة وهذا التوجه الرباني مبني على الوصايا العشر التي وردت في القرآن في سورة الانعام يقول الحق :" ان لا تشركوا به شيئاً...وبالوالدين احساناً... ولا تقتلوا اولادكم من أملاق ... ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن... ولاتقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق... ولا تقربوا مال اليتيم...حتى يبلغ أشده ... وآوفوا الكيل والميزان بالقسط ...واذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربى....وبعهد الله آوفوا وان هذا صراطي مستقيماً :" (آية 151-153) هذا هو كل ما جاء في القرآن مختصراً ومن يخرج عليه فهو ليس من المسلمين ولا من المؤمنين ... فأين من يحكمون اليوم من النص المقدس ؟ وعلى المشرع ان لا يضع القانون او يوافق عليه الا بما يتوافق وحقوق وواجبات الناس ولا يجوز شرعا التفريق في التطبيق.ناهيك عن التزوير والمزورين.

الحرية في الرأي والاختيار والديمقراطية هي من حقوق المواطن ولا دخل لسلطة الدين فيها، (انظر وثيقة المدينة القفرة(6) وليس من حق السلطة أغتصابها لأي سبب كان.الحرب والسلام، وفي الجهاد يقول الحق: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين، البقرة آية 190" ولاغير)، فالفتوحات الاسلامية كانت اعتداءً على الغير مخالفة للنص.والعلاقات العامة مع الدول كلها تخضع لرأي الشعب وليس لفئة حزبية حاكمة ترتبط مصالحها بالمجاورين، كما دمر صدام حسين بدكتاتوريته المقيتة الوطن بالحروب والرأي الواحد دون تطبيق القانون؟.

 الشرعية الدينية هي ان تطبيق نظرية الحدود- كما ذكرنا- التي وردت في الكتاب الكريم، وهي ضمان الديمقراطية، وفيها تكمن الاسس المتينة للوحدة الوطنية، لكونها تنسجم مع الطبيعة وفطرة الناس. وان اي خروج على حقوق الشعب سوف لن تحصد الدولة منه الا الخسران المبين؟

وليعلم القائمين على ادارة الدولة العراقية المُغتصبة من حكامها وسارقي ثرواتها اليوم، وكل المنعزلين عنها في منطقتهم المحصنة، (والعزلة شعبة من الضيق كما يقول الامام علي (ع)، ويقصد هنا عزلة الحاكم عن الرعية . اذن هم يحكمون بلا شرعية ولا قانون، ان نتيجتهم الخراب الأكيد بعد ان اصبح الشعب لا يطيق حتى وجوههم الكالحة في الفضائيات ووسائل الاعلام، ولو يملكون ذرة من قيم الأسلام لأختفوا في غياهب التاريخ..كما حصل التحريف منذ بداية التكوين.

من هنا فأن اهمية التغيير جاءت من اجل التجديد لمصلحة المجتمع لا الحاكم، وان يكون مشروع الدولة بعد التغييرمشروعا جديا على مستوى الرؤية التاريخية، وجديته تتمثل في النظر والعمل الفكري والقانوني لعامة المواطنين دون تفريق بعد ان اذاقتنا الدكتاتورية الظلم الكبير.ويجب ان تكون رئاسة الدولة بالانتخاب لا بمحاصصة المكونات لتأتي لنا بالقوي المؤيد من السلطة العليا (الشعب) والغيور عليه، وهذاغير موجود اليوم في دولة العراق، دولة اللاقانون أليسَ كذلك..؟ اما نظرية عدم الأكتراث براي الناس فهذا جرم بحد ذاته يعاقب عليه القانون.

على من بيده السلطة اليوم مغتصبا لها ان يعلم:

ان السلطة الغاشمة... والقسم الكاذب ... والقوة المفرطة... وقانون العشائرالمتخلف... والأحزاب الباطلة ... وثقافة السرقة للمال العام ... واغتصاب المنصب لمن ليس اهلا له .... والمليشيات المجرمة بحق الأبرياء لا يبرر المظلمة كما كانوا يدعون ..، لان آيات الظلم حدية لا تقبل التأويليقول الحق :" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرأنا اعتدنا للظالمين ناراً (الكهف 29) "، ولم يقل للكافرين لأن الظلم مشترك بين الأثنين معاً.

فسلطة العراق اليوم باطلة شرعاً لأنها جاءت بأنتخابات مزورة، وبأحتلال باطل شرعا وقانوناً ليس للشعب فيه من رأي..لذا فأن كيان الدولة باطل ويجب على القيادة ان تنصاع لأمر الله والشعب بالتغيير. وعلى الشعب ان لا يُخدع مرة اخرى من قبل مغتصبي حقوقه ومن سقط

وجدانهم وسقطت غيرتهم الوطنية، بل يجب ان لا يَنتخب الا من له صلة بالحق والعدل في الوطن، وكل السابقين ليس لهم من هذا القبيل نصيب.....؟

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم