صحيفة المثقف

الحِوَارُ والتَعَدُّدِيّة الفِكْرِيَّة.. المثقف والسلطة من الغالب ومن المغلوب؟

الحِوَارُ ضروري لمعرفة الآخر وفهمه، طالما يوجد اختلاف بين الطرفين، فكرا وإيديولوجية ومذهبا وعقيدة، كما أن الحوار ضروري بغية الاستفادة مما لديه من أفكار وتجارب تساعد في تحقيق التعايش، وتغيير الواقع وتحويله للاتجاه الذي يرضي الجميع ويحقق المصلحة العامة،  فمشكلتنا نحن المسلمون أننا لا نقبل بالحوار، لأننا ننظر للآخر بنصف عين، ونعتقد أنه أقل منّا مرتبة، فوقفنا جامدين أمام التحولات التي يشهدها العالم، إن التعصب الفكري والعقائدي وحده يولد الخلافات بين البشر ويقود إلى انقسامات فيما بينهم، ليس بين مجتمع مسلم وآخر غير مسلم، بل حتى بين المسلمين أنفسهم، وما الأحداث الذي عاشتها بعض الدول التي حولت الخلاف من الرأس إلى اليد كما يقال  كالجزائر، تونس، مصر،  ليبيا، سوريا، والعراق، ونشب فيها الاقتتال ودبّت الفرقة، وتقطعت اللحمة بين ابناء البلد الواجد،  بسبب التعنت الفكري، ولم تخلق من التعددية الفكرية حالة حوارية عقلانية كما يقول بعض المفكرين، الذين يرون أن الاختلاف سُنّةٌ، وجعلوا من الحوار علاج للتخلص من الأزمات ومحاربة صانعيها، وإبطال الشعور بأن التغيير أمر في حكم المستحيل، من أجل أن يظل الحال على ما هو عليه.

ما تزال رائحة البارود تنتشر في كل حيِّ وفي كل بيتٍ من البلاد العربية التي تعيش الثورات، والإرهاب الهمجي، وما أصاب الشعوب من وهن وانهيار معنوياتهم، وفي كل مرة نسمع أو نقرأ هنا وهناك بأن الوقت قد حان لإطلاق صفارات الإنذار لإنقاذ الشعوب والجماهير، وحفظ ماء وجه الأنظمة والأحزاب وما زرعته من يأس في قلوب الشباب وقضت على  أحلامه وطموحاته، ووعدوه بعالم وردي، وإذا به سراب وأوهام،  وفي كل مرة نسمع أو نقرأ هنا وهناك بأنه حان التغيير ونجد أحزابا تطلق مشاريع لبناء "جدارا وطنيا" تحمي به منظومتها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والتربوية والثقافية، وفي شتى جوانب الحياة، وإعادة النظر في الذكاء الصناعي الذي ابتكر الأداة التي تبيد  البشرية وتعطل نشاطها الإنساني..، وقد ظلت بعض الدول تعاني من حالة احتراب داخلي ناشبة بين السلطات الحاكمة التي لا تريد التخلي عن كراسيها لذلك فهي تسلك العنف سبيلا إليه، فتشعرهم بالضياع والعبثية وانسداد الأفق، ولعل ما يحدث الآن من تمرد شباني ومواقف الرفض وتصاعد حركات التطرف والتعصب الديني والسياسي سببه انهيار النظم، التي كانت سببا في تراجع مؤشر الثقة في كل المؤسسات وتراجع الضمائر بدورها كلما وقفت متفرجة على ما يحدث من أزمات، والتي تضع العالم كله أمام أخطار شاملة، يقول المؤرخ الجزائر محمد الميلي رحمه الله: " من الخطأ أن نتصور بأن ظواهر التطرف والإرهاب التي يعرفها هذا البلد أو ذاك، ناتجة فقط عن التحولات الداخلية للبلد المعني، بل إنها شديدة الصلة أيضا بالشمولية العالمية التي تؤدي إلى القضاء على الهويات، ومن ثم الانفصال عن التاريخ أو فك الارتباط به"..

معظم المثقفين العرب قلدوا الغرب في العناية بالعلوم الإنسانية ولكنهم لم يحاوروهم لفهم الماضي والتخلص من قيود الفكر الاستعماري، بل أنهم لم يحددوا موقفهم من الاستعمار، والجزائر كنموذج عجزت حتى أن تنتزع اعتذارا من فرنسا عن جرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري، وهاهي تبرم معها اتفاقيات عمل وعلاقات صداقة وكأن شيئا لم يحدث، بل تلجأ إلى مستشفياتها للعلاج، وهي بذلك تؤكد على أن الجامعة الجزائرية فشلت في تكوين الكوادر الطبية، ولم تعد قراءة التاريخ قراءة فاحصة، وهي قراءة تتصل بالهوية، فجميع الدول وبالخصوص العربية منها محاصرة اليوم بعدة عقد، أخطرها عقدة التعايش مع الآخر والتحاور معه لإحداث السلام، حتى أحزابها ومثقفيها لكم يتناولوا بالتشريح  الأسباب التي أدت إلى تأخرهم عن الركب الحضاري في الوقت الذي سيطرت فيه بلدان أوروبية على منافذ البحر الأبيض المتوسط.ذ، ونقف دائما مع المؤرخ  الجزائري محمد الميلي عندما وضع المثقف أو المفكر العربي  على طاولة التشريح، ذلك المفكر الذي تعرض لنار مزدوجة: " سوط الحاكم وتكفير المفتي"، هذه النار أوقفت كما قال هو كل مبادرة فكرية للتجاوب مع المتغيرات، فأصبح المثقف والمفكر يلوذان بالصمت أو يسايران نفاقا ما يقوله علماء البلاط والمفتون..، السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو أليست المبادرات الفكرية تأتي عن طريق الحوار؟ فلماذا يرفض حكامنا الحوار مع المعارضة، وكأن الأنظمة الحاكمة والمستبدة ما تزال تطبق ذهنية : " أسكت يا ولد"، وعقلية الأمر الذي لا يقبل النقاش، كما ترى مثقفيها ومفكريها بأنهم ما زالوا صغارًا على اللعب السياسي، وأن مهامهم لا تخرج عن حدود تأليف قصّة أو ديوان شعر في الغزل..

فالأنظمة الذي وضعت المفكر والمثقف جانبا وفي آخر الصفوف تخشى اليوم حتى من اتصالها بالأخر وكيفية الاتصال به، أي ممارسة "الحوار" مع الآخر والاعتراف به  رغم ما يكون بينهما من اختلاف ومغايرة، وهذان العنصران ( الاختلاف والمغايرة)  كما يقول محمد الميلي هما اللذان يبرزان أهمية حوار طرف مع آخر، فكونه مغايرا للآخر، هو الذي يجعله يسهم في تشكيل الآخر، ولأن الحوار يشترط "الندية"  فهي تبحث الآن عن المفكر الواعي والمثقف الثوري لتواجه به العولمة، لكنها لن تعثر عليه، لأنه ركن الى السلبية، و هو الآن يبحث عن طريقة تخلصه من مركب  النقص ليعيد صياغة التاريخ ورواسبه،  ويعيد النظر في المكونات الأساسية للهوية، وكذلك دراسة الواقع دراسة جيوسياسية،  ثقافية، اجتماعية واقتصادية، حتى يتمكن من تغيير قانون الغاب الذي فرضته السلطة والأنظمة الاستبدادية التي أفقرت شعوب العالم وتركت التصحر يجتاح ربوعها الخضراء فاقتلعت أشجارها وعاثت فيها فسادا، ويمكن القول أن الانحطاط السياسي الذي بلغته  الأنظمة العربية كما يقول بعض المحللين  في السنوات الأخيرة، وما ينتظرها اليوم من ضرورة تصحيح ما يمكن تصحيحه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه يجعل المهمة صعبة وشاقة وتحتاج إلى نفس طويل.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم