صحيفة المثقف

لحظاات ساخرة

بعض من تأملا ت الشيخ أبو النظرية

 في تاريخ البشر وأصول التهمج.

 

لحظاات ساخرة

 

فلما علم الشيخ بما أزمع عليه الصحاب، غضب غضبا شديدا، وكاد يخرج عن أطواره وما عهد فيه من روية واتزان، ولامبالاة بما يحاك حوله أو ضده. فقد أدرك مجددا بأن الصحاب إنما هم صحاب مصلحة، وبأنهم قد استبشروا " خيرا " بالوارد على غير حسبان، وبما قد يكون من نفع وراء المهرجان، لهم ولذويهم، كالوجاهة والمكانة بين الناس، خاصة حين سيتوسطون المنصة وتشخص إليهم الأبصار، وتشرئب نحوهم الأعناق، وهُمْ في ما هم فيه من تحية وعناق، وسلام وكلام مع أهل الوقت والحال. وهو قد رأى مثل هذا يحصل، بل ومثل هذا هو ما يجعل الناس يجرون وراء المؤتمرات والمهرجانات، أو ما شابهها من تأسيس تنظيم أو جمعية أو حزب، أو قيام بحملة أو تبرع لقملة. فالوليمة الوليمة! والغنيمة الغنيمة!

و هل سيَشذُّ الصحاب عما استشرى بين الناس، فيكونون من دون الخلق جميعا أصحاب مبادئ وقيم، وأرباب أحلام ومثل؟ ثم فكر الشيخ وقدر، فقَرَّ  رأيه على القبول بما حصل، وعدم المخالفة لما جرى به العمل، عسى أن يكون وراء هذا اللقاء نفع مختلف عما بيت الصحاب توقعه وانتظاره. ثم هداه الرأي أن يُعِدَّ للحفل الدولي نظريته الكبرى، وهو يسميها كذلك لأنها بالنسبة إليه، النظريةَ الجامعة المانعة، والتامة الكاملة، وهي السور والدور المحيط بكل ما جابت آفاقه عقول البشر ونبشته أظافر الأدمغة، ويقصد بها "النظريةَ" التي تفسر التاريخ والاقتصاد والسياسة والثقافة والنهضة والانحطاط والاستبداد والاستعباد وكل ما يخطر على عقول العباد.  والشيخ يعتقد الاعتقاد الجازم بأن تاريخ البشر بكل جزئياته وكلياته، ومواصفاته وأصنافه، وطبقاته وأطيافه، له "مبدأ / أصل" واحد، يفسره ويسبر غوره، ويجلي غموضه. وأما ما اشتغل عليه المفكرون مما قبل اليونان القديمة، وما يلي الرافدين وما بين الفجين، وكذا ما اشتغل به أنصار الفكر الحديث وأنتيليجانسيات  النهضة المعاصرة، فكل ذلك عند الشيخ ضرب من الحواشي التي طالت على هوامش الفكرة الثاقبة التي تيسر له استخلاصها بعد غربلته لطحين النظريات القديمة والحديثة، ووقوفه على رأس الجعجعة والهذر  والثرثرة التي أطلقها الشراح والوسطاء والبسطاء ممن يحلو لهم التوسع في التواشي وزخرفة القول، عساهم يوفقون إلى فهم ما أنتجته أهواء أساطين الفكر وكهان المعرفة.

والحقيقة عند أبو النظرية أنه رغب رغبة ليس عليها من مزيد في أن يعلن اكتشافه الباهر على الملأ الغارق في وحل النظريات التي تستبلده وتقوده إلى حتفه مرغما، وفي أحسن الأحوال تضع حجابا كثيفا من الغبار  والضباب الاصطناعي على عينيه، فلا يعود قادرا على رؤية الحقيقة فبالأحرى معرفتها وفهمها.

والشيخ لا يختلف في رأيه هذا عن أولئك الذين اعتبروا ما سلف من نظريات " أدلوجات"  أودت بالكثير من بني البشر إلى التلف.  وهو لذلك يريد أن يقدم في هذا المؤتمر الدولي " نظرية الحقيقة العارية عري اليتيم في دار اللئيم"  أي نظريةً فعلية تكشف الحجاب عن أعين الناس وتعرفهم على واقعهم أو على الأقل على ما فعلوه هم بواقعهم المتوهم .

وهو يدرك أن الناس وعلى رأسهم صحابه سيعتقدون في البداية بأنه يمزح، أو يسخر من اعتقادهم في جديته، حتى وهو يعرف بأنهم إنما يرون فيه بغلا يبيض ذهبا أو بقرة حلوبا، فسينصبون له منصة، ويضعون أمامه قنينة ماء يشرب منها كلما نشفت شفتاه من كثرة الكلام، وجف حلقه من الغضب المأزوم والغيض المكتوم، ثم سيحلبون الضرع الذي جاءتهم به بقرة "النظرية" ممتلئا حليبا طبيعيا نافعا للجيوب، مسكنا للقلوب،

و مسكتا للجوع، ومقيما للصلب والأود.

هو يعرف غرضهم وهم يشُكُّون في غرضه.

هو يعرف بأن النافخ والزامر وحامل المباخر، لن يفوتوا فرصة هذا الاكتشاف دون أن يستمطروا غيمته ما يشتهون من الأماني والرغبات.  وهم يعرفون بأن ما لم يَقتل قد يسمن، وبأن النظريات كلها إما أنها كانت تقتل أو في أحسن الأحوال " تسمم الكثرة وتسمن الْقِلَّةَ "ـ  وشَكَلَ القلة حتى لا يعتقد القارئ بأنه يقصد " الْقُلَّةَ " أي "الجرة"،حيث كان القرويون يضعون السمن، فسمن النظريات وعسلها وزيتها تستفيد منه قلة من

" الزُّرَّاد" من أقطاب وأوتاد، وسمها الزعاف يجندل العباد.  ثم ما الفرق بين نظرية قديمة ونظرية جديدة؟ فأصحاب النظريات يعيشون منها وأتباع النظريات يموتون من أجلها.  وهم سيكونون أصحاب النظرية أو على الأقل أصحاب صاحب النظرية، المهم كما يقول عامتنا " أصحاب مول الباش ". فأغلب النظريات تشبه الباش الذي تقام عليه الأعراس والولائم، يؤكل فوقها الطعام وترقص عليها الأقدام،، ثم تطوى كما يطوى الباش، على أوساخها وترمى في مطرح النفايات.

و كاد الشيخ أن يغير رأيه ويقدم للمهرجان نظرية بديلة تحت عنوان:

" كتاب  مصارع النظريات في مطارح النفايات" وكان قد عول أن يُخرج من المطارح بعضا من تلك النظريات التي شغلت الناس فترة ثم أصبحوا يتأففون منها ومن شم رائحتها التي أصبحت عطنة تزكم الأنوف. لكنه خشي أن يُطلب منه تسمية بعضها فيقع في الحرج.  فأحيانا تمنع نزلات برد التعصب الأعمى الناسَ من شم روائح النظريات الفاسدة. و"أبو النظرية" يسمي ذلك " بالزكام الإيديولوجي ".  وهو زكام حاد ومعد وقاتل، تنتاب المصابين به حالات من السعار فلا يهمهم أن يَقتلوا ويُنكلوا أو يُقتلوا حينها. بل تظهر عليهم في بعض الحالات أعراض غريبة فيبحث أغلبهم عن الاقتتال ويجري وراءه مغردا مبلبلا بما لا تفقهه العقول وكأنه صريع الحال.

كل هذه الأفكار كانت تمر ببال الشيخ فتشوش عليه صفاءه وتمنعه من أن يسير قدما نحو الإعلان عن نظريته الكبرى التي وسمها " باللكمة واللقمة". فهو يرى بأن القاعدة الوحيدة التي انتظمت اجتماع البشر وتطور أممهم هي "اللكمة واللقمة" . فالإنسان الأول - يقول الشيخ- استخدم لكمته في كسب القوت. فأحيانا كان يبسط يده وأحيانا كان يقبضها، وهكذا تيسر له القطف والجني والزرع والحصد. ثم استعملها في الدفاع عن نفسه، ثم في السلب والنهب والظلم والاعتداء. فكان يبسط ويقبض، فيلوي على كعب الخصم ويطوح به المرة والأخرى ثم يضرب برأسه على الصخر، وكذلك يلوي على شعر المرأة ويجرها إلى الكهف، وقد يلوي على الأذرع والأعناق والسيقان ولا يبالي،، كل ذلك كان أولاً من أجل اللقمة،، ثم قدحت في ذهنه فكرة عبقرية، كأنها اكتشاف النار، بل ولعلها السبب في اكتشافه للنار والحديد والبارود والكتابة. فبعد أن كان يكسب اللقمة، صار يسلبها، ثم صار يستعملها طُعما للغواية والإيقاع بصيده، وربما كانت المرأة صيده الأول، فحبسها في كهف، ثم في خيمة، ثم في بيت. وصار يأتيها باللقمة وهي هناك لا تغادر. وانطلق ينصب الفخاخ لاصطياد كائنات كثيرة باللقمة، وسخر تلك الكائنات لخدمته. فمنها كان الحصان والبغل والحمار والفيل والجمل، وكان منها أيضا الكثير من بني جنسه ممن كانوا يحتاجون اللقمة ولا يقوون على رد اللكمة.

فسيطر على بعضهم باللكمة، وأغرى بعضهم باللقمة، وجمعهم جميعا في كهفه، أو حول خيمته، أو داخل بيته، الذي اتسع بعد ذلك فأصبح بلدانا وأوطانا.

وقد مرت بعد ذلك أطوار من التحول والتغير على البشر. وتلك القاعدة هي الناظم الوحيد لاجتماعهم. حتى زندت الأفكار في كانون الابتكار وانساق الناس يلهثون وراء قانون التقدم يطوي بهم الحقب فيبيتون في البيد ويفيقون فوق السحب، فصاروا إلى ما هم عليه، وأصبحت اللكمة هراوة، واللقمة قرشا ودينارا أو يَنَّا ودولارا . وقد استطاع الشيخ أن يتعقب أطوار هذا الانتقال، وأن يجد له تفسيرا في نظريته العامة لتاريخ الإنسان. فليست الهراوة في الأخير غير المسمى " الأقنومي " للرمح والسيف والحربة والبارودة والرصاصة أو المدفع والدبابة أو الصاروخ والغواصة أو حاملات الشهب أو قاذفات اللهب.

وليس القرش ولا اليَنُّ والدولار ولا الدينار والريال غير الخير والخمير مما على ظهر الأرض وما في باطنها، سواء سميناه لقمة أو سميناه قرشا. فالزرع والضرع لقم، والسلع والبضائع لقم، والمناجم والمعادن لقم، والموارد الطبيعية والعوائد النفطية لقم، لا يطالها ولا ينالها غير صاحب الهراوة

واللكمة والذراع.  فهل من تفسير غير هذا لما لا يستوي ولا يقوم إلا بهذا؟

والشيخ يرى ويجزم بأن ابن الآدمي ثرثار ومهذار، ويسعى لإخفاء شمس الحقيقة بغربال النظريات اللقيطة. ولكنه غربال مثقوب لا يخفي شمسا إن رُفع ولا يحفظ طحينا إن وُضع، وإنما كان أقصى غاية المنظرين أن يمدحوا اللقمة والقرش، ويهيئوا لأصحابها السماطَ والفرشَ والكؤوس، أو يقدحوا في اللكمة والهراوة ما ضربوا بها، فإن صارت في أيديهم قرعوا بها الرؤوس.  ومن النظريات ما هو لقمة للغواية، ومنها ما هو عصي يهش بها صاحب اللقمة على قفته أو حوضه وخيمته.

وبينما الشيخ سارح وراء تأملاته، شارد الذهن يضرب الأخماس في الأسداس ليُتم البناء ويضع اللبنات، واحدة فوق الأخرى، ويلحم بينها بتبن المنطق وطين العقل، وحامل المباخر يمشي بين يدي أفكاره والنافخ والزامر يهللان ويصفقان ويضربان بالأرجل على بلاطة المقهى، استفاق الشيخ من غفوته ومن شروده وراء عنزة النظرية على سؤالهم له بلسان واحد وكأن الفكرة وردت عليهم في اللحظة نفسها:

ـ يا شيخ يا شيخ، شفيت الغليل وكفيت العليل، عافاك الله، يا شيخنا شفيت، وكفيتنا حقنا، ونحن الآن أشد حرصا على تنظيم المهرجان، وعلى دعوة قشدة المفكرين وزبدة المنظرين لهذا الملتقى الذي لدينا اليقين بأن القشدة والزبدة الفكرية ستذوب وتسيح بين أصابع جمهوره من عوام ومختصين، حين ستشرق عليها شمس نظريتك الكبرى، فوهج شمسك يا شيخ سيكشف الحجاب عما غاب...  عن أعينهم.

انتبه الشيخ لما قيل ولم يعقب فتابع الصحاب:

ـ اعذرنا يا شيخ، عافاك الله، فما قولك إن حاجَّك المتناظرون بأن نظريتك ليس لها طابع العموم والشمول، كما هو الشأن في كل نظرية في التاريخ والإنسان. فهاهي المجتمعات منها ما تسمى ديمقراطية، ومنها ما تنعت بالاستبداد. والظن الراجح أن ما جئت به قد ينطبق على المجتمعات البدائية القديمة أو على هذه المستبدة بالخيرات، المستعبدة للناس، المتخلفة عن العصر.

وهنا عقب الشيخ دون أن يلتفت لصحبه أو يغادر ما هو فيه من انشغال بأفكاره:

ـ الحق الحق أقول، إن " اللكمة واللقمة " أقنومة" مفسرة لجماع تاريخ البشر، لا تخرج منها قبيلة ولا عشيرة ولا فخذة ولا أمة ولا بلدة ولا عرق ولا عنصر ولا متخلف ولا متحضر. وإذا شهدتم لدول أو أمم أو جماعات بشرية بهذه المسماة ديمقراطية، فقد سقطتم ضحايا الخدع البصرية،

و غشاكم العمى الأزرق للأدلوجات. فهراوات تلك الأمم تلعب فوق رؤوس الأيتام، وسيوفهم تقطع الأصابع والألسنة، وخيرات الضعفاء لقم سائغة في أفواه القرشان والتماسيح المتقدمة والمتحضرة.

وما كاد الشيخ يتم عبارته حتى صاح الثلاثة بلسان واحد:

ـ أنعم ،، أنعم، وأكرم به من قول، الآن حصحص الحق، وبدا فجر اليقين، وإنا معك نشد أزرك، ونتكلم باسمك وبصوتك، ونرفع من شانك، نكتب لك سيرة جديدة، ونضيف ورقة مجدك إلى غصن شجرة النبوغ والفطنة، غير أن الجمع من المختصين يوم يلتئم في المهرجان الدولي يا شيخ، لا بد سائل عن سر انقداح ذهنك، وتفتق عقلك عن هذه النظريات المفحمة لأساطين العارفين. أفنقول قد رأيت حلم المأمون العباسي فأفقت منه مستبصرا؟ أم نقول نزلت نهر هيراقليطس حتى تَقلب الموازين على المؤرخين وتُعمل على أطروحاتهم مفاعل التغيير؟ أم نقول سقطت فوق رأسك تفاحة نيوتن فأصبحت بفعلها مجذوبا؟ أم أنك جلست في حوض أرخميدس فصحوت مناديا " اوريكا أوريكا "؟

"أوريكا النظرية الكبرى، أوريكا النظرية الكبرى"

وقبل أن يتم الثلاثة كلامهم، فهم الشيخ القصد فطفق يقول:

ـ اعلموا عافاكم الله أن حضارة الأمم والشعوب وقيمها ومثلها ورقيها أو تخلفها لا يظهر في ما شيدت من مسارح، وفتحت من دور عرض ومتاحف، ولا في الطرق السيارة أو الزيوت الطيارة. فكل ذلك واجهة براقة خادعة كالسراب.  وإنما القيم والمثل والقواعد الناظمة للعلاقة بين الناس في كل المجتمعات ستجدها في محابسها وسجونها، ذلك لأن المحبس يمثل الوحدة الأساس لاختبار السلوك البشري، فالمحابس مختبرات حقيقية. والمحبوسون عينات تمثيلية لما عليه حال الناس في صراعهم من أجل الحياة وضد أنفسهم. القيم هنا مكثفة صلبة غير قابلة للتحلل كما تتحلل القيم خارج المحابس وتصير مائعة زئبقية ملتوية متوارية. والخلاصة - قال الشيخ- فثقافة المحابس هي الروح الحقيقية للشعوب ونبض قلوبها، وجوهر طبيعتها، وقد جردت من كل ألبسة النفاق وأردية الرياء الاجتماعي. هي ثقافة الشعوب في حالتها الخام، أو لنقل طبيعة الشعوب وأصل أخلاقها. المحابس صورة مصغرة للمجتمعات. ومُجَسَّم للبنى والعلائق الاجتماعية الفعلية لأمة ما.

ثم قال الشيخ:

ـ  فاعلموا انني لم أنزل نهرا ولا جلست في حوض ولا تحت شجرة. وان ما جئت به ليس تحقيقا لحلم رأيته أو أمر أمرت به.  وإنما هو نتيجة لتأملي الطويل في شأن المحابس وأهلها، وذاك ما ألهمني نظريتي هذه في تفسير السلوك البشري عبر التاريخ، بتقدمه وتخلفه وهمجيته وتمدنه. فالقانون الناظم في المحابس ثلاثي الأضلاع وقوامه " الذراع أو القفة أو القاع " وهل الذراع شيء آخر غير اللكمة، وهل القفة شيء آخر غير اللقمة، وهل القاع شيْ آخر غير العجز والخضوع والخنوع والاستسلام؟ ففي المحبس لا صوت يعلو على صوت الذراع.  فهو الآمر الناهي يوزع الناس حسب مراتبهم وحسب حاجته إليهم، ويقسم بينهم النصيب من كيف أو رغيف، ويؤدب ويعاقب، ويجازي ويكافئ، ويحاسب ويراقب. في المحبس لا تعطى الأفضلية والأسبقية إلا لصاحب قفة. يضرب الناس على حلوقهم، فيسكت المحتج، ويغري المحتاج، ويلين المعوج. فلا عجب أن ترى الذراع طوع بنانه، يهش بها على من شاء، ويقرب بها من شاء.

فما بقي غير القاع.  والقاع هو الهمل ممن لا حول لهم ولا قوة، وهؤلاء

- سبحان الله! - هم القاعدة العريضة لأهل المحابس، وهم يصنفون حسب الغرض والحاجة التي يرتئيها صاحب الذراع أو صاحب القفة. فمنهم من يُغتصب اغتصابا أمام العادي والبادي، ومنهم من يكنس ويفرش الفرش ويهيئ المجالس، ومنهم من يعد الطعام ويغسل الصحون والملابس، ويسري على السادة، ويدفع عنهم القنوط والملل والرتابة، ويفلي رؤوسهم وثيابهم من الصغب والقمل، فيرقص وقت الرقص، على الاثنين وعلى الواحدة ونص . وهل حال المجتمعات البشرية غير هذه، أوليس الناس فيها ثلاث طبقات لا غير، " أهل الذراع واللكمة، وأهل القفة واللقمة، ثم أهل القاع المستباح ممن لا يرعى لهم إلًّ ولا ذمة. إذ لا ذراع لهم يردون بها لكمة، ولا قفة عندهم يكورون منها لقمة؟؟

فسبحان الله!  كيف أن الآدمي الثرثار المهذار  يخفي الشمس بالغربال، ويبيع رائحة الشواء للجياع بالدرهم والريال.

سكت الشيخ،، والتفت جنبه فإذا الصحاب ولا أثر، وإذا على الطاولة أمامه ورقة مكتوب عليها:

" لقد ذهبنا لاستقبال ضيوف المؤتمر"

 

........................// جمال الدين حريفي.

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم