صحيفة المثقف

السر في زجاجة

أغاضه أمل الطفولة

 المرتسم على شرائط ملونه

 تلتف حول جدائلهن،

 

السر في زجاجة

 

كلما أقترب المراهق ذو الستة عشر ربيعاً من بوابه مدرسة (خديجة الكبرى) للبنات شعر بتصلب أقدامه التي ترزح تحت ثقل سترة تزن حوالي عشريين كيلو غراماً من المواد شديدة الانفجار، لكن أصابعه مازالت تقبض على زر الانفجار بحرص لايعادله الا شوقه لتناول طعام الغداء مع الرسول ومن ثم النوم بأحضان حوريات الجنة حتى صباح اليوم التالي لينطلق بعدها - حسبما خطط - الى نهر الخمر فيشرب منه حتى الثمالة، هو العريس ومن حقه التمتع بملذات الاخرة التي حرم منها في الدنيا كما اخبره شيخه وهو يعده للارتقاء الى السماء السابعة في اول ايام شهر رمضان.

لديه حوالي ربع ساعة حتى ينتهي الدرس الاخير، يستطيع أستغلالها بالاستغفار والتضرع بنجاح تفجيره وقتل اكبر عدد ممكن من الطالبات وذويهن، فالثواب ينمو مع اتساع دائرة القتل، مستذكراً كلمات أميره الاخيرة وهو يضبط له قيطان سترة الموت التي يرتديها:

(أنت اليوم ياولدي عريس يزفك أخوانك المجاهدين على الارض لتتلقاك الملائكة في السماء مرحبه ومهلله  تضللك باجنحتها حتى تصل الى حضرة النبي، فربما تلحق معه صلاة الضهر جماعة واذا فاتتك الصلاة خلف خير البشر فلن يفوتك شرف تناول طعام الغداء معه، ثم يزفك بيديه الكريمتين الى الحوريات ذوات الحسن الذي مارأت مثله عين ولا سمعت به أذن)

قطع صوت الاذان استرجاعه لحظات الوداع المؤثرة مع امير المجاهدين وأصحابه، أراد بصدق ولهفة أن يحضى بفرصة الصلاة في المسجد القريب لتكون اَخر مايفعله في الدنيا، لكن تحقيق هذه الامنية سيمنعه من الانتقال الى حيث النعيم الدائم تحت ضلال العرش.

سمع ضجيج الطالبات وهن يتدافعن بنزق الطفولة وفرح الوصول الى البيت بعد يوم دراسي طويل، أغاضه أمل الطفولة المرتسم على شرائط ملونه تلتف حول جدائلهن، فأستجمع كل مكامن الحقد التي تلقاها في المدارس الشرعية على الكفر والفجور الذي تمثله هذه المدارس وركض كالاسد الجريح وهو يصرخ (الله اكبر) لكن الزر أبى أن يستجيب لصراخه، حاول مراراً لكن عناده كان اقوى من رغبة صاحبه في الصعود الى السماء.

لم يستطع التخلص من غضب الاهالي اللذين انهالوا عليه بالضرب بعد ان نزعو سترته الا بعد وصول رجال الشرطة اللذين ركلوه بعنف قبل ان يسحبوه مضرجاً بدمائه الى مركزمكافحة الارهاب رامين به في زنزانة ضيقة ورطبة تحت الارض شبه فاقد للوعي، وعادو الى غرفة التحقيق لاتمام اجرائات فحص محتويات سترته، فوجدوا حوالي عشرة كيلوغرامات من اصابع ال تي ان تي وخمسة كيلوغرامات من مادة ال (سي فور) بالاضافة الى البارود وكمية من المسامير وكرات حديد صغيرة لاحداث اكبر عدد من الاصابات، ولم يفاجئهم ماوجدوه فهي عدة التفجير الكلاسيكية والتي تعاملوا معها كثيراً لكن ماأدهشهم فعلاً هو وجود جيب صغير مخفي يحتوي على اربع زجاجات صغيرة تحتوي على سوائل مختلفة الالوان ذات رائحة زكية، تجادل المحققون حول فحواها تراودهم شكوك مخيفة في ان تكون نوع من الاسلحة البايلوجية او ربما اسلحة كيميائية او حتى نضائر مشعة، اقترح احدهم ان يكتبو التقرير دون الاشارة الى الزجاجات بينما طالب اَخر بالاشارة على انها مواد مجهولة، لكن الضابط المسؤل رفض الاقتراحين فنكران وجودها قد يسبب مشكلة لهم اذا اعترف الانتحاري بوجودها في المحكمة، اما تصنيفها على انها مواد مجهولة فسيقلل من كفائتهم امام رؤسائهم والتعمق في التفاصيل بأن أجهزتهم غير مناسبة للتعامل مع هكذا مواد سيفتح باباً لن يوصد حول الفساد في عقود تجهيز اجهزة كشف المتفجرات وربما يتوسع التحقيق ليشمل صفقات الاسلحة الضخمة التي تبين انها مجرد خردة بما يضعهم في مواجهة حيتان كبيرة ليس لهم قبل لمقارعتها .

قرروا اخيراَ البحث عن الاجابة عند الانتحاري نصف الميت، ذهبو جميعاً الى زنزانته ورموا على وجهه دلواً من الماء ليستعيد تركيزه ولو لدقائق تخرجهم من محنتهم ولابأس اذا مات بعدها، سأله الضابط عن محتويات السترة فذكرها جميعاً الا الزجاجات مما زاد في أرتيابهم، ليثور في وجهه أحدهم: اسمع ياهذا لاتحاول التذاكي علينا نحن نعرف هذه المحتويات اكثر منك ومن الذي اعدها لك.

رد بصوت خافت بالكاد يتم تمييزه : لماذا تسألوني اذاً؟

أجابه الضابط : نحن نسأل عن الزجاجات ؟

اجاب بأبتسامة شماته : أخبرني شيخي اني سأتزوج هذه الليلة باربع حوريات فاحببت ان اعطي لكل واحدة منهن عطر مختلف !!!

 

علاء فالح ابورغيف

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم