صحيفة المثقف

قراءة فلسفية لرواية ساق البامبو.. جدلية العلاقة بين تيمة السلطة وتيمة الحق (3)

 العلاقة بالكويت في الفلبين: لقد شكل وقوع الأب راشد الطاروف في الأسر، على إثر واقعة الحرب العراقية، حدثا هاما  أثر  بشكل كبير  في مجريات حياة عيسى.  قال: " ماعادت الكويت تمثل لي شيئا منذ أخبرنا إسماعيل الكويتي عن وقوع أبي أسيرا في الحرب.  انصرفت فكرة العودة إلى بلاد أبي من تلقاء نفسها "(30) .

لكن، تعرف عيسى على مجموعة من النماذج البشرية الكويتية الإيجابية أحيى الحلم القديم في نفسه، وأوقد في داخله الرغبة في تحقيق هويته كاملة. تلك الرغبة التي انتزعت منه حين تمّ طرد أمه جوزافين، وهو على متن ظهرها رضيعا، من طرف جدته غنيمة وأخواته. هنا يكذّب واقع الإنسان الكويتي، كما يعيشه عيسى في علاقاته الشخصية والاجتماعية، مع الأفراد والجماعات الكويتية التي صادفها في حياته العملية، واقعا آخر لهذا الإنسان، سبق أن تلقته أسماعه في طفولته وصباه، وبقي عالقا في ذاكرته، انطلاقا من أحاديث ومحاورات أمه جوزافين، عبر كل أطوار ومراحل حياته (سبعة عشر سنة) .

قال عيسى عندما كان يشتغل عاملا في شركة سياحية، حين اقتنع بهويته الكويتية، وتصالح مع ذاته:  "كم أحببتهم.  وكم كنت أطير فرحا إذا ما علمت أن المركب يضمّ شبابا كويتيين.  في البدء كنت أميز السياح العرب، أما في ما بعد، فقد أصبحت أميز الكويتيين من بينهم"  لأنني واحد منهم، كنت أحاول أن أقنع نفسي"(31) .

وأثناء لقائه بمجموعة أخرى من الشباب الكويتي على شاطئ البحر، وفي خضم حديثه وانسجامه الاجتماعي معهم، اعترف لهم عيسى بهويته الكويتية رغم وجهه الفلبيني الظاهر . قال:

" - انظروا يا شباب .. سأكشف لكم سرا  !

لم يفه أحدهم بكلمة.  واصلت :

-  أنا كويتي ..

رفعت رأسي بصعوبة أشاهد وجوههم . الدهشة تعلوها.

 -  اسمي عيسى ..

تبادلوا النظرات في ما بينهم"(32) .

لقد تغيرت نظرة عيسى الفلبيني، من جهة الأم، إلى هويته الكويتية من جهة الأب.  فكان هذا القبول للذات، ومصالحته معها، والاعتراف بالآخر الذي هو جزء من هذه الذات آلية أساسية، حرر بها عيسى أولا نفسه كإنسان موجود، من نوع من قيد الغربة والاغتراب، كان يعيشها وتسيطر عليه طيلة السنوات الماضية . قال: " فهمت لماذا كان ميندوزا، تحت تأثير التوبا يردد: " أنا وحيد .. أنا ضعيف " ! مثلك أنا يا ميندوزا، ومن دون توبا، أعترف .. أنا وحيد .. أنا ضعيف .."(33). وحررت بها ثانيا من جهة أخرى، تيمةُ الحق طاقتها وقوتها الكامنة فيها، والتي باتت انطلاقا من هذه الحقيقة السيكولوجية المحررة أكثر فعالية وحيوية وحرية .

ومن تمّ سيعترف عيسى بمدى تفاعله الإيجابي، وقبوله التام لبلد والده بقوله: " جميلة هي الكويت "(34). ثم أردف: " مع كل هذه الاختلافات، كنت أمني نفسي: " سوف أذوب بين هؤلاء "(35) . يعني جماعة الشباب الكويتيين الذي صادفهم في الشاطئ  .

هكذا يمكننا القول، أنه في الوقت الذي انتزعت فيه تيمة الحق، بمكوناتها الداعمة لها (المعرفة، الهوية، الحرية، الحلم..) بعضا من قوتها المشروعة، في سياق ظهور المؤشرات البدئية لتحقيق حرية عيسى، وذلك بانتزاعه الاجتماعي لهويته الإنتمائية الكويتية، تلك التي كانت مفتقدة طيلة المسارات الروائية للجزء الأول من الرواية (مرحلة التأسيس)، لاحت في الأفق السردي للنص بدايات أخرى لاختلالات وانكسارات عميقة، في بنية تيمة السلطة، خاصة على مستوى قمّة هرمها الذهني التقليدي الماضوي، كما جسدته شخصية غنيمة  ..لعلاقة بالموت في الفلبين

من بين أولى تجليات تفكك وضعف بنية تيمة السلطة، في الجزء  الثاني من الرواية، خاصة على مستوى فضائها الفلبيني، التركيز على مسألة الموت كتيمة وجودية، وكحدث يمثل سقوط قمّة هرم السلطة الرمزية الاجتماعية في النص (واقع الفقر – موت ميندوزا) . 

قال سارد النص: " هوزيه .. هوزيه .. هوزيه .. "

لم يكن ميندوزا صاحب النداءات هذه المرة . كانت والدتي، عبر الهاتف، في اتصال تلقيته بعد منتصف الليل، تبكي، وتتعثر بلفظ اسمي:

-  هوزيه .. هوزيه  .. !

تلتقط أنفاسها . تستجمع الحروف لتكون كلمات تصيغ الخبر:

-  قبل قليل .. مات أبي  !

-  احضر حالا .. يجب أن تكون هنا ! "(36) . 

لعل وفاة ميندوزا، باعتباره القمّة الرمزية لتيمة السلطة الاجتماعية، في هذا الجزء الثاني من الرواية، لنعدّه من أهم علامات بداية ضعف وانكماش تيمة السلطة، تاركة مكانها لفعل الاحتواء والتراجع، بعدما كانت في مرحلة قوتها، في الجزء الروائي الأول، تنتج فعل الصراع والهيمنة والقمع والإكراه .

 إذن، نلحظ هنا نوعا من تبادل الوظائف، وتحويل للأدوار بين تيمة الحق التي أصبحت متحكمة في الصراع، ومُهيمِنة على المسار الروائي للنص، بينما صارت تيمة السلطة تعيش مرحلة الانحلال والتفكيك تلو التفكيك.  وتوّجت بالسقوط الدرامي لقمة هذه السلطة، نعني به موت ميندوزا.  لكن، قبل فاجعة الموت هذه، آثر النص أن يمهد لها، حتى تتحقق بصفة سردية تدرجية، بالعديد من حلقات الضعف الصغرى  . 

لقد أصبح الجدّ ميندوزا علامة بئيسة في ذاكرة عيسى، الوضع الذي جعله يؤثر فيه، ويكون له منه موقف عدم الاعتراف به، بسبب فعل القمع والسلطة والهيمنة. لقد كان الجدّ يمارس كل أشكال العنف ضدّ حفيده، وهو طفل وفتى.  لكن في طور الشباب تمرد عيسى على جدّه، بترك البيت والخروج منها باحثا عن ذاته في عالم الأعمال .

قال عيسى: " أما جدّي ميندوزا، فقد أصبح، رغم سني الصغير ة، يجاهر بعدائه لي:

-  لو كان ثمة خير من وراء هذا الصبي لما تخلى عنه أهله هناك"(37) . قال أيضا: " لم أكن قد بلغت السابعة بعد، عندما بدأ ميندوزا يتسلى بخوفي من هذه الأمنية.  ما إن يقذف بأمنيته تلك، حتى أجدني، كالمجنون، أجري، يتملكني الخوف، باحثا عن حاجته في المكان الذي أرشدني إليه، وفي أماكن أخرى، في حين ينفجر هو ضاحكا "(38) .

لهذا، لم يكن لحدث وفاة الجدّ ميندوزا أن يؤثر ويحرك شيئا في نفسية هوزيه - عيسى، بل بسببه صاغ موقفا اختياريا من ذلك.  قال: " توجهت بنظري نحو غطاء التابوت . مددت كفي.  وبسبابتي وإبهامي انتزعت الشريطة التي تحمل اسمي من بين أسماء أفراد العائلة "(39) .

هكذا يعلن نص ساق البامبو، من خلال جزئه الروائي الثاني، الخاص بالفضاء  الفلبيني، بداية سقوط وانحصار وانحلال إحدى أهم مكونات تيمة السلطة، بجعلها تتدرج في عمليات السقوط هذه ابتداء بالمرض، ثم حالات الجنون المتكررة. فالموت كان آخر مرحلة لهذا المسلسل الانهزامي لتيمة السلطة الاجتماعية، كما مثلتها شخصية ميندوزا خير تمثيل  .

 لا بد هنا أيضا من إبداء موقف ابنته آيدا، التي كان لها نصيب كبير من القمع السلطوي الأبوي، من موت هذا الرجل .

قالت على لسان سارد النص عيسى دائما، لما  وصلها خبر وفاة ميندوزا: " مات أبي منذ زمن طويل .. منذ كنا أطفالا .. لا جديد اليوم سوى إلقاء جثمانه في حفرة مظلمة تشبه الحفرة التي دفعني إليها، عندما كنت في السابعة عشرة من عمري "(40) .

لعلاقة بالدين

تعتبر علاقة عيسى بالدين مكونا أساسيا في بنية تيمة الحق، لأن هذه العلاقة تشكل الوجه الآخر، لهويته كمواطن كويتي أولا، وكفرد إنساني وكوني ثانيا .

قال: " إنه قدري، أن أقضي عمري باحثا عن اسم ودين ووطن.  رغم ذلك، لن أنكر لوالديّ فضلهما في مساعدتي، من دون نية منهما، في تعرفي على خالقي.. بطريقتي"(41) .

ثم يعود عيسى ليركز المعنى الذي يقصده، بكونه يوجد في موقع متوتر، وعلاقته بالمسألة الدينية، لم تكن تقوم على أساس تربوي متين، نتيجة هويته المركبة من أصل ديني مسلم (ديانة والده الراشد الكويتي)، و(أصل ديني مسيحي (ديانة أمه جوزافين الفلبينية. لهذا عانى عيسى في طور شبابه من آثار هذه الهوية الدينية المركبة والمزدوجة، رغم أن أمه كانت تعده بالمعتقد الديني الإسلامي لوالده .

قال بهذا الصدد: " أهملت والدي تربيتي دينيا، على يقين بأن الإسلام ينتظرني مستقبلا في بلاد أبي.  ورغم أن أبي همس بنداء صلاة المسلمين في أذني اليمنى، فور ما حملني بين يديه، في المستشفى، بعد مولدي، فإن ذلك لم يمنع والدتي، فور وصولنا، من أن تحملني إلى كنيسة الحيّ الصغيرة، ليتم تغطيسي في الماء المقدس، في طقوس تعميدي مسيحيا كاثوليكيا.  لم يكن يقينها بعودتي قد ترسخ في ذاتها بعد "(42) . إذن، فعمليا، رغم أن أمه كانت دائما تعده بالتدين الإسلامي لوالده، حين عودته إلى الكويت، كانت في نفس الوقت تربيه، بصفة اجتماعية وإجرائية، التربية الدينية المسيحية  التي تدين بها في مجتمعها .

غير أنه في خضم بحثه عن هويته الدينية والتاريخية، اقتنع عيسى أخيرا في شبابه بفعالية المعتقد الإسلامي.  يقول: "بطولة السلطان المسلم لابو – لابو  وسيرته وتقدير عموم الناس له في الفلبين، على اختلاف أديانهم، واعترافهم بدوره في مقاومة المحتل، صور جميلة قربتني إلى الإسلام كثيرا..  جماعة أبو سياف بقتلهم الأبرياء والمبشرين، أبعدوني عن هذا الدين.. كثيرا "(43) .

نستنتج إذن، أن تيمة الحق باستنادها إلى آلية الهوية، في شكلها الديني وتجليها التاريخي، تكون قد خدمت ودعمت المنحى الإيجابي  لمسارات النص السردية النوعية، من أجل، أولا، مقاومة آلام الذاكرة التي عاشها عيسى راشد  في الماضي، وثانيا، من أجل تحريره الكامل لآماله وأحلامه، المتمثلة في العودة إلى بلد والده، وبالتالي تحقيق تلك المصالحة العميقة مع ذاته والاعتراف بها، هذه المصالحة الذاتية التي تتأسس عليها قوة شخصيته التي سيكون في أمس الحاجة إليها، عندما ستواجهه عراقيل ومعيقات تيمة السلطة التي تنتظره عمليا في أرض الكويت . 

 في الفضاء  الكويتي

تواصل تيمة الحق هجومها المصرّ، بقيادة عيسى راشد  الذي حقق حريته باقتناعه الفكري والاجتماعي بضرورة انتزاع هويته الوطنية الكويتية، كوجه آخر لهويته الفلبينية، لتبقى الهوية الإنسانية المنفتحة والمتسامحة المتعددة، هي رهان المتن الروائي الذي نحن بصدده .

لقد كان في عمر عيسى ثماني عشرة سنة، حين وصل إلى مطار الكويت، تلبية لدعوة صديق والده غسان .

قال: " مطار كئيب ذلك الذي حطت به الطائرة يوم الأحد، الخامس عشر من يناير 2006 "(44) .

إلا أنه ستبدو أولى تجليات تيمة السلطة، في مطلع هذا الجزء الروائي الثاني، على مستوى فضائه الكويتي، نتيجة تغيير غسان لوجهة عودة عيسى الراشد لبلده الكويت. فبدل التوجه مباشرة إلى بيت أبيه، جعله مرافقه غسان يتوجه إلى شقته في الجابرية، وقاية له لتحقيق فعل التفكير الأسطوري لعمته غنيمة.  قال: " كيف ستتقبل مجيئي إلى الكويت في الوقت الذي توفي فيه الأمير ؟ ألا يكفي ما سببناه أنا وأمي من قبل ؟ وصول أمي وقت تفجيرات الموكب الأميري في منتصف الثمانينات، ولادتي واختطاف الطائرة، سفرنا والإفراج عن ركابه ! " وجودك، في هذا الوقت تحديدا، يؤكد فكرة لعنة جوزافين التي تؤمن بها الخالة غنيمة "، قال غسان.  ولهذا السبب، تأجل لقائي بجدتي إلى الشهر الذي تلا وصولي "(45).

انبعاث العلاقة بالهوية في الكويت

إن المواجهة التي تمت بين تيمة الحق (عيسى، خولة)، وتيمة السلطة (غنيمة، نورية، هند)،  في شكلهما النوعي المتطور والجديد، في هذا الجزء الروائي الثاني، يدل على استمرار مشكلة الهوية، كإشكال أساسي يشغل تفكير عيسى أينما حل وارتحل.  لهذا، كان رفض الجدّة غنيمة لفكرة استقرار عيسى في البيت، يشوبه نوع من الحيرة والمساءلة وعدم وضوح الرؤية.  لأن لعيسى " اسم يجلب الشرف .. "، و "وجه يجلب العار ". قال: " أنا عيسى ابن الشهيد راشد .. وفي الوقت نفسه أنا .. عيسى ابن الخادمة الفلبينية  !"(46) .

لعل تحقيق أول انتصار لتيمة الحق، في علاقتها الصراعية ضدّ تيمة السلطة، يكمن في وصول عيسى راشد إلى بيت والده في الجابرية.  يقول: " إن قبول جدتي لي قبولا منقوصا.  ملحق البيت ليس البيت ذاته.  هو مكان مفصول في فناء البيت الداخلي، يسكنه الطباخ والسائق.  لا يسكن في البيت سوى أصحاب البيت، والخادمات في الطابق الأخير. تقبلت الأمر برحابة صدر، ليس لشيء سوى أن غرفتي في ملحق المنزل كانت، ذات يوم، الديوانة التي يجتمع بها أبي بأصدقائه "(47) .

 إضافة إلى اعترافه الداخلي بمدى تحرره الحقيقي من بعض آثار الذاكرة الموجعة، التي اعتبرناها سابقا من الآليات الداعمة لتيمة السلطة في نص الرواية .

علاقة المصالحة بين الحق والسلطة

لعل تواجد عيسى راشد في بيت والده، مكنه من كسب ثقة جدته غنيمة بصفة تدريجية، وبالتالي ارتفعت درجة التواصل والقبول، وكذلك الانفتاح الإيجابي والتفاهم المثمر بين الطرفين. يجعلنا هذا التطور النوعي، في العلاقة بين تيمة الحق وتيمة السلطة، نقرّ هنا ببداية تراجع فعل الصراع وردود الأفعال المضادة. ذلك الفعل الذي ساد بينهما لفترة طويلة، في الجزء الروائي الأول، لصالح فعل وتجربة القبول والمصالحة والانفتاح على الآخر المختلف، ولو بشكل نسبي. فتكون هنا تيمة الحق، التي يقودها عيسى راشد، قد ربحت رهان صراعها السابق ضد تيمة السلطة، بسبب قوة الإرادة والإصرار، وكذلك إيمانه الملح بقضيته. تلك القضية التي ميزت كل مواقف عيسى راشد، عبر جميع المسارات السردية والخطابية للنص، لإثبات شكل الحرية والكرامة لهويته وإنسانيته .

لا بد من الإشارة هنا إلى أن علاقة المصالحة والقبول أعلاه، كان من الممكن أن لا يكتب لها التحقق، دون الاعتماد على آلية مهمة، كان لها الدور المحوري في مساعدة عيسى على انتزاعه القوي الاعتراف به كإنسان كويتي، من طرف جدته غنيمة. نعني بها آلية خبرته المهنية في مجال طب التدليك، حيث اشتغل في إحدى مراحل حياته بالفلبين، في المركز الطبي الطبيعي الصيني، المخصص لهذا الغرض. وقد صادف تواجده في البيت، تفاقم مرض المفاصل الذي تعاني منه جدته في ساقيها، ليتطوع نتيجة لذلك مقترحا خدماته الطبية التدليكية لصالح جدته. فأقنعها عمله الجيد والجاد، لأنه كانت له نتائج علاجية مهمة. بل أكثر من ذلك قرّبته هذه المهمة الطبية، التي مارسها عيسى من أجل ساقي جدته، من تحقيق الهدف الأساسي الذي جاء من أجله إلى الكويت، وهو إقناع عائلة الطاروف التي نبذته في الماضي رفقة أمه، بمشروعية ومصداقية حقه في الانتماء إلى هويته العائلية العربية الكويتية والإنسانية، وبالتالي تكذيب الموقف الانفعالي المتصلب والمتشدد، والممارسة السلوكية المجحفة التي أنتجتها سلطة العقل التقليدي الوراثي المتعصب، ضده وضدّ أمه كإنسانين، قبل لوني بشرتهما وطبقتهما الاجتماعية، عندما رفضهما هذا العقل (هو وأمه الأسيويين)، بل طردهما من بيتهما الطبيعي، لسبب واه غير منطقي، ولا يمت بصلة لما هو حقيقي إنساني، باعتباره محكوم بمعتقد متعسف غير حضاري قبلي وقديم، يستند إلى نظرة الأعراف العتيقة والهشة، دون روية فاحصة ونظرية عقلية تلك النظرة التمييزية والقاصرة التي لا تكون دائما على صواب .

قال عيسى معبرا عن ابتهاجه الكبير للتقرب النوعي والوظيفي، الذي حققه بسبب عمله الطبي لصالح قضيته أولا، وخدمة لجدته المسنة غنيمة ثانيا، تلك التي اعتبرناها في النص قمة تيمة السلطة الرمزية: "لو كان تدليك ساقيها يقربني إليها لقضيت عمري كله في هذا العمل"(48) .

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم