صحيفة المثقف

المصطلح بين الأسم والدِلالة

أذا اردنا ان نتحدث عن المصطلح في اي علم من العلوم، او اي لغة من اللغات، فماذا نقصد به؟هل هو اسم ام دلالة؟

يعتقد علماء اللغة ومنهم العلامة اللغوي المرحوم مصطفى جواد ان المصطلح يعني الاسم ولا يعني الدلالة، بقوله ان المصطلح اللغوي هو اسم لا دلالة، ويدلل على قوله هذا بالاشارة الى دلالة المصطلح الذي يقول عنه انه اسم لشيء معين وليس لدلالة معينة.

فالحضارة والثقافة والمدنية كلها مصطلحات حديثة دخلت عالم المعرفة، ثم تشعبت الاراء فيها، حتى اصبح لكل منها معنىً يختلف عن المعنى الاخر تماما، وان تعارفت الناس عليها بالمعنى الواحد . فالقارىء العادي لا يفرق بينها ابدا وينسبها كلها الى عالم المعرفة او الثقافة.

بينما الحضارة تعني: أرتقاء المجتمع في نواحيه المختلفة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واليوم اضيفت لها العلوم التكنولوجية .ونتيجة للتعريفات المختلفة لها اتفق الجميع على أنها: كل ما يرث المجتمع من أجياله السابقة من نظم وقيم ومعتقدات اجتماعية وفكرية ودينية وأنماط سلوكية ومهارات فنية يسيطر بها على بيئته ويكيف نفسه لها لأشباع حاجاته الحياتية، وقد عرفها الفيلسوف الأنجليزي أرنولد توينبي بأنها "ثمرة التفاعل بين الأنسان والبيئة" .

 

والثقافة تعني: الحذاقة، وهي مجموعة المعلومات والمعارف والقيم الخاصة بشعب من الشعوب، لكونها تعبير صادق على شخصية ذلك الشعب او الشخص المعين.رغم ان المصطلح لا زال لم يحدد بعد.

أما المدنية فتعني: النشاط الاجتماعي المرتبط بالجانب العقلي والمادي للأنسان، ويسهل أقتباسه ونقله من مكان الى اخر، ,بعبارة اخرى هو المنجز المادي الملموس داخل المجتمع مثل الملبس والآلة والسيارة وكل ما يعين المجتمع على قضاء حاجاته اليومية. وهي تطور علمي ومادي تدريجي يسير في خط صاعد. أنظر: (دائرة المعارف العالمية).

وهناك مصطلحات دخلت الى عالم اللغة والثقافة منذ بداية عملية تحصين المصطلحات العربية من الخطأ في القرن الثاني الهجري ولا زالت في مرحلة تشعب الاراء والنقد البناء مثل الآيديولوجيا والتكنولوجيا وغيرها كثير..

وبنزول القرأن الكريم ولغته الرفيعة على لغة العرب المتداولة آنذاك، فهمها العرب تماما دلالة على ان اللغة العربية كانت متاصلة فيهم وأصيلة وصلت اليهم بعد ظهور حركة التجريد اي بعد مجيء التعليم الذي به تشكلت اللغة التي قامت على المنطق.، فكان رفض قريش للدعوة ليس جهلا بلغة القرآن كما يعتقد البعض، لكنها رأت فيها تحديا لها وتهديدا لمصالح الاقلية من زعمائها ضد الاكثرية المضطهدة عندها، بدليل انها وقفت من بعضه موقف المعاند منه بما كان يضرها وقبلت منه ما ينفعها، قبلت ماجاء بمدح قريش ورفضت الغاء الاصنام أنظر( سورة قريش1-4، ابراهيم 10).

وحين جاء القرأن بمصطلحات غريبة عن اللغة كالاستبرق وسندس والقسطاس والطور واليم والتنور، والأحرف المفصولة عن الآيات والتي لا زالت بلا تفسير الى اليوم.واسماء اعجمية اخرى مثل اسرائيل ونوح ولوط عدوها مصطلحات لا معنى لها لغرابتها عليهم . والقرآن الكريم لم يستعيرها من لغات اعجمية رغم أعجميتها لادخالها في لغته العربية، لكنه جاء بها على سبيل العضة والاعتبارلما كان لها من اهمية عند شعوبها، لدرجة ان المفسرين لن يستطيعوا تفسير ما غمض منها لجزالة الفاضها وصعوبة معرفة معانيها، فقال البعض منهم ان في القرآن آيات لا تفسير لها، فوقعوا في خطأ التفسيروالتقدير، حين نسوا ان بفرضيتهم هذه ادخلوا القرآن في حرج المعنى حين جعلوا بعض الايات القرآنية الكريمة جاءت حشوا لا معنى لها.

أذا نظرنا في بعض أيات السورالقرآنية التي تبدا بحروف مثل يَسَ، طَهَ، حَمَ، نَ، قَ، صَ، الَرَ، اَلمَرَ، نقف أمامها مذهولين، أهي حروف ام آيات، لكنها في الحقيقة هي اجزاء من الايات، وليست آيات مفصلة في ذاتها، لانها حروف لو جمعت بعضها لوجدت انها تمثل كلمة القرأن اوالسبع المثاني، فتشعب المعرفة فيها وضاع الفقهاء في وهم التفسير لا التأويل. فأبتدعوا نظرية الترادف اللغوي الغريبة عن القرآن والتي ترفضها مدرسة العلامة أبي علي الفارسي اللغوية، وأبن جني في الخصائص والعلامة الجرجاني في دلائل الاعجاز .(محمد شحرور الكتاب والقرآن ).

لكن لا احد من علمائنا المُحدَثين يستطيع الخوض في هذا المجال خوفا من اعتراض الفقهاء الذين تمسكوا بنظرية الترادف اللغوي وخوفا من الدخول في متاهات المناقشة اللاهوتية التي يجهلونها مثل جهل الاخرين الا الدكتور محمد شحرور الذي أجاد وقدم وفسر، وأحرج الأزهر وجعله صامتا بقهر، لذا عمدوا الى اعتماد قانون اعتمدته العامة والخاصة وهو قانون حرمة اختراق النص المقدس مستندين الى الاية 187 من سورة البقرة التي يقول فيها الحق :"وتلك حدود الله فلا تقربوها"، علما ان معنى الآية الكريمة مختلف تماماً في القصد .

وقد شمل هذا التحريم بعض الاحاديث النوية ومقولات الصحابة وهنا وقعنا في سجن فكري حديدي لا يخترق لمعاقبة المخالفين لأرائهم الخاطئة، فبقيت الايات القرآنية تقرأ وتجود، وتفسر ولاتؤول، فأضاعوا علينا فرصة التطور الحضاري الحديث.

نحن نصر اصرارا كبيرا على ضرورة اعادة تأويل آيات القرأن الكريم خارج مدرسة الترادف اللغوي بموجب الاية( 7) من سورة آل عمران "وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم"، تأويلا جماعيا من قبل علماء اللغة والتاريخ والجغرافية والرياضيات وعلوم البحار والجبال والانواء الجوية والمسطحات المائية لنُخرج من هذا الكنز العظيم كنوزا اخرى أخفوها عنا الفقهاء والمفسرين أو قل لم يدركوها، فمصطلح القرآن يختلف عن مصطلح الكتاب والفرقان والسبع المثاني، الا انها كلها جمعت في مصطلح المصحف حشرأً، فبقينا خارج نطاق التحديث.

لذا من الضروري النظر الى القرآن من منطلق رباني يعبر عنه بقوله تعالى : " ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابةٍ وهو على جمعهم اذا يشاءُ قدير، الشورى، الاية (29) .

لنرى كم نحن أغفلنا الكنز العظيم الذي جاء به القرآن الكريم. يقول البعض وما ذا نعمل بملايين الكتب من تراثنا اليوم، اذا أهملنا التفسير الفقهي القديم، أقول لهم بصدق العبارة علينا ان نقوم حالا بصياغة نظرية اصيلة في المعرفة الانسانية (جدل الانسان) وفق الآية 54 من سورة الكهف والذي يقول فيهاالحق :" ولقد صَرفَنا في هذا القرآن للناس من كل مثلٍ وكان الأنسان أكثر شيء جدلا ".

هنا المنطق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد. ونخلص اجيالنا القادمة من وهم التفسير الخاطىء المتبع اليوم والا سنبقى في خانة اليك الى ابد الابدين، فهل من حاكم مسلم يجرأ على ما تقاعس عنه الاخرون كل هذه السنين .

فلا نحن انتفعنا من القرآن ولا القرآن ادى ما يريده لنا رب العالمين. كنا نأمل ان التغيير في العراق هو الامل في تحقيق العدالة، لأن العدل مطلق لنا، لكننا مع الاسف أصبنا بخيبة أمل كبيرة واكبر من خيبة امل حين سيطر الفكر الديني المتزمت علينا من جديد دون تحديد المفاهيم. فضاع الفكر النير وتحكمت فينا الانغلاقية لا التجديد.

وكذلك الانجيل الذي جاء بصيغة الجمع ليعني الشكر للآلهة المقدسة لتقديمها الاخبار السارة للبشرية عن طريقه. ويعني الاخبار السارة من الله لخلاص شعبه من ظلم الاخرين. ولقد عَد النصارى هذا المصطلح الرباني (المخلص)، بأنه الرسالة المسيحية في مجملها كهدية الرب للناس تحمل لهم بشائر الخير والسلام ولتخلصهم من الحروب والكوارث التي يفتعلها الطغاة من الحكام، لذا جاءت الكلمة عندهم بأكثر من 72 مرة في العهد الجديد لتعبر بصدق واخلاص عن مجيىء المسيح بن مريم المخلص. والأنجيل ليس كتاب المسيحيين وانما هو الجزء من المجمل المنزل للناس لقوله تعالى: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل ".ان تعدد الديانات لا يعني الاختلاف بقدر ما يعني تسلسل الظرف الحياتي على البشر.

كما نلاحظ الفكرة عينها عند المسلمين الشيعة جاءت في مصطلح المهدي المنتظر المخلص فأذا كانت عند المسيحيين ليخلصهم من ظلم اليهود الذين لا يعترفون الا بشعبهم وحسب نظريتهم في (شعب الله المختار).، فهو عند المسلمين الشيعة اشمل واعم ليخلص العالم من الظلم الشامل فقالوا: "ان ظهور المهدي سيأتي في أخر الزمان – ولا ندري ماذا يقصدون بأخر الزمان هل هو يوم الصور - ليملأ الارض عدلاً بعد ان ملئت ظلماً وجوراً ".، ولازلنا ننتظر بعد ان اصبح الظلم والجور والاعتداء على النفس والمال حد الحناجرمن الارهابيين والخارجين على القانون وسرقة اموال الناس بدون وجه حق، من الحاكمين ورجال الدين، ..كلها روايات وأساطير اصبحت مورفين لتخدير عقول الناس ليس الا، وهي من وحي المستحيل.. ؟

ولابد للباحث المتقصي من ان يشيرالى ان هذه الافكار تنتمي في جوهرها الأبعد، الى ما تعارف عليه علماء الانثروبولوجيا بفكرة الانبعاث بعد الموت التي ارتبطت بأقدم معطيات البشرية الفكرية، ولنا أن نتسائل أليس لفكرة الأله الذي يموت في الاساطير، وبموته يحل الخراب ثم يبعث من جديد فتملأ الارض خضرة وربيعاً، علاقة بفكرة المسيح الذي سيبعث من جديد ليملأ الارض عدلا وسلاما بعد ان ملئت ظلماً وجوراً، وفكرتها عند المسلمين الشيعة متمثلة بالمهدي المنتظر بن الامام الحسن العسكري(ع).

لقد كانت المناطق التي أحاطت بحوض البحر المتوسط مكاناً لمثل هذه الافكار، فعند الأغريق القدماء يموت أودونيس ثم يبعث فتبعث معه الحياة....وهو عند البابليين في العراق القديم تموز ويبعث كل عام...وعند قدماء المصريين أزوريس ليموت ويبعث من جديد...، وعند سكان أسيا الصغرى أيتس، ويلاحظ ان هذه الاسماءكلها ليست ألا أوجهاً متعددة لتسمية واحدة وفكرة واحدة هي فكرة البعث بعد الموت (أنظر اساطير الموت والانبعاث، (دائرة المعارف البريطانية).

ويرى بعض الباحثين ان فكرة المسحية –موازية الى حدٍ كبير- في الرمز والحدث لاسطورة تموز والتي هي حجر الزاوية في الديانة المسيحية.وليس من شك في ان عقيدة المهدي المنتظر عند

المسلمين الشيعة ذات علاقة وثيقة بفكرة المنتظر المسيح الذي يبعث بعد موته والقرآن يؤكد على عدم موت المسيح او صلبه لانه شبه لهم (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم، النساء 157 )، وينبغي ان نشير الى ان الشيعة يعتقدون ان بعث المهدي المنتظر يرافقه بعث السيد المسيح وبعث السيد الخضر وانهم اصحابه الموعودون الخالدون الذين يقومون معه في يومه الموعود (المجلسي، بحار الأنوار) ولا زال للسيد الخضر مرقدا قرب الكوفة في العراق يزار حتى اليوم وقد زرته بنفسي، وفي مرقده الشريف الكثير من المخطوطات النادرة التي لم يسعفني الحظ بالاطلاع عليها، (الطبري، الرسل والملوك ج1 ص365 وما بعدها).

ولربما سرقت وبيعت للمتاحف الاخرى كما باعوا الرفاق الجدد مخطوطات التوراة وغيرها علنا دون استحياء للأعداء المعادين .

فشمولية المصطلح عند المسلمين الشيعة غيرَمن محدوديته عند المسيحيين. وظل علماء الانجيل مثلهم مثل علماء القرآن يرددون ما ورد فيه على انها آيات جاءت على سبيل العضة والاعتبار دون الغوص في معانيه العظيمة فضلوا يرددون ربوبية عيسى وهماً وخطئاً، والقرآن يرفض الاشراك بوحدانية الرب، يقول الحق:(وقال الله لا تتخذوا آلهين اثنين انما هو آله واحد، النحل51). حين جاء القرأن بعد الانجيل يؤكد على هذا الاتجاه العلمي كما في الايات الثلاث التي رافقت الانجيل كما في قول الحق : " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل (انظرسورة آل عمران، آية 48).

ومع ملاحظتي لكلمة المصطلح فقد وجدتُ انها تشكل ظاهرة قلق في اللغة العربية، لان العرب في غالبيتهم مختلفون في المعاني اللغوية للمصطلحات الحديثة كل منهم يفسره على هواه.وتجدهم غير دقيقين في عباراتهم المصطلحية الا ماندر. فظاهرة القلق واضحة تماما عندهم وخاصة عند تحديد معنى اللفظ للجماعات او الفئات غير المحمودة او الغير المرضي عنها مجتمعياً، مثل مصطلح (الفئة الباغية) التي وردت في الحديث النبوي كما ورد في صحيح البخاري تحت رقم 2601 (تقتلك يا عمار الفئة الباغية)، ويقصد بالبغي التعدي وليس الزنا كما يصوره البعض على الاخرين (انظر لسان العرب)، وتبعتها بعد ذلك لفظة (الفئة الضالة ).

وحين نرغب في تحديد الصفة القانونية للمصطلح نجد انفسنا امام محنة الاثبات القانوني والا اصبحت الكلمة تَجَني ان هي اُطًلقت عليهم جزافاً، لان الكثير من هذه الجماعات من المغرر بهم ولم تكن اعمالهم التي يقومون بها عن اقتناع. وان هُم يعتقدون في البداية انهم يؤدون واجبا دينيا الزاميا امام الله والمجتمع.لتخليصها من الظلم و الاستعباد متناسين انهم يخرقون القوانين الالهية التي حرمت قتل النفس الانسانية، وخيانة الوطن، وسرقة المال العام بغير ذنب او فساد في الارض.هذا المنهج لم تفهمه اغلبية المُنظَمين من المغرر بهم في الجماعات الارهابية داعش وطالبان والقاعدة، ومن خان الثوابت الوطنية من أجل مصالحه الشخصية لاسيما وان هناك مؤسسات حكومية كبيرة ونشطة تُدعم هذا الاتجاه الخاطىء دعما ماديا ومعنويا لأيغالها بالطائفية والعنصرية المقيتة، متحججة خطئاً بالجهاد.

لكن مهما قيل في مصطلحات الفئة الباغية، والفئة الضالة، تبقى الحاجة ملحة وماسة لدراسة معمقة للوصول الى الهدف الاسمى في التسمية .

ويبقى المصطلح العام بحاجة ماسة للمتابعة والدراسة مادام العلم الحديث يولد لنا في اليوم الواحد الف مصطلح جديد .

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم