صحيفة المثقف

من الديمقراطية إلى البدوقراطية .. نحو تحقيق مواطنة بلا طائفية

منذ الخلافة العثمانية لم يستطع المشروع العربي أن يحمي نفسه، وهو ما سهل للولايات المتحدة الأمريكية لتقديم أنظمة بديلة لمرحلة ما بعد الثورات العربية من أجل حماية أمنها القومي من حرب افتراضية كانت شبكة الإنترنت مسرحا لها، و في هذا ظهرت كتابات تدعو إلى إعادة النظر في هذه الثورات، التي قامت باسم الديمقراطية، و كانت وراء  ما يشهده العالم العربي من دمار و تخريب، حيث طالبت بالإنتقال من النظام الديمقراطي الفاشل إلى النظام البدوقراطي على الطريقة الخلدونية

 تنوعت الكتابات و هي ترسم الثورات والحروب الخفية، و إذا أجرينا قراءة لهذه الكتابات نجدها في أسلوب مشوق، وكأن مصير العالم مقرر على أيدي أفراد معدودين من البشر، و ما لا شك فيه هو أن هذه الكتابات عاش أصحابها في خضم تغيرات ثورية ذات أبعاد عديدة، وقعت في هذا الزمان بسرعة، لم تعرف من قبل، وأثارت أسئلة كثيرة، ما جعل الكتاب والمثقفون يؤرخون لهذه التغيرات ويتحدثون عن تجارب شخصيات استثنائية أسهمت في مسيرة التاريخ، فقد عصفت رياح التغيير في الوطن العربي واندلعت ثورات وانتفاضات واحتجاجات أودت ببعض الأنظمة وأخرى تسير على طريق الزوال، الأمر الذي جعل الحرب والاحتلال والثورة مؤخرا ضرورة إستراتيجية، من أجل التغيير، كما يحدث الآن في سوريا و في  لبنان وفي فلسطين، ثم في تونس و ليبيا ، في إطار ما سمى بالربيع العربي الذي بات هو التعبير المجازي عن الانتفاضات الشعبية التي تجتاح العالم العربي والتي تنادي بالحرية والكرامة، و من الكتاب الذين رسموا هذه اللوحة نجد ما كتبه الدكتور نديم منصوري في كتابه بعنوان: "الثورات العربية بين المطامع والمطامح" ، صور فيه انتفاضة "الأمة العربية" و هي تواجه عدة تحديات، الأول يتعلق بنظام الحياة العربية والثاني توق العرب إلى الحرية والنهضة، والتحدي الثالث يتمثل في مواجهة نظام الرأسمالية المعلومة، و الحقيقة أن تغيير بعض الأنظمة العربية  قامت به الولايات المتحدة الأمريكية عبر تحريك الشارع العربي.

    فموقف الدول حيال هذه الثورات العربية ومنها روسيا الذي بات واضحا لاسيما بالنسبة لسوريا الحليف التاريخي، كون الأوضاع تختلف عما هو عليه في ليبيا، يقول الدكتور نديم منصوري: نحن أمام تقسيم جديدي لعالم عربي ضاع منه مشروع نظامه ، فمنذ الخلافة العثمانية لم يستطع المشروع العربي أن يحمي نفسه وهكذا اليوم يتوزع إرثه..، وهو ما سهل للولايات المتحدة الأمريكية لتقديم أنظمة بديلة لمرحلة ما بعد الثورات العربية وفي نفس الوقت حماية أمنها القومي من حرب افتراضية كانت شبكة الإنترنت مسرحا لها، باتباعها طرق عديدة للتجسس لفرض سيطرتها وتحقيق مصالحها، فالحشرة الإلكترونية، مشروع FIA  وهي طريقة تجسس تتم على الهواء مباشرة بما يشبه البث المباشر، و توجد  طريقة أخرى تتمثل في تسجيل المكالمات بواسطة قاموس الكلمات أو عن طريق أشعة الليزر، والهواتف النقالة، وقامت بتطوير هذا النظام التجسسي شركة ( روود أند سكوارز) rode and Schwarz  الألمانية، وأطلقت عليه اسم ( انترناشنال موبايل سبسكرايبر إيدانتتي) IMSI  وكذا التجسس على الفايسبوك، وتحت غطاء تعزيز "الديمقراطية"، وبناؤها على أنقاض الدكتاتورية ومنع قيام نظم دكتاتورية جديدة ، يرى بعض الكتاب أن أن هناك نظام بديل للديمقراطية ، و منهم الدكتور غسان الخالد الذي قدم قراءة سوسيولوجية للديمقراطيات العربية، و قد اختصرها في عبارة واحدة سماها "البدوقراطية" ، فقد انتقد الدكتور غسان النظم الديمقراطية في الدول العربية على أساس أن هذه الأخيرة نشأت وفق منظور غربي، وأن الديمقراطية تتحقق بالانتخابات التشريعية وبتناول السلطة من دون التدقيق في طبيعة القوانين الانتخابية، وفي الرقابة وفي الضوابط والعوامل المؤثرة في الانتخابات، وباختصار كما يقول هو من دون مراعاة البيئة الاجتماعية والمراحل التاريخية التي مرت بها.

     و البدوقراطية  في رأيه تكون بالممارسة السياسية وفق الذهنية القبلية، ووصفها البعض بالديمقراطية القبلية، وأراد الكاتب أن يوضح للقارئ أن جعل الديمقراطية قاعدة للحكم على ما هو ديمقراطي آو غير ديمقراطي يصعب مقارنته عند العرب وفي العالم الثالث بشكل عام،لأن البيئة مغايرة، و بهذا يقدم الدكتور غسان الخالد بديلا آخر للديمقراطية، وهو "البدوقراطية"، وذلك انطلاقا من فكرة "المواءمة" التي تعني بين مفهومي الشورى الإسلامي والديمقراطية الغربية، لأن الديمقراطية في نظره مشروع لم يكتمل بعد ، حتى في أكثر البلدان ديمقراطية، ما جعل العالم الثالث يتخبط في هذا المجال، خاصة وهذا الأخير ما زال محكوما بالذهنية القبلية ( أي انتمائه الدائم للقبيلة أو العشيرة)، وكيفية اتخاذ القرارات الهامة، ويقف الدكتور غسان في حديثه أمام إشكالية التمييز بين مفهومي الرعية والمواطنة وكيفية الحفاظ عن الهوية ومفهوم التنازل الإسلامي على مستوى النخبة السياسية، في ظل الصراع الطائفي الذي ما تزال نيرانه تشتعل الى اليوم، الأمر الذي يجعل الباحث يرحل حسب رأيه هو عن الديمقراطية المقيدة بالانتخابات إلى مجال أوسع وهو الحديث عن الدولة الحديثة بكل مؤسساتها، على أن تكون هذه المؤسسات مستقلة تماما بما فيها الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، الذي يكون قادرا على التأثير في اتخاذ القرارات ذات العلاقة المباشرة بتقرير مصيره قد تصل إلى حد صياغة شكل الدولة نفسها، بما في ذلك اختيار النظام السياسي، وانتخاب الحكومة ومحاسبتها أو تغييرها بشكل دوري في إطار التداول على السلطة الخاضع للمحاسبة.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم