صحيفة المثقف

مقدمة المجموعة القصصية "حِكَايَاتُ دَرْبِ اللَّبَّانَةِ"

يعتبر الأدب ممارسة متناقضة في المجتمعات المنقسمة من منظور صراع الطبقات. هذا ما نجده بصفة خاصة في النظام الرأسمالي. يتم فهم الأدب في هذا النمط، بصفة عامة، كنشاطٍ غير نافع في جزء منه، غير منتج وكفعلٍ محض من أجل التسلية. هذه النظرة عادة ما تتجلى في قطاعات المجتمع المدني التي لا تفهم البنية بما هي طريقة إنتاج اقتصادية، تشرطُ البنية الفوقية. فباعتبار المجتمع بنية وبنية فوقية، يكون الأدبُ كما يقول غرامشي مُهما في العمل الفكري الذي يشرعن نظاما ما، وفي هذه الحالة نقصد النظام الرأسمالي. فمثلا، في الأزمات الاقتصادية الشاملة التي تتولد داخل الرأسمالية يكون دورُ المفكرين جوهريا لأنهم يتكلفون بخلق قيم النظام الرأسمالي والذود عنها محولين الانتباه حول تغيرات محتملة للإبدال فيما يتصل بوسائل الإنتاج.

في هذا المضمار، يتحول الأدب مثله مثل باقي الأنشطة الثقافية إلى قطعة لا مندوحةَ عنها في الجهاز الإيديولوجي للدولة والحيوي في البنية الفوقية الرأسمالية. في هذا السياق، يكتسب العمل الأدبي معنى. يبدو الأدب تعبيرا يمكن أن تُنتجه أقليةٌ بينما تستهلكه الأغلبيةُ. وفي هذا الاستهلاك تروج وتموج قيمٌ ومعتقداتٌ وتتشكل أوجهُ اللامساواةِ. سيتكون عند القراء ومن دون أن يشعروا تَعَوُّدٌ على المفاهيم والإيديولوجيات الطبقية البورجوازية. وهكذا، فإنه في العالم الذي نعيش فيه وحدَها حفنةٌ من البورجوازيين تستطيع أن تكون منتجةً ومبدعةً للأدبِ. في حين أن باقي الأفراد، وهم خاضعون إيديولوجيًا وعمليًا، عليهم أن يقبلوا في صمتٍ بهذا المنتوج. كي نُسَائِلَ هذا المنطقَ، فإننا سنكون في حاجة إلى أن تبدأ القطاعاتُ الواسعة المهمشة في إبداع الأدب، عاكسةً تقلباتِ ورؤَى الطبقة العاملة المقهورة.

يجب أن نقاوم ضد الهيمنة انطلاقا من جميع مجالات السلطة التي أنشأها النظام الرأسمالي عبر تاريخه. على سبيل المثال، نجد في الأرجنتين أن مجلة "الجُؤْجُؤِ/ Proa" تكشف عن توجهها فيما يخص الوجهة الأدبية التي ينبغي أن تتبعها البلادُ. لقد بِتنا نعرفُ سبقًا أن هذا النموذج يلبي مصالح معينة ملموسة، وبصفة رئيسة، مُلَّاكَ الأراضي البورجوازيين الذين شكلوا منذ مرحلة بِيرْنَارْدِينُو رِيبَادَابْيَا دولة مثالية من أجل طبقتهم الاجتماعية. إن الأدب سلاح مثالي في يد الطبقة المهيمنة البورجوازية ما دام يمارس تأثيره على المستوى الذاتي.

أعتقد، من وجهة نظري، أننا نحن العمالَ نحتاج إلى إبداع واستهلاك أدبنا الخاص. لهذا فأنا أرى أنه من الضروري هدمُ ذاك التمييز بين عمل فكري وعمل يدوي على خُطَى غرامشي. من أجل بلوغ هذا المرمى، يتعين على عمال هذه المدينة وقطاعاتها الشعبية أن ينتجوا أدبا يمثلنا، ولعلنا نبدأ بعمال التربية مُحصنين الرابطة بين الإنتاج الفكري والثانوي عاكسينَ غنى تجاربِهم اليومية.

لقد بات ضروريا رفعُ مبادئ الطبقة العاملة وتمثيلُ مصالحها ومصالح كل الأشخاص الذين يعانون من شتى الصعوبات التي أمسى يفرضها علينا هذا النظام يوما بعد يوم. يجب أن نتخيل العالم الذي يروق لنا أن نحيا فيه؛ عالمٌ ملؤه السلام، بلا حرب، من دون لا مساواةٍ، بلا جوع ولا تمييز. من أجل ذلك، أعتقد أنه أضحى أمرا أساسًا أن تنطلق المعركة الإيديولوجية من البنية الفوقية للنظام، مُدمجين المجال الأدبي. إنه لَجُزْءٌ من عملنا أن نفضحَ وندينَ اللَّامساواة وأعمالَ الظلمِ التي يمكن أن نراها يوما عن يوم في حضارتنا النفطية. وعليه، فإنه بات لزاما على هؤلاء الناس الذين يكرِّسون أنفسهم لفعل الكتابة أن يستطيعوا البدءَ في إنشاء كتاباتٍ أدبيةٍ ملتزمةٍ مع التحول الاجتماعي، مُستدركينَ كذلك القيمة الجمالية الداخلية لعملية الخلق الأدبي في حد ذاتِها.

 

تأليف: يُولِيسِيسْ بَّاسْطُورْ بَرِّيرُو

ترجمة: الدكتور لحسن الكيري

....................

- كاتب أرجنتيني شاب ومدرس عاشق للبيداغوجيا. نجد في أعماله القصصية والروائية دفاعا مستميتا عن الطبقة العاملة وقيمها ومُثلِها وطموحاتها وآمالها وآلامها. وهذه ميزة جوهرية يتفرد بها هذا الصوت السارد الشاب من بلاد خورخي لويس بورخيس خلافا لبعض الأصوات الأدبية المكرَّسة في القارة الأمريكولاتينية الساردة بامتياز. ونذكر من بين أعماله السردية على سبيل التمثيل لا الحصر مجموعته القصصية التي تحمل عنوان: "حكايات درب اللبانة" الصادرة في طبعتها الأولى ببوليفيا سنة 2014 عن دار نشر التنانين الطائرة "Editorial Dragones Voladores"، وذلك في 90 صفحة. وما أقدمنا على ترجمته ها هنا هو مقدمة المؤلِّف نفسه لهذه المجموعة القصصية المشوقة في انتظار ترجمتها كاملة في الأيام المقبلة بعون الله.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم