صحيفة المثقف

دونالد ترامب والاتحاد الاوروبي

لم يسلم الاتحاد الاوروبي من هجوم الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب، ولا من ضغوط سياساته المتطرفة، مما فاقم من حالة التوتر بين ادارتي الاتحاد والولايات المتحدة. وأصبح القلق واضحا بين الطرفين، سواء في التصريحات المتبادلة او المخاوف المعلنة. إذ لم تعد الولايات المتحدة، كما يبدو، الحليف الرئيس للاتحاد الاوروبي، ولا الشريك العسكري المأمون في حلف شمال الاطلسي/ الناتو. حتى وصل الامر الى التصريح من قبل المفوض الأوروبي جونتر أوتينجر بان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يلعب لعبة "فرق تسد" مع الاتحاد الأوروبي وإنه ينبغي لأعضاء الاتحاد عدم الاستسلام لتلك الخدعة. وقال أوتينجر وهو ألماني لإذاعة دويتشلاند فانك "يجب علينا أولا وقبل كل شيء أن نحرص على ألا نقبل لعبته هذه."

وتصاعدت مواقف ترامب ضد الاتحاد الاوروبي من خلال الترحيب بنتائج الاستفتاء البريطاني لصالح الخروج منه، حيث اعتبره "أمرا رائعا" ومرحبا به أثناء لقائه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في واشنطن،  أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي. وغرد ايضا: "الناس يريدون هُويَتهم الخاصة بهم، لذلك إذا سألتني عن الآخرين (دول الاتحاد الأخرى غير بريطانيا)، أعتقد أن الآخرين سيغادرون، أنا شخصياً، لا أعتقد أن الأمر يَهُم الولايات المتحدة كثيراً". كما أرسل رسائل مختلفة حول حلف الناتو، إذ وصفه في الماضي بأنَّه حلفٌ "عفا عليه الزمن"، والآن يصف الأمر بأنه "غير عادل بالمرة للولايات المتحدة"، لأن معظم الدول لا تفي بالتزاماتها الطوعية الخاصة بالإنفاق الدفاعي. وتناقض كما هو حاله فاعلن: "ومع ذلك، فإنَّ حلف الناتو مهمٌ جداً بالنسبة لي".

الامر الذي دفع مفوضة الاتحاد للسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني لزيارة واشنطن، يومي 9 و10 شباط/ فبراير، ولقائها وزير الخارجية الاميركي الجديد ريكس تيلرسون ومستشاري ترامب مايكل فلين وجاريد كوشنر، و"تحذير" الإدارة الأمريكية الجديدة من أي "تدخل" في سياسة الاتحاد الاوروبي، وختمت زيارتها الاولى لواشنطن بعد تولي ترامب الرئاسة بقولها "نحن لا نتدخل في سياسة الولايات المتحدة (...) والاوروبيون يعولون على عدم تدخل اميركا في السياسة الاوروبية". بينما أجابت على سؤال بشأن محاولة موقع "برايتبارت نيوز" اليميني الذي كان يديره مستشار ترامب للقضايا الاستراتيجية ستيفن بانون التأثير على نتائج الانتخابات المرتقبة هذا العام في فرنسا وألمانيا، بالقول: "أعتقد ان وحدة الاتحاد الأوروبي باتت أوضح الآن مما كانت عليه قبل أشهر عدة. ويجب أن يفهم ذلك بوضوح هنا". كما دعت رئيسة الدبلوماسية الاوروبية الإدارة الأميركية الجديدة إلى "احترام الاتحاد الأوروبي الذي ليس مجرد مؤسسة بل اتحاد من 28 دولة، لا تزال 28 وستظل على هذا النحو لاشهر عدة مقبلة" قبل خروج بريطانيا منه.

واوضحت موغيريني انه "بعد ثمانية أشهر من استفتاء المملكة المتحدة (الذي جاءت نتيجته لصالح بريكست)، لم يتم بعد ابلاغنا ب(موعد) بدء المفاوضات، ما يعني أن المملكة المتحدة ستظل عضوا  في الاتحاد الأوروبي لعامين آخرين على الأقل ولن تستطيع التفاوض بشأن معاهدة تجارية مع طرف ثالث".

واعربت موغريني في حديث لصحيفة Die Welt الألمانية عن احتمال فقدان الولايات المتحدة موقع الزعامة في العالم. حيث أوضحت “لم أر أبدا في حياتي الولايات المتحدة منقسمة ومثقلة بالنزاعات إلى هذه الدرجة كما هي اليوم. ولكن من يريد أن يلعب دور الزعيم العالمي يجب أن يكون قويا داخليا، وواثقا من نفسه، ومتضامنا”. وأضافت المسؤولة الأوروبية “إذا كانت أكبر ديموقراطية في العالم تعاني التوتر على هذا المستوى، فقد يمثل ذلك عاملا يقوض الاستقرار في العالم”. وبحسب موغيريني، فإن العلاقات الأوروبية الأمريكية المقبلة ستتصف بطابع براغماتي، حيث قالت “نحن نقترب من مرحلة جديدة في علاقاتنا، سنضطر لمناقشة كل موضوع لنفهم هل هناك تطابق في وجهات نظرنا، ولكن ذلك ليس مأساة”.

من جانب اخر قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انضم إلى روسيا والصين و"التطرف الإسلامي" ضمن التهديدات التي تواجه أوروبا. وأضاف أن كل تلك الأمور "علاوة على الإعلانات المثيرة للقلق من الإدارة الأمريكية الجديدة.. جميعها تجعل مستقبلنا لا يمكن التكهن به إلى حد بعيد".

واثار ما ذكرته وسائل اعلام عن رغبة ترامب في تعيين رجل الاعمال تيد مولوك سفيرا للولايات المتحدة لدى الاتحاد الاوروبي في بروكسل احتجاجات قيادات الاتحاد. لاسيما اثر تصريحات مولوك إلاعلامية عن تفكك الاتحاد الاوروبي، معتبرا ان خروج لندن هو المرحلة الاولى. وزادها بمقارنته: "كنت أعمل في السابق بمنصب دبلوماسي، وساعدت على سقوط الاتحاد السوفيتي، وبترشيحي هذا ربما يكون هناك اتحاد آخر يحتاج قليلا إلى الترويض".

ردا عليه ذكرت موغيريني ان "اي قرار لم يتخذ" في واشنطن حتى الان و"لم يتم طرح اي اسم محدد". ويتجه قادة البرلمان الأوروبي إلى رفضه سفيرا للولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي. كما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا حصريا حول نية رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان الأوروبي رفض ترشيح "تيد مالوك"، كسفير، بسبب وصفهم إياه بانه "معاد وحاقد"، وأن تصريحاته فيها اعتداء صارخ على الاتحاد، مشيرين إلى أنه بتلك الطريقة سيكون عدائيا تجاهنا. وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن تلك الخطوة قد تهدد بأزمة دبلوماسية كبرى، بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن قادة الجماعات المحافظة والاشتراكية والليبرالية للمفوضية والمجلس الأوروبي لدول الاتحاد الـ28 سيرفضون تعيين مالوك.

رغم ذلك تتجه إدارة الاتحاد الاوروبي إلى عقد قمة كبرى احتفالا بالذكرى الستين لاتفاقية روما في نهاية آذار/مارس،  وحولها أكد  رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك  "للمرة الاولى في تاريخنا وفي عالم متعدد الاقطاب، يصبح مثل هذا العدد من الاشخاص علنا مناهضين لاوروبا او في افضل الاحوال مشككين باوروبا. بشكل خاص، التغيير في واشنطن يضع الاتحاد الاوروبي في موقع صعب". واعتبر ان الادارة الجديدة "يبدو انها تشكك بالسنوات الستين الاخيرة للسياسة الخارجية الاميركية".

كيف ستجري مياه العلاقات بين شاطئي الاطلسي؟!، والى أين تتجه السياسات الأوروبية والأمريكية بعد كل هذه التحذيرات والتصريحات؟!. ومن يتفكك اولا؟!. أسئلة لقادم الايام.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم