صحيفة المثقف

اليمين المتطرف والعنصرية في اوروبا.. هولندا نموذجا!

تعود التيارات اليمينية المتطرفة في اوروبا الى واجهة المشهد السياسي، او تتصاعد مواقفها وتبرز فعالياتها بشكل واسع في فترات الانتخابات والاستحقاقات السياسية الداخلية فيها، ولكنها تجتمع عموما في التعبير عن عنصريتها وعدائها للتنوع والتعدد الثقافي والتطورات الجديدة في العالم، واوروبا اساسا، او تتذرع بها. ولعل ما يحصل الان في هولندا، كبلد اوروبي، تتوجه إلى الانتخابات التشريعية منتصف آذار/ مارس هذا العام، نموذجا لما يجري في غيرها من البلدان. والوجه البارز في هولندا للتيار اليميني المتطرف، حزب اسمه "الحرية" وزعيمه اسمه خيرت فيلدرز، الذي دشن حملته الانتخابية في مؤتمر انتخابي له يوم2017/2/18  بوصف مواطنيه من اصول مغربية بأنهم "حثالة" على حد تعبيره.  وقال امام جمع من سكان مدينة سبيكينيسي الصغيرة جنوب مدينة روتردام: "ان الرعاع المغاربة في هولندا.. طبعا ليسوا كلهم حثالة، لكن الكثير منهم كذلك وهم يجعلون طرقاتنا اخطر واساسا الشباب منهم.. ويجب ان يتغير ذلك.. اذا اردتم استعادة بلدكم، واذا اردتم ان تكون هولندا بلدا للهولنديين، بلدكم، عليكم ان تصوتوا لحزب الحرية" الذي يتراسه.. وتعهد بفرض حظر على هجرة المسلمين إلى هولندا وإغلاق المساجد في البلاد إذا فاز برئاسة الوزراء. وسبق أن اتهم بالترويج للكراهية في المجتمع بعد إطلاقه وعودا بتقليل عدد المغاربة في هولندا.  (بلغ عدد المغاربة 167 ألف نسمة، وفق إحصائيات أُجريت في 2011، مما يجعلهم أكبر جالية غير أوروبية في هولندا، وهذا الرقم لا يتضمن الجيلين الثاني والثالث من المقيمين المغاربة).

 ورغم شعبية فيلدرز، ونشاطه والدعم المتوفر له، يحتل حزبه "الحرية" 12 مقعدا من أصل 150 مقعدا في مجلس النواب الهولندي. ورغم أنه في بعض التقديرات تصدر استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات البرلمانية، لكن شعبيته بدأت تتراجع في الأسابيع القليلة الماضية. وحتى في حالة فوزه بمنصب رئيس الوزراء، سيجد صعوبة بالغة في تشكيل ائتلاف حاكم للبلاد، إذ أعلنت أهم الأحزاب السياسية في هولندا أنها لن تتعاون معه. كما سبق وان تقدم 6400 شخص بشكاوى للشرطة ضده لتصريحات أدلى بها أثناء حملة انتخابات المحليات وخطاب الكراهية المتميز به، ومحاكمته لم تصدر حكمها النهائي بعد. ومعروف انه طالب بحظر القرآن الكريم في هولندا بدعوى تعارضه مع القانون، كما دعا المسلمين في هولندا "لتمزيق نصف القرآن إذا أرادوا البقاء، ووصف القرآن الكريم بأنه كتاب فاشي يجب حظره مثل كتاب كفاحي لأدولف هتلر، كما أنتج فيلم عنوانه "فتنة" أواخر آذار/ مارس 2008  محاولا تضمينه ربطا بين النص القرآني والارهاب".

في مواقفه السياسية الخارجية يظهر بعد عمله في الكيان الصهيوني لسنتين، إعجابه بعنصريته، ويدعو الى اعتبار الاردن بديلا لفلسطين كحل للقضية الفلسطينية، وكثيرا ما يردد مقولته بأن "إسرائيل تستحق مكانة خاصة لدى الحكومة الهولندية لأنها تقاتل من أجل القدس نيابة عنا وسقوط القدس في أيدي المسلمين، يعني سقوط أثينا وروما، لذا إسرائيل هي خط الدفاع الأول عن الغرب،  هذا ليس صراع حول الأرض بل معركة أيديولوجية، بين عقلية الغرب المحررة وأيديولوجية الإسلام الهمجية"!!، حسب تصريحاته.

كحالة عامة لابد من السؤال عن اسباب صعود اليمين المتطرف وتنامي العنصرية في اوروبا في الفترة الراهنة، والجواب عنه يكمن في أن تطورات المشهد السياسي في هولندا، مثلا، تعود الى ما بعد احداث ايلول/ سبتمبر الأمريكية والهجمة الإعلامية على الاسلام والمسلمين بسببها وبعدها، ومن ثم "ذبح" المخرج الهولندي فان غوخ، بعد أن أخرج فيلما وثائقيا مدته 11 دقيقة، كتبت السيناريو له عضو البرلمان الهولندي من اصل صومالي، أيان حرسي علي، التي تصف نفسها بأنها "مسلمة سابقة"، وحمل الفيلم عنوان "الخضوع" ويتحدث بشكل عنصري عن وضع المرأة في الإسلام.  إضافة إلى تنامي الإجرام وسط الشباب لعوامل كثيرة، والازمة الاقتصادية العالمية وتاثيراتها، كل هذه التطورات قدمت وبشكل غير مسبق فرصا الى صعود حزب الحرية، ورئيسه فيلدرز، الذي استغلها في خطابه المعادي للإسلام والأجانب عموما. او وفرت له ظروفا ليحصل على موقع له في المشهد السياسي والقرار السياسي والبرلمان.  وهو ما يمكن تفسيره وراء صعود اليمين المتطرف والعنف والعداء في اوروبا عموما، وهولندا نموذجا لها.

من جهة اخرى يستقطب صعود اليمين المتطرف بنية المجتمع الهولندي، ويقسم التوجهات فيها، ويفاقم من ردود الفعل على شعارات الاسلام فوبيا ومعاداة المهاجرين والكراهية والعنف، لا سيما حين تتوفر بيئات حاضنة لها بشكل عفوي او منظم بأساليب ابعد من الشعارات المرفوعة او المحفزة لها.

صحيح أن هذه الصورة نقطة سوداء في خارطة اوروبا جميعها، او داخل كل بلد فيها، إلا أن الأنظمة السياسية والدساتير والقضاء فيها يخفف من الرعب منها ومن صدمة المفاجئات والغلو اليميني والعنصرية المتوترة فيها. لان من مصلحتها التاريخية والستراتيجية الحفاظ على المكتسبات الحاصلة في اوروبا، المتعلقة بقيم الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان واحترام التنوع الثقافي والتسامح واحترام القوانين والعمل  واختلاف الاراء، كما أن الوعي بها يلعب دوره في التصدي للأزمة وتحديد حجم اليمين المتطرف في التفرد والتسلط والحكم.  كذلك تقوم القوى الليبرالية والديمقراطية في المقابل بدورها في تشجيع الحركات الشبابية المتقدمة في الدفاع عن تلك المثل والقيم  ومن اجل السلم والأمن والبناء وصنع اجواء تعايش سلمي مدني. وكما معروف تحترم القوانين الأوروبية ودساتيرها حق المواطنة وفرص العمل على مختلف الصعد، وبالامكان العمل بها والتقدم خلالها لتقديم نموذج افضل من حزب الحرية وخطابه الشعبوي العنصري. حيث يعترف القانون الهولندي بالاديان، مهما كانت ومهما كان عدد معتنقيها، اذا استطاعوا التوحد والاتفاق بينهم والقوانين المرعية بذلك. هذا ما حصل مع الديانة الهندوسية وعدد معتنقيها لا يتجاوز السبعة او الثمانية الاف فقط. واستطاع عدد من المواطنين من أصول عربية الفوز بالانتخابات المحلية والتشريعية، وتسلم وظائف دولة مهمة في القرار السياسي وسلم العمل الرسمي. وهو كذلك حاصل في الدول الأوروبية.

 

كاظم الموسوي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم