صحيفة المثقف

الرَّافِضُونَ عَبْرَ التّارِيخْ.. مع العلّامة محمد نسيب الجزائري وصرخات الحق المظلوم

هو كتاب أهداه صاحبه إلى كل المظلومين والمضطهدين الذين أرهقتهم الأيام وداستهم أقدام الطغاة، كان كما قال عبارة عن صرخة مدوية لا يملك سواها، إنها صرخة القلب الجريح، مذكرا لهم بأن لكل بداية نهاية، ولكل ليل فجرا مهما طال وتمدد، قدم الكتاب الشيخ محمد الهادي الحسني، وقد كتب العلامة محمد نسيب الجزائري في أولى صفحات الكتاب عبارة مثيرة جدا قال فيها: " أيها الظلم المصغر خده رويدك إن الدهر يبني ويهدم، هو الحق يعفي.. ثم يعرض ساخطا فيهدم"، والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات مختلفة نشرها الكاتب في صحف ومجلات جزائرية، نظمها في شكل كتاب، وهذه المقالات تعالج أمراضا ومشاكل اجتماعية، وماهي سوى صرخات النفس المعذبة، ودخانا تصاعدا من قلب محترق، وقد قسم المؤلف كتابه إلى  أربعة محاور: تناول في المحور الأول السيرة النبوية، وتناول في المحور الثاني بعض الشخصيات العلمية الجزائرية المتخرجين من مدرسة محمد، وتحدث في المحور الثالث عن الرافضون عبر التاريخ الذين اختاروا الدروب الوعرة المغروسة بالأشواك، الرافضون للعبودية والتبعية، أما المحور الرابع ركز فيها صاحب الكتاب على قضية التبشير الإستعماري الصليبي والإعلام الغربي الصهيوني وخطرهم على الأمة الإسلامية.

وإن كان صاحب الكتاب من أصول أمازيغية، فقد أبى إلا أن يدافع على لغة "الضاد" وهوة يؤلف كتابه بلسان عربيّ، وهو يستظهر بطولات الشعب الجزائري الذي تصدى للإستعمار الفرنسي مدافعا عن دينه ولغته وقيمه، من قال أن الأمازيغي لا يتكلم العربية، من قال أن الأمازيغي لا يعرف الكتابة باللغة العربية، فهاهو الأمازيغي يتحدث عن الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية العلامة ابن باديس، ويدعو جيل الإستقلال بأن يتعلم عن هذا الإمام المصلح، وأن لا يتسامح ولا يتنازل عن ثقافة وطنه ولسان قومه، وقد أسهب محمد نسيب في وصف مأساة الإنسان المعاصر الذي يقوده العميان والمجانين، إنه الإنسان المادي الذي صنعته الحضارة المادية فحولته إلى حيوان مفترس، وفيما يتساءل الكاتب عن الحرية والديمقراطية المزعومة التي صنعها الغربيون، يصف محمد نسيب تجار الحروب بأعداء الإنسانية..

لقد جف ريق الكاتب وهو ينادي المسلمين الذي تفرقوا ويدعوهم إلأى العودة لكتاب الله، فهو يخاطبهم قائلا: " يا مسلمين متى تقفون على أقدامكم ولا تزحفون على بطونكم.. يا مسلمين تعالوا إلى كتاب الله هو الحكم فينا بينكم ونبراس ينير طريقكم المظلم فلا تهملوه فتظلوا الطريق..، يا مسلمون هل من عقل يفكر وضمير يستيقظ، وحركة تنبعث..؟..الخ، ولكن لا احد يسمع فيستجيب، فلا يجد العزاء إلا من البحر يحدثه ويناجيه، وهو مقال عنونها الكاتب بالصيغة التالية: " متى تثور يا بحر؟"، إذ يقول: "  يا بحر متى تغضب وتثور، وتغرق القرود والخنافس، وتطهر شواطئك من الأمواج والأشلاء المبعثرة التي ينخرها الدود ويحوم حولها الذباب وينقل منها الجراثيم والأمراض ويهلك الأحياء"، ويضيف قائلا: " يا بحر لو أرسلت موجة واحدة لغسلت رمالك وأزلت من وجهك الأوساخ التي تجمعت حولك،و تطفوا على سطحك  فشوهت جمالك وغيرت لونك ورائحتك، يا بحر كنت ثائرا وكان هديرك يملأ الدنيا رعبا وخوفا،  وصرت جامدا سلكنا لا تدافع عن شرفك المهان وكرامتك المداسة، كان شاطئك يا بحر مأوى الأحرار وملتقى الأبطال ومرتع الأسود والأشبال..، لعلهم قالوا لك  إننا جيل ثائر على الأخلاق والعادات والتقاليد وعلى كل مبادئ الإنسانية؟، فصرت يا بحر لا تتأثر ، تغضب ولا تثور..الخ..

و يرحل الكاتب مع الرافضين عبر التاريخ، وهو في الحقيقة كتاب ألفه الأستاذ محمد الصالح الصديق، جمع فيه بين الأولين والآخرين، وعرّف بعظماء الشرق والغرب الذين قالوا " لا" في كل زمان ومكان، ورفضوا العبودية وقاوموا الظلم والإستبداد وصاحوا في وجوه الجبابرة والطغاة ودافعوا عن الحرية والكرامة الإنسانية، والحقيقة أنني بحثت عن كتاب الرافضون عبر التاريخ ولم أعثر عليه، يقول محمد نسيب : لولا الرافضون لابتلعتنا هذه الأفاعي التي تزحف في كل مكان تثير الرعب والفزع في قلوب البشر، والكاتب محمد نسيب من مواليد 1924 بمنطقة القبائل ناحية  بوغني ولاية تيزي وزو، بدأ تعليمه على يد والده في المنزل ثم انتقل إلى زاوية الشيخ عبد الرحمن اليلولي، قبل أن يشد رحاله إلى جامعة الزيتونة بتونس لمواصلة الدراسة، اشتغل في الصحافة بعد حصوله على شهادة ليسانس في الفلسفة من جامعة الجزائر، تولى إدارة المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة، ثم مديرا لمجلة "الرسالة" ، وظل يناضل بقلمه وفكره إلى أن وافته المنية في سنة 2003

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم