صحيفة المثقف

حوار مع الفنان والمصمم محمد النواس

يرتبط الفن الفوتوغرافي عموماً بالمكان ارتباطاً عضوياً، ولا يستثني من ذلك حضور الإنسان وجوداً وارتباطاً، وليس بمقدور احد ان يحط من جدوى الصورة في أثارة الانتباه، فقد مارس الإنسان التصوير بشكل أو بآخر منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا، وقد احتاج إليها منذ ان اخذ المجتمع البشري يتشكل، ولعل أقدم النماذج التي وصلتنا والتي عثر عليها ما تركه لنا السومريون منذ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد. فالصورة هي تلك التي عرفناها بوصفها العمل التوثيقي الرائع الذي امتلك سر بقائها أو ديمومتها على نطاق واسع بين الأفراد والتجمعات الإنسانية، واتسمت بخصائص متفردة تجاوزت الأزمنة وعلقت بذاكرة الأجيال اللاحقة، بل هي تلك الإضاءة التي مابرحت تلمع من نسيج تنتمي إليه جميع الفنون الإبداعية، وهي لابد ان تكون كذلك؛ فقد تعلقت بقدر كبير من الجمال الذي أبعدها  قليلاً عن الواقع وان كانت محاكاة له، ولعلها تجلت عبر مسيرة طويلة من المواقف والأحداث والذكريات والمسرات والأوجاع، كما رافقت كل الحروب والهزائم التي شارك فيها الإنسان وشهدها التاريخ الحديث، وهي في المحصلة الأخيرة اتسمت باتحاد العين والعدسة " الكاميرا " واستأثرت باهتمام بالغ من قبل الجميع، غير إننا نجد في تعالق العين والعدسة صلة توفيقية بالزمن التقليدي الذي ينعكس على حياة الإنسان وطبيعة المكان بصورة عامة، في أي زمان ومكان، ومن هذا المنطلق كانت لنا وقفة مع الفنان والمصمم محمد إسماعيل النواس الذي يعد واحداً من الفنانين المعبرين عن المدرسة الواقعية في العراق، نظراً لما تمتاز به أعماله من وضوح وتوازن ودقة تبلغ حد الصرامة في تجسيد كل التفاصيل الصغيرة، يعمل بجدّ وصمت بالرؤيا وفكرتها، وأراد ان يتجاوز خطاب الصورة بعيداً عن ممارسة المهنة، فقد وجد في فن التصوير بعض السلوى، ووجد فيه فرصة للوجود والبقاء واثبات الذات، وهذا ما عمل عليه. والنواس فنان له حضوره الدائم في المشهد الثقافي العراقي، وغالباً ما نجده يلتقط صور من زوايا خفية بطاقة غير محسوسة، إذ لايمكن البرهنة على وجود الضوء كطاقة، إلا عندما يصطدم بجسم ما من حيث إن الانعكاس هو الذي يبرهن على الصلة الأولى، والذاكرة عند الفنان ان لم تصتدم بجسم ما، فالرائي هو الذي يدرك إبعاد الحيز ومعناه من خلال معادلة الضوء والجسم، حيث أنها تشكل معادلة مكونة من ثلاثة أبعاد وهي في الاخير تمتلك معناه. وهذا ماجعلنا نلتقيه في حوار عابر ليحدثنا عن أهمية الصورة وإبعادها الإنسانية .

* ما أهمية الصورة الفوتوغرافية اليوم مع ما نشهده من تطور هائل أحرزته التكنولوجيا، وهل تعتبر الصورة لغة؟ 

- في العصر الحديث ازداد الاهتمام بالصورة، حتى إن البعض يطلق على عصرنا هذا " عصر الصورة " لأن وسائل الاتصال المعاصرة أتاحت من وسائل العرض ما جعل الصورة بديلا  للكلام، إن لم تكن بديلا للواقع نفسه، وأصبحت تشكل صناعة محكمة لتوجيه الرأي العام بحيث تجعله ينساق إلى تصديق أمور أو تكذيب أمور أخرى دون رؤية أو فكر، فيشتري سلعا بدون وعي، ويضيع من ثرواته وأوقاته بدون وعي، لقد أصبحت الصورة ساحرة العصر الحديث وذلك لأن الصورة لا تحمل المعاني فقط بل توحي بالمشاعر والعواطف أو تصنعها، فهناك صورة توحي بالفخامة والجلال، وأخرى توحي بالفقر وسوء الحال، هذا الإيحاء المنبعث من الصورة يمكن أن يسمى مجازا - لغة، مثلما نقول مثلا : لغة العيون، ولغة القلوب، والمقصود أن هذا التركيب البصري قد يؤدي الوظيفة التي تؤديها اللغة، وهي التوصيل والتواصل، بل إن الصورة قد تؤدي هذه الوظيفة بشكل أعمق وأجود وأجمل من كثير من التعبيرات اللغوية، كما أنها تقوم بنقل الواقع في أسرع وقت. وكما هو معروف عن الممثل شارلي شابلن كان يقدم الفلم الصامت بالأسود والأبيض ولكن كان يرسل رسالة يفهمها الجميع.

* ما التقنيات التي تعتمدها في معالجة الصورة؟

- هناك العديد من المعالجات للصورة، وغالباً ما أركز على العينين مع الوجه بتركيز بالغ من أجل اضهار عناصر أخرى اقل أهمية من غير أن أهمل التركيز على اليدين والقسم الأعلى من الجسم فهما مفتاح الشخصية، ومما تجدر الإشارة إليه هو ان العدسات التي أعمل عليها في التقاط الصور هي عدسات ذو كفاءة عالية وغالبا ما تمتاز بسرعتها العالية وقدرتها الفائقة على التقرب من الجسم. كما لاننسى فقد طور الفنان من أدواته بعد الاستعانة بتقنية نظام البرنامج المعالج " الفوتوشوب " في إضفاء مسحة جمالية على الصورة وبث الأفكار وتوزيعها بما يتناسب والرؤية الفنية التي تحمل رسالة ما والتي  يجهد الفنان من إيصالها للمتلقي، فضلاً عن اختيار الزوايا الفنية " للموديل " لنحسس معناها للمتلقي.

* يقال ان الصورة التي تنتج بواسطة الكامرا التقليدية أكثر ديمومة من الصورة التي تعالج بالديجيتال ما صحت ذلك؟

- كامرا الديجيتال أكثر مرونة من حيث قدرتها على الخزن والمعالجة، وميزتها أنها ذات بعد بؤري أكثر سعة من الكامرا التقليدية، بالرغم من ميزة الصورة التي  تؤخذ بالكامرا بالتقليدية، وكما يقال أنها تدوم لمدة ماتئي عام تقريباً بينما صور الديجيتال في أحسن الأحوال لا تصمد إمام الزمن أكثر من خمسة وعشرين عاما، علماً ان التعامل بها غالبا ما يشتت المشاعر وينثرها في جوانب أخرى، فضلاً عن ما يسبب بضعف الذاكرة وتبعثر الحواس الشعورية والبصرية، ولكن يبقى الديجيتال أكثر قدرة وحيوية  في انجاز العمل وهذا ما يعطيه أهمية ومساحة تتسم بالسرعة والابتكار. ونحن أبناء هذا العصر فلابد من مجارته بشكل او بآخر. 

* من أين يستقي الفنان قيمه الجمالية في تشكيل الصورة الفوتوغرافية؟

- فن التصوير مدرج تستقر علية أفكار وخيال الفنان بحرية ليقدم ما شاء للمتلقي مما هو غير مألوف ليشعر بالإعجاب والسعادة وهذا جزء من طبيعة عمل الفنان، من حيث ان الكاميرا تتعامل  مع الحيز " المكان" وما يشتبك فيه من حركة وتفاعل مع الطبيعة والناس الذي يتميزون بخصائص متفردة جلهم من النخب الفنية والأدبية والفكرية الذي يخطون مساحات واسعة في المشهد الثقافي والحراك العراقي بكافة تنوعاته. حيث تجدني دام الحضور والمشاركة في فعاليات " المركز الثقافي البغدادي " يوم الجمعة، محاولاً تسجيل ما أمكنني من ذلك بالإضافة إلى المشاركة في بقية الفعاليات والمهرجانات التي تقام هنا وهناك من كل أسبوع، ولم تكن مشاركاتي لمجرد الاحتفاء بالوجوه المبدعة بقدر ما كان التركيز والاهتمام ينصب على ألفات النظر إلى قيم وجماليات المكان وما يحيط به، ولم استثني من ذلك تصوير الأمكنة والوجوه المتعبة التي طواها الغبار وأهملها النسيان. 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم