صحيفة المثقف

رقصة الدرويش

 النصف الثاني من ليلة:

 31/12/2016 .

 

رقصة الدرويش / جمال الدين حريفي

 

الوقت ما أنت عليه.

ليس الوقت ما كنت بهِ.

**

لكل وقته، يا صاحبي

**

الوقت حال خرجت منه، وحال صرت إليهِ

**

الوقت حيث تقيم.

**

صاحب الحال لا يقيم في مكان.

**

أنت هنا، لا في مكان.

**

فاخرج عافاك الله من حال الناس.

واخرج من حال نفسك

فذاك وقتك.

**

الوقت كأن لا زمن.

**

الوقت صفتك الظاهرة وأنت صورته الخفية.

***

تكون حجرا فلا يعرفك أحد

وتكون عشبا فلا يعرفك أحد

وتكون ترابا وماء ولا يعرفك أحد.

**

تمشي اللغة بنعالها فوق خدك.

ولا تحس بشيء.

***

جوابك ابن وقته

وسؤالك ابن وقت آخر أقدم منه

**

إذا وافق الجواب هتاف نفسك

فسؤالك لا يعول عليه

**

كل سؤال تيبس بين الشفتين فلا يعول عليه.

***

متى صرت تحتاج السؤالَ

وقد عرفت مذلة الطين؟

**

لست تعرف دهشة اليقين

لست تعرف دهشة اليقين

**

إلتمس بلُغتك سبيلا لا تطرقه الأقدام

**

مخالفتك للوقت بعض من طبعك

ما خالف الترابُ الماءَ إلا ليتحدا

***

موافقتك لنفسك بعض من صنعك

قد صرت في مشيك يا هذا متئدا

***

كذلك هتف الطين بقلبك

**

قم لترقص

***

قم

**

أم؟

**

مهلا مهلا وعلى رسلك

سترقص من ههنا صعدا

فتعلو فترنو

فتلف تلف

تشف فتبدو

على صفحة الكف

تلك الرحبة، رحبة الرقص.

كلما اقترب الكلام من قدميك اقترب المعنى

ثم عادا فابتعدا

لا تُرَقِّص يا صاحبي ماءً وترابا قد اتقدا

كالنار

فأنت لا تعلم ما شهدا.

***

إذا وافقتَ الوقت صرت منه، وإذا

وافقك الوقت

صرت أنت، على شط المعنى زبدا

**

اعتقادك أنك لا تملك، إليه تنتهي إرادة الحي.

***

أن لا تملك فذاك اليقين

**

الحيرة عتبة واليقين باب

**

في الرحبة يكون الرقص

**

تعال فادخل ترى عجبا

**

فتحت اصطخاب الأقدام

ساكن ذاك الروح

في قدح مختوم

**

انزل عميقا إلى الكثيف

انزل

تحت كل موج

انزل

إلى قاع الضوء

انزل

بلا مصباح

قد أصاب النور من شمس قلبك الكبدَ

***

أنت الساكن في الأقداح

وأنت الموج إذا افتر دمعه منتحبا

**

أنت الشك قد صار يقينا.

**

والبحر أنت والرحبة

**

لا تفصل نفسك عن نفسك

**

كذلك ليس ذاك الناي غير تلك القصبة

**

لا بد من الدوار بالعقل والروح معا.

الآن يبدأ الرقص

فتحت الأقدام تراب وماء قد اجتمعا.

**

ألم تمش اللغة بنعالها القاسية فوق خدك؟

**

هل شعرت برعشة الرقص؟.

**

لا بد من الحيرة حتى يهتدي السالك إلى بحر دهشته.

الموج هادر في الأعلى

والأعماق ساكنة لأن الروح في قدح.

**

كل حيرة لا تهدي إلى يقين.

ذاك سبيل لا تعول عليه.

**

اتبع وقع خطاك، وأنصت إلى أنين روحك.

لا تشرب يا صاحبي إلا من قدحك

**

ليس يحس بالأوجاع غير المصاب.

***

أرقص وحيدا في الأعالي

عار إلا من دفء الكلمات.

***

إلى أعلى الجبال ذاك الطير غدا

قد صار في أعماق كل بحر قطر ندى

***

لا أعلى ولا أسفل في أحوالك

***

الأحوال كواسر وجوارح تحوم مثلك حولك

***

أنت ترقص حول نار المعنى وهي ترقص حول جسم العبارة.

***

أرقص، أرقص، أرقص.

***

أرقص حتى ترتعش قصبات الهواء وحناجر الحروفِ.

أرقص دائرا حول نفسك، وحول النار كخذروفِ.

***

إنما أنت النار

ونفسك ترقص حولك.

***

أنت كل كاسر  وكل جارح

**

والنار ترقص حولك.

**

لا بد من الدوار بالعقل والروح

**

لا بد من الرقص حول المعنى

**

أنا

لا

أرقص

بل

أحوم

حول

معنى

في النفس قد لبدَ

**

هكذا أفعل

***

ألتف كحبل حول عنق الكلمات

أو أحز  رقبتها بسكين الجذب

وأشق الجلد عن ذراعها وعن الكتف

**

أهتف

**

ثم ألعق دمعها الحار باللسان

***

وأمضي إلى رحبة النسيان

**

لي في كل رحبة رقص لا يشبه رقصي الأول

إلا قليلا قليلا

**

هكذا أفعل.

***

أميل بالرأس على الجنب

وأنفخ ريح الحال في الكلمات

**

لم أصنع بعد من قصب الروح نايا

ولم أصنع من جلد الحروف دفا

**

لكني أغني وأرقص بالكلمات

أحلق دائرا حول النار

مرة واثنين وثلاثا... ثم ثلاثين

وما أسمي شكواي مقاما لست به

ولا أسمي البلوى إذا بدت كشفا

أحوم

حتى لا يبقى معنى تَمَّتَ

فالمعنى حفيف يلامس أجنحة الحرفِ

ويأخذه العطف بها، فيهمس بي لطفا

من بعد لطفِ

من بعد لطفِ

**

والريش حرير

لكن العبارة

كشفرة

تغوص عميقا في الجرح.

وتحلق حول النار.

***

تلك النار يا صاحبي كانت قبسا فصارت شمسا

تلك النار يا صاحبي أصبحت نورا.

***

أفلا أكون عبدا شكورا؟

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم