صحيفة المثقف

موصل اليوم جحيم بلا أمل

سأل رجل حكيم الزمان: يا سيدي  اشعر بأنني انا المنفى وانا المنفي،   يسكنني المنفى وانا في وطني وبين اهلي وناسي، واشعر كذلك انني منفي في غربتي وراء الشمس ... هل تدلني يا حكيم زماننا اين رحل الوطن واهلي؟

اطرق الحكيم ثم هز رأسه ورفع عينيع ة نظر الى الرجل وقال له بصوت عميق أجش :

- انت عراقي أليس كذلك؟ اجابه الرجل

- هو ذاك يا سيدي.. رفع الحكيم يديه الى السماء وتمتم بدعاء لم يفهمه الرجل.

- يا رجل وطنك في مكانه لكن المنفى يسكنه وقد تغلغل النفي في قلوب الناس فاستوطنهم .. لم يعد هناك احد يجفف دمعة احد.. كان الله في عون من تعلق قلبه بالعراق .

ذكرتني كلمات حكيم الزمان بأجمل ايام العمر لكل الشباب " أيام الجامعة " معظم الفحول كانوا يعملون جاهدين على الرسوب بدل النجاح لكي يتجنبوا الموت في الجبهات، وتذكرت الهاربين في تلك الايام، لم يخطر ببالي بأنه سيأتي يوم أهرب فيه من العراق.

في التسعينات بدأ الحديث عن اللجوء فهاجر من هاجر الى اوربا، ولجأ اساتذة الجامعة الى دول عربية لتحسين الحال، ومع ذلك لم يخطر ببالي أنني سأفارق العراق واتركه.

واستمر الحصار و توالت الحروب حتى تبدل النظام الديكتاتوري وجاء النظام الجديد فتضاعف عدد الهاجرين، وازداد الوضع سوءا ليقذف بالناس بين احياء المدينة واريافها بدون دعم من الدولة أو حماية قانونية. أستمر الارهاب يستنزف مدينة الموصل حتى اصبحت من أهم جهات تمويل الارهاب في العالم، نعم كانت الموصل تمول الارهاب في العالم.

أما اليوم، يهرب الناس من المدينة تاركين جثث أهلهم تحت الركام، يركضون الى مخيمات ليست بالمخيمات وطالبين نجدة ليس لها وجود.. كيف لا يهربون وكل شيء فيها يسحق ويمحق تاريخها وحضارتها والانسان الذي يسكنها.

وادي حجر أصبح اسم على مسمى.. حجر بجانب حجر .

ماذا فعلت المؤسسة السياسية؟

سمعنا معظم رجال الدولة من البرلمانيين والسياسيين  والمنظمات الحكوية  تخبرنا عن التحضيرات التي تمت لاستقبال النازحين. كان المتوقع 750000 نازح  كتبت تقارير تفيد بأنهم جاهزين لأستقبال 500000 نازخ، بعد نزوح 55 الف رفعت الحكومة المركزية والمحلية الراية البيضاء ليتضح أن كل التحضيرات كانت تحضيرات معظمها فضائية أدت لنوم نازحي الأيسر لفترة  في العراء، في خيام مكتوب عليها الامم المتحدة وهي من أسوأ الانواع،  تمت بعقود ربحية نفعية وكانت النتيجة خيام ينضح اليها الماء من كل صوب والآن جاء دور الجانب الأيمن،  على ما يبدو أن السياسيين سرقوا كل النقود المقدمة من العالم وتركوا النازحين من الجانب الأيمن فعلا في العراء تحت رحمة السماء.

دور العشيرة

هناك من كان ينادي أن العشائر هو طريقنا الى النجاة. العشيرة أصبحت اداة بيد الفاسدين تعمل لمن يدفع لها ويشتري صوتها. هذا مقطع يوضح تجاوب العشائر مع هذه المأساة أخذته من مقال للكاتب نوزت شمدين.

" شيوخ العشائر ووجهاء جنوب الموصل الأفاضل هذه صفحة من صفحات الحرب على إرهاب داعش و(سقاعة) السياسيين وفسادهم، الناس يموتون بردا وجوعا في أماكن قريبة من دياركم، فهلموا لنجدتهم ومد يد العون إليهم، لقد ضاقت بهم السبل وصاروا بعد أن كانوا أعزة في بيوتهم مجلودين بذل النزوح. حتى رئيسة مجلس قضاء الموصل (بسمة بسيم) التي زارت مكانهم اليوم ألقت منديلها الأبيض مستسلمة وعاجزة عن فعل شيء، ودعت الخيرين أمثالكم للقيام بما عجزت عنه حكومة نينوى الفاسدة"

وسقطت العشيرة وهكذا سقطت المؤسسة السياسية والعشيرة وبقيت مؤسسة أخرى لا تقل أهمية عن المؤسستين السابقتين.

سلبية المؤسسة الدينية..  

المؤسسة الدينية، لم تفهم هذه المؤسسة وبمعظم شخوصها أن  إعطاء نعل قديم  لنازح حافي القدمين اعظم قدرا من الف عمامة مما يعدون..

استميحكم عذرا!  اخشى ان يسيء فهمي رجال الدين الكرام وينجرح كبريائهم .

انا قصدت ان قيمة ما يمنحه حذاء لقدم  قدم طفل عاري اكبر قيمة من كل ما منحتنا اياه عمائمكم.

انزعوا عمائمكم والجبب وفصلوا منها ملابس للمحتاجين  وانزلوا للشارع لا نحتاج خطبكم ولا جعجعتكم الفارغة ايام الجمع نريد ان ارى أفعالكم .

معظمكم اصبح فعلا آفة المجتمع. تقولون ما لا تفعلون. تنصحوننا بالصدق وأنتم تكذبون وتطالبوننا بالأمانة وأنتم تسرقون..

لكني أرى أملاً يمشي أمامي على قدمين، بعد سقوط كل المؤسسات والقيم بقي الامل بسواعد ابناء المدينة  وعشاق العراق تلك السواعد التي تعمل ليل نهار بلا مقابل سوى حب الموصل وعتيقها. أملي بمؤسسة أيديولوجية تنفخ روحا جديدة في مدينتي لينهض آشور وينعم بالربيعين من جديد.

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم