صحيفة المثقف

العريان ليس جديراً بتعليم الناس الحشمة

 لا أحد ينكر دور المنتديات والجمعيات الأدبية والفنية في نماء الأدب والفن، ومدّ جسور التواصل بين المثقفين والأدباء وجميع المعنيين بالعمل الفكري والإبداعي .. وفق هذا المنطلق حرص الأدباء والفنانون على تشكيل اتحاداتهم، وحرص البعض على افتتاح صالونات أدبية، وثمة مَنْ أقاموا تجمعات للغرض ذاته ... ومن هذه التجمعات الجديدة " الإتحاد الدولي للأدب "، وكما يكشف عنوانه فإنه يهدف الى الخروج من المحيط القطري نحو المحيط العربي فالعالمي، واتحاد كهذا، جدير بالدعم والتواصل والمساهمة في مناشطه ..

 *

 وصلتني قبل أسابيع معدودة رسالة من صديق له عندي منزلة كبيرة لما عرفته فيه ـ وعرفه الأدباء والفنانون ـ من مكارم أخلاق وبياض قلب وضميرٍ، ونظافة يد، وإبداع قلمٍ وريشة، هو الفنان التشكيلي والشاعر إياد البلداوي، رئيس الإتحاد الدولي للأدب، أعلمني فيها بترشيحي من قِبل الإتحاد لتكريمي بوسام الثقافة، مع دعوة كريمة لحضور مهرجانه في مدينة صفاقس التونسية ـ باعتبارها عاصمة الثقافة العربية للدورة الحالية .. ولسبب شخصي، اعتذرت عن الحضور، معبّراً في الوقت ذاته عن عظيم شكري وتشرّفي بالوسام ... وكعادته في التفضّل والفضل، أبدى استعداده لاستلام الوسام إنابة عني ..

 ولأن عددا من المكرمين قد تعذّر عليهم حضور المهرجان في صفاقس، فقد قرر الإتحاد عقد مهرجان تكميلي في بغداد لتوزيع الأوسمة وشهادات التكريم على الذين حالت ظروفهم دون حضور المهرجان في صفاقس .. وشاءت المصادفة أن أكون موجودا في العراق، فوصلتني دعوة من الأخ الشاعر حسين الجميلي رئيس فرع الإتحاد في العراق، لحضور المهرجان التكميلي في بغداد يوم 6/3/2017 .

الصدقً أقول: ثلاثة أسباب حببتْ لي وسام الثقافة وشهادة التكريم، هي : إسم الشاعر الكبير أ . د . محمد حسين آل ياسين الذي حملت الدورة الأولى إسمه الكريم ... ثاني الأسباب هو إسم الإتحاد الدولي للأدب ..أما السبب الثالث فهو وجود إسمين على رأس هيأة قيادة الإتحاد، لهما عندي منزلة كبيرة أولهما الفنان والشاعر إياد البلداوي، وثانيهما الشاعر حسين الجميلي (رغم أن عمر صداقتي معه لا يتعدى عديد أوراق وردة فراتية واحدة ـ ولكن : أليس عطر الوردة كافٍ للتعريف بعذوبة الماء الذي انتهلته والأرض الطيبة التي احتضنت جذورها؟) .

***

 كلنا نعرف أن أدباء مثل نجيب محفوظ وبابلو نيرودا ولويس أراغون وكافكا وصموئيل بيكيت وغابريل ماركيز والبير كامو وسارتر وغيرهم، قد حازوا جائزة نوبل ـ وهي أرفع جائزة عالمية على الإطلاق ـ ولكن ليس فينا مَن يعرف الأشخاص الذين قاموا بتسليم الجائزة لنجيب محفوظ وبابلو نيرودا وأراغون وماركيز وكامو وسارتر وبقية الفائزين بها، فقيمة الجائزة باسم مؤسسها أو الإسم الذي تحمله وليس باسم الشخص الذي يقوم بتسليم شهادة الفوز ... على العكس من ذلك نرى بعض " الصيصان من صغار النفوس " يعتقد أنه إذا قُدِّمت الجائزة من قِبَل شخص ليس علماً كبيرا أو مسؤولا كبيراً، فإنّ ذلك يمثّل انتقاصاً من الفائز !

*

 هل حدث مثل ذلك؟

جوابي : نعم، حدث في المهرجان التكميلي للأتحاد الدولي للأدب ... فقد فوجِئتُ ـ وفوجِئتْ إحدى الأديبات بدعوتها لتسليمي شهادة التقدير والوشاح، رغم وجود الشخصية الأدبية الكبيرة التي تحمل الدورة اسمه العَلَم .. أما كيف حدث ذلك، فالأمر لا يعدو كونه استغفالا لطيبة وحسن ظن رئيس فرع الإتحاد في العراق الذي قال لي شخصيا إن الأديبة قد قُدّمتْ لها دعوة الحضور قبل يوم من انعقاد المهرجان لتحضر كمدعوّة وليس لتقديم جوائز وأوشحة ... والأديبة ذاتها لم تكن تعرف أنها ستقدم الوشاح والشهادة حتى وهي جالسة بين الحضور، فكانت مفاجأتها لا تقلّ عن مفاجأتي ومفاجأة بقية المكرمين.

 شخصيا، تقديم الوشاح والشهادة لي من قِبلها أو أيٍّ من الحاضرين لا أراه إنتقاصا من منزلتي كمكرّم أو كمبدع، وليس كما توهّم السفيه اذي خطط للأمر (علما أن هذا السفيه كان يُخاطبها بحضورها كأخت، لكنه قد طعن بها وذكرها باسمها الصريح في رسالة تشهير وافتراء أطلعتُ صديقا أديبا كبيرا عليها فوبّخه وانتهر سلوكه الشائن) ..

**

 لقد رحّبتُ باستلامي الوشاح والشهادة تبجيلا للشاعر الكبير الذي حملت الدورة اسمه الكريم، واعتزازا بالإتحاد الدولي للأدب، بل وبجمع الحضور الغفير في القاعة، وكنت ارتأيتُ بُعيد استلامي الوشاح وشهادة التقدير، الكشف عن اللعبة القذرة احتقاراً مني لصغير النفس الذي أساء استخدام حسن نية الأخ الشاعر رئيس فرع الإتحاد الدولي في العراق غير أنني عدلتُ عن اعتزامي هذا حرصا مني على عدم إزعاج الحاضرين في حال رفعتُ سدّادة قنينة العفن المتمثلة بالموما إليه !

**

 إنّ وضع السرج على التيس لا يجعل منه فرساً أصيلا .. ووضع الريش الملوّن على ظهر قنفذ قميء لن يجعل منه طاووسا ... فسحلية الجربوع قد تتوهّم نفسها تمساحاً حين تنظر الى نفسها في مرآة محدّبة ـ لكنها تبقى سحلية جربوعا، أمّا البلبل فيبقى بلبلاً حتى وهو داخل القفص، والصقر لن تضيره شتيمة أرنب في جحره :

كم سبَّ صقراً في ذراهُ أرينبٌ

فسما وما جاز الجحورَ أرينبُ

*

 حدث ذات مهرجان أن كنت والصديق الشاعر قاسم والي وناقد كبير وآخرون، متحلقين ليلا حول طاولة نحتسي الشاي في حديقة فندق، فغادر المكان شخص وذهب الى داخل الفندق ليعود بعد دقائق حاملا رزمة ورق صقيل ـ يبدو أنه استنسخها بواسطة جهاز استنساخ الفندق أو أنها كانت في غرفته، فأخذ يكتب اسم كلٍّ من الجالسين على واحدة منها، فابتدأ بي ومن ثم بالأخ الشاعر قاسم وبقية الجالسين، طالبا أن يلتقط مع كلٍّ منا صورة تذكارية يظهر فيها وهو يسلّمنا شهادة تقدير اعترافا منه بكوننا شعراء !

 ما أعرفه عن شهادات التكريم والتقدير أنها لا تمنح في جلسة شاي عابرة قبل انتصاف الليل ..لا تُمنح بمزاج شخص يسأل المكرّمَ ما اسمه

شهادات التكريم والتقدير تمنحها إداراتُ منتدياتٍ أوشخصيات لها منجزها الإبداعي أو الأكاديمي ولها مستشاروها المختصون ... هذا الإستسهال في منحها يُفقد الشهادة قيمتها المعنوية ويجعل منها مجرّد أوراق ملوّنة قد تنفع في إخفاء ثقب في جدار أو تشوّه في حائط غرفة ..

 لا أزعم أنني لم أنزعج مما حدث، فقد انزعجت سويعة أو بعضها، لكن هذا الإنزعاج أضحى انتشاءً عذباً وخدراً روحيا لذيذا حين هاتفني رئيس الإتحاد الدولي للأدب الأخ والصديق الفنان الشاعر إياد البلداوي مستهجناً فعله الخبيث واعتزام الإتحاد اتخاذ إجراء بحقه لاستغفاله هيأة المهرجان التي سبق وحددت أسماء مَنْ يُقدّمون الأوسمة وشهادات التكريم واسمَ مَنْ يُقلّدني الوشاح ..  

وفق هذه المعايير تشرّفت بشهادة التقدير ووسام الثقافة اللذين منحني إياهما  الإتحاد الدولي للأدب ـ تماما كتشرّفي بشهادات التقدير التي منحتني إياها إدارة مهرجان المربد والإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين ورئاسة جامعة المثنى وكليات التربية والآداب في العديد من الجامعات العراقية والعربية .. ما يُحدد القيمة المعنوية لشهادات التقدير والتكريم هو قيمة مؤسسها ومانحيها وما يرمز إليه اسمها، وليس منصب مُقدّمها في حفلات التسليم، وبقدر تعلّق الأمر بي فإن شهادة تقدير وتكريم يقوم بتسليمها لي عاملٌ ينوب عن مجلس بلدية السماوة، أعزّ عندي من شهادة تقدير وتكريم يقدّمها لي رئيس دولة ما نيابة عن البيت الأبيض في واشنطن !

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم