صحيفة المثقف

السُّنْبُلَة الفارغة والسُّنْبُلَة الممتلئة..

نتساءل دوما ما هي الصفات التي يجب أن توجد في الفرد لكي يكون ناجحا في حياته، ومقبولا عند الآخرين؟ بل محبوبا ومحترما في المجتمع؟، يعرف كيف يكسبُ غيره ، يؤثر ولا يتأثر ، هي عادات بسيطة ومهذبة لو تمسك بها الفرد وكانت منهاجا يعمل به في حياته اليومية، مع أسرته ومع جيرانه ومع الناس، ومع زملاء العمل، وحتى البعيدين عنه في تواصله اليومي معهم، وينبذ المظاهر المتقلبة التي لا تستقر على حال، هي سمات عديدة يلتزم بها الإنسان ويجعلها الشمعة التي تضيء دربه، ليصل إلى ما يبتغيه..، هو ( الصدق والأمانة، الحلم والعفو عند المقدرة، التواضع، ثم التواضع باعتباره قيمة جمالية يفتقدها الكثير من الناس، وغيرها من القيم)، وربما يطرح قائل السؤال التالي: أين توجد هذه المفاهيم التي فقدها المجتمع؟ إنها ببساطة  تقع في عالم القيم التي يطلق عنها عنوان :"الفضيلة"، لسنا هنا بصدد الحديث عن جمهورية أفلاطون، أو كتب المنفلوطي، والرافعي،  أو "جزيرة البنائين" التي تكلم عنها الرّحالة ابن بطوطة، بل عن قيمة أخلاقية توجد في الإنسان ، لو نقّب بين جانبيه لعثر عليها، ولكنه لا يشعر بها، لأن الحياة المادية أعمت عينيه عن رؤية الحقيقة، وصمّت آذانه عن سماعها، وحبست أنفاسه عن تحسسها.

قد يختلف الإنسان الفقير عن الغني، في مسكنه ومأكله وملبسه، لكن قد يكون الفقير أفضل من الغني بإنسانيته، وهي الميزة التي يفتقدها الغني، الذي جعل من المال صنما يعبده، وكان هذا الأخير الذي أوصله إلى المكانة التي هو عليها، والمال وحده كان سببا في احترامه وتمجيده، وهكذا ينشأ الصراع بين الفقير والغني، وبين المتعلم والأميّ ، وبين المثقف والجاهل، وكلاهما يشبهان “السنبلة” ، فهناك السنبلة الفارغة ، والسنبلة الممتلئة بالقمح، وهذه هي التي تخفض رأسها، من هنا نعرف معني التواضع، أما السنبلة الفارغة فقد أحاطت بها السخافة ، فرأت نفسها هي الأعلى، لأن رأسها مرفوع إلى السماء، تعلقت بالمفاهيم الخاطئة، والمبادئ المزيفة، وظنت أنها هي "الرّبُّ" في الأرض، حرضت على إزاحة الآخر، وساهمت في تدميره معنويا وماديا..،  يقول الخبراء في علم الأخلاق، أن المحرض على القتل هو مسؤول مثل القاتل، والمجرم الحقيقي هو من حرّض الآخر على ارتكاب الجريمة، هو الكذاب الذي يكذب في اليوم ألف كذبة، إلى أن يصدقها هو، ويجعلها ميثاقا في حياته.

إن المرأة مثل السنبلة الممتلئة  بالقمح، وحدها تجعل الحياة جنة في معاملاتها اليومية مع زوجها أو أسرتها أو مع الناس، وتحول حبة الليمون إلى عصير حلو،  وبسلوكها تعطي للآخر معنى الإنسانية ،  أتخيل المرأة مثل السنبلة الممتلئة بالحب ، وكما يقول  مصطفى صادق الرافعي هي الحياة لا المال، وهي الحياة لا المطامع، هي الحياة التي لا تتسع لأكثر من قضاء الواجبات، ومن ثمة فكل فضيلة هي من السعادة ، وكل رذيلة هي من ضدها، وماعدا ذلك فهي مثل الذي يزحزح الحجر  الذي هي أساس بنائه، فتهلك نفسها وتفقد سعادتها وتضيع إنسانيتها، وكما قال  الشيخ  الطنطاوي:"تعلمنا في المدرسة  أن السنبلة الفارغة ترفع رأسها في الحقل، وأن الممتلئة بالقمح تخفضه، فلا يتواضع إلا كبيرٌ، ولا يتكبر إلا حقيرٌ"...

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم