صحيفة المثقف

غياب المدقّق اللغوي لدى العرب، إلى متى؟

من خصائص الإصدارات العربية إجمالًا، إذا ما قورنت بإصدارات بلغات أخرى، كثرة الأخطاء اللغوية وذلك لغياب المدقّق اللغوي لدى دور النشر من جهة، وعدم تمكّن الكثيرين من المؤلّفين العرب من قواعد العربية الأساسية بشكل كاف، من جهة ثانية. كما ويلاحظ  شيوع مثل تلك الأخطاء في كتب فحصها مدقّق لغوي، وهذا أمر خطير بشكل خاصّ. من خلال مطالعاتي المستمرّة منذ زمن طويل، تكدّست في حاسوبي، قوائم طويلة لمثل هذه الأخطاء اللغوية، وقد يدلّ هذا أيضا على المكانة المتردية للكتاب في المجتمع العربي، وندرة القرّاء النجباء والنقّاد الأكفاء، فمن المعروف أنّ أمّة إقرأ لا تقرأ وإن قرأت فبالأذنين. وضع اللغة العربية المعيارية في المواقع الإلكترونية، يثير الهمّ والغمّ لدى الغيورين على هويّتهم  وعزّتهم، والأخطاء تسرح وتمرح بدون أيّ حسيب أو رقيب كما يقال. في هذا الزمن الرديء، لم يبق للعربي إلا لغته، وها هي في وضع لا يُحسد عليه.

في الآونة الأخيرة وقعت بين يدي بضعة كتب وقرأتها وهي: جان سوبلان، لاسكاريس العرب، ترجمها فريد جحا. دمشق: طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط. ١، ١٩٨٧، ٤٣٥ص. الأصل الفرنسي: Jean Soublin, Lascaris D’Arabe, باريس ١٩٨٣. وقعت بعض الهفوات والأغلاط مثل: ”مرافقتم“ بدلا من ”مرافقتهم“؛ فليس هناك، من أشجار الصفصاف التي تحازي العاصي (ص. ٨٠)؛ وقدمتْ ليّ خدمات جلّى (ص.٩٤-٩٥)؛ واستمرتْ المبارزةُ (ص. ٢١١)؛ فنحن اللذين يتلاعب بنا عملاء محدودون من عواصم غامضة (ص. ٢١٢)؛ ليقدم لنا الشايّ الأصفر (ص. ٢١٣)؛ في هذه الأشهر الأربع الأخيرات (ص. ٢٤٥)؛ وكان هؤلاء السعوديين الأشداء (ص. ٢٦١)؛ لا يزالون المؤمنون الحقيقيون (ص. ٢٦٦)؛ حملتْ النسمةُ صوتَه (ص. ٢٩٥)؛ يرتدي بذة جمراء (ص. ٤٠١)؛ وكانت ثلاثة من السفن (ص. ٤٠٤). أضف إلى ذلك وضع تنوين الفتح فوق الألف بدلا من وضعه على الحرف السابق في مثل: أخيراً (ص. ٣١). وهناك في الترجمة بعض الاستعمالات العامية مثل: رؤية إنسان ما يخوزق على أيدي العثمانيين (ص. ٧٩)؛ حكواتية قرية صدد (ص.٩١).

نهال عبد الرحيم عقل، عرعرة - جذور وأغصان، حكايا وتراث. عرعرة: دار الأماني للطباعة والنشر، ط. ١ آذار ١٩٩٩، ١٥٤ص. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب من إعداد الطالبة نهال عندما كانت آنذاك في الصف التاسع، وفيه جهد مشكور من حيث المضمون، إلا أنّ هناك أخطاء لغوية كثيرة، كما أظهرت في مكان آخر، يمكن الاطّلاع عليه على الشابكة (كتاب عن عرعرة).

سعيد نفّاع، وطني يكشف عُرْيِي (روانصّية). عرعرة: دار الأماني للنشر والتوزيع م. ض.، ط. ١، آذار ٢٠١٦، ١٦٥ ص. للكاتب نفّاع عدّة مؤلفات مثل: المسيرة، تجربة خمس سنوات في المجلس البلدي، عام ١٩٩٣؛ نكبة الدوريّ، قصص، عام ٢٠٠٠؛ الحائل، قصص عام ٢٠٠٦؛ العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية حتى الـ ٤٨، ط. ١، عام ٢٠٠٩، ط. ٤، القدس ٢٠١١؛ وله أيضا: لفظ اللجام؛ رسالة مؤجلة من عالم آخر؛ سيمائية البوعزيزي؛ بين يهوديتهم وطائفيتنا وتحديات البقاء.

قرأت الروانصية، ”وطني يكشف عُرْيي“ وتمتّعت في قراءة معظمها، إلا أنّني لست هنا بصدد المضمون بل ما شاب هذا العمل الأدبي من هفوات بل أخطاء لغوية مثل:

وكثيرة لقاءتهما، ص. ٣١.

وغالبية الناس وأكثر المعلّمون والطلاب، ٣١.

فالتخرج والوظيفة كانوا همه الأول والأخير، ٣٢.

ضف إلى ذلك أنهما، ٤٧.

منحته فيها ليال من ليالي زمان، ٥٦.

دون عناء شدّة البرودة والمكر الذين فيه، ٧٣.

اللهم إلا المصاب بالعظمة الذين يعتقد أن الله لم يخلق مثله. ٧٥.

 انه فعلا هناك امرا بيولوجيا فيهن. ٧٥.

يبدو أن هنالك فارقا كبير في ، ٧٦.

كل ذلك وكل ما تبغين هو امرا واحدا، ٨١.

في يدك ان تنفي كل ما قلت وانت تعرفي انني اصدقك! ٨١.

لكن كبرياءه على ما يبدو منعه من تنفيذ القرار، ٩٠.

إذ قررواّ أن لا يغفروا لك، ١٠٨.

وردوا حاملينك ليس مثلما يُحمل الشباب، ١٠٨.

… وظلّ يتنظر التّتمّة وطال انتظاره، ١٢٣.

ليعطيَ حبّه معانيا أخرى، ١٢٥.

ولكنه سهما مغموسا بشيء آخر، ١٢٦.

والهرج والمرج سيّد الموقف، ١٣٥.

خيانة الأوطان هي فيترك الأوطان فرائس…! ١٥٢

لقمة فريسة لبهيميتا ولتخلفنا! ١٥٦.

لِمَ حسبَ رأيك أوجدتْ اليهودية الغفران والمسيحية الاعتراف والإسلام التوبة؟! ١٦٠.

ومن السمات اللغوية في هذه الروانصّية، يمكن الإشارة إلى إضافة ال التعريف إلى الفعل الماضي أو الفعل المضارع أو الظرف أو الضمير المنفصل بمعنى الذي/التي في مثل: كانا يقضيان هذا الليلَ ”الفجّر“ أعصابه، ٥١؛ في حضرة جسده الكان ما زال ساخنا بين يديّ، ٦٤؛ رفع راشد نظره ”الكان“ منغرسا في شيء ما على الطاولة، ٨٤؛ ولا أعرف إن كنت تقرأ رسائلي ”التُولَدُ“ قاتلة وتموت قتيلة، ١٠٤، الأنا الأولى: ١٤٠؛ إن فضضت بكارتها البعد لم تنمُ، ١٥٧. لاحظ وضع هذا الاستعمال غير المألوف تارة بين مزدوجين وطورا بدونهما. هذا الاستعمال الجديد نسبيًا في العربية المعيارية بحاجة لمقال منفرد. وهذه الألف لام قد أضيفت في مثل: الغيرك، ص. ١١٠، ونجد أمّا قبل (على منوال: أمّا بعد)، ص. ٣؛ وأشوكها، ص. ١٠، إلاهما ص. ١٩؛ ”أينهما“ ص. ١٣٥ ويعْرَضّ - بدأ العامود يَعْرَضّ ليغدو كومة، ص. ١٣٥.

وأخيرا ننوّه بأن أسلوب الكاتب نفّاع مطعّم باستعمالات وبأمثال عامية مثل: ”ياما“ جلس ناظرا إلى القرية، ٢٢؛ العين ما تلاطم مخرز، ص. ٣١؛ الحيط الحيط ويا ربّ السترة، ص. ٣١، ١٤٧؛ مع دفشة، ٣٢؛ بنت الحرام ما فاكّة عنّي … ٣٣؛ … شو طال ذانُه لذِيلُه … ٣٣؛ كل ما “دحشوه في رأسه”، ٣٣، ٥٩؛ ”قُصر ذيل يا أزعر“، ٣٤؛ ”طق حنك“، ٤٩؛ ”ليوم الله بعين الله“، ٥٣؛ -لا … لقوّي تشدّ إيدك …، ١٢٣؛ لم  ”تأت العتمة على قد يد الحرامي“، ١٣١؛ واحكي على القَدُومِة … عايف الدنيا واللي (….)! ١٤٥؛ وتركتك على فيالك، ١٤٥؛ حط حطاطه“ عليه، ١٤٦؛ علاقاتهم بالإدارة ”لَحْوَسِة“…، ١٤٧؛ -لا لكن ولا شماكن…، ١٤٧؛ مش عندما تصير ببلاش، ١٤٨؛ شو … حزّيرة؟! ١٥٣.

ما يقوله الإنسان هامّ، ومستوى كيفية قوله وسلامته يزيده أهمية!

 

ب. حسيب شحادة - جامعة هلسنكي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم