صحيفة المثقف

الشخصية العراقية القوية في التاريخ... هل تصحى من جديد؟

يتميز تاريخ العراق بكونه يمثل حجر الاساس في تاريخ البشرية، والسومريون هم أهل البلاد الأصليين، وهم الذين أبتدعوا نظاماً للكتابة وعلموها الناس. وتميز عصرهم بظهور المدن صاحبة المراكز السياسية والدينية والاقتصادية، ومنذ الألف الثالث قبل الميلاد أصبح بأمكان الباحثين ان يتكلمواعن دولة المدينة العراقية الموحدة بقيادة لوكالزا كيزي(2355 ق.م) وهو صاحب دولة تمثل القطر الواحد الموحد، فالوحدة العراقية ليست جديدة حتى تتحكم فيها الاقليات بحجة تقرير المصير بدستور ناقص مخترق....؟.

لكن تحديدها التاريخي الموغل في القدم لا يعني بداية عصر السومرين، بل سبقتهم عصور اخرى منذ فجر السلالات الاولى (3000ق.م) ومنذ ظهور الكتابة عندهم وتطورها على عهد من جاء من بعدهم من العراقيين، اي ان مدن العراق الجنوبية كانت بداية الحضارات التي نسمع عنها اليوم، والكتابة هي عنوان كل تطور حضاري على الارض، وهم أصحابها.

لقد أمتازت الشخصية العراقية القديمة بالأستقلال الذاتي في قراراتها المركزية فلم تستشر غريبا او بعيدا في مصير الدولة والشعب رغم وجود الاتجاه الملكي لديها الراغب بالعلاقات الخارجية.فكانت قراراتها عراقية صرفة دون أستشارة الاخرين، لا بل كانت تأنف عن مثل هذه الاستشارات (أنظر طه باقر، المقدمة في تاريخ الحضارات)، لا كما نراها اليوم تهرول خلف الأخرين من زعانف الزمن . لقد ركزت في أهتماماتها على القرار المركز في السياسة والاقتصاد، فكان أهتمامها بالشعب حين أهتمت بمشاريع الري الكبرى والزراعة والتجارة عنصري الحياة الاقتصادية آنذاك ..كما في أصلاحات أوركاجينا الشهيرة (كما في آثار المتحف اليوم)، وكانت بلاد عيلام الفارسية خاضعة له وحتى وفاة أبنه نرام سن سنة (2333 ق.م). فهل يعقل نحن اليوم نطلب منهم الأستشارة.

وفي عهد البابليين كانت الدولة في قمة التطور الاقتصادي والسياسي والقانوني (قانون حمورابي) 1793-1750 ق.م). ففي عهده توحدت البلاد مركزيا بعد ان قُهرَ العيلاميين الطامعين بالعراق منذ فجر التاريخ. وقد حقق حمورابي تحديد سلطة الكهنة من رجال الدين، فدولته مدنية قانونية لا دينية، بعد الذي رأى فيهم خطرا على مستقبل الدولة السياسي حين قال :"الدولة لا تقوم على الكهنة"، فعمل على تكوين دولةعلمانية لادينية بعد ان ألغى منصب الآنسي (المرجع الديني الأعلى) وحرم الفتوى الدينية وجعل القانون المدني بديلا عنها، فأين نحن اليوم من ذلك الزمن البعيد .. ؟.

وفي العهد الآشوري أستمر الحال بقيادة ملكها الشجاع آشور بانيبال من تدمير العيلاميين الطامعين بالعراق وتخريبه لصالحهم، وحتى مجيىء نبو خذ نصر الاول بحملته المشهورة على عيلام وتدميرها حتى لاتكون مصدر ازعاج وقلق للدولة العراقية آنذاك .لقد كان هدف العيلاميين هو تخريب الوطن العراقي وقتل شخصياته الوطنية المخلصة حتى لا يبقوا له من بقية وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم في العراق بعدالتغييرفي 2003 ومجيء الحكام الضعفاء التابعين، وهذا ليس قياساً أن يبقى العراق هكذا، وستعود الشخصية العراقية المخلصة لقيادة الوطن بعد زوال الغرباء والقوانين الجائرة المخربة والمحاصصة المقيتة التي فرضوها على المجتمع وتعديل الدستور وبوادرها تظهر في الأفق (وعي الشعب على الاصلاح)، ومحاسبة كل من خان وغدر.وألا من قتل علمائنا وضباطنا وطيارينا وغيرهم ولا زالوا يُقتلون.

ومن يطلع على تاريخ العراق القديم والوسيط والحديث يرى ان حضارة العراق وثرواته الكبيرة مثيرة لطمع الطامعين بها وخاصة في فترات الفوضى والفساد كما هو اليوم.ومع ذلك كانت الشخصية العراقية أصلب عوداً من المحتلين المعتدين والطامعين، فقاومت كل أعتداء ولم ترضخ لحكم محتل أو دخيل أو عميل .وها هي اليوم تعود لترفض الخطأ، لأن الشخصية الوطنية لا تتغير عبر الزمن.

يقول (ول ديورانت) صاحب الموسوعة الحضارية العالمية (قصة الحضارة)، ان نشأة المجتمع العراقي كانت وثيقةً بالبيئة الجغرافية من جهة، وبقوة الشخصية العراقية من جهة أخرى، والذي جرت على ارضه أروع القصص البشرية أبتداءً بأختراع الكتابة ومرورا بالقوانين وأستمرارا بالمشاريع العمرانية الضخمة التي مكنته من ان يحتل المكانة الاولى بين الامم منذ فجر التاريخ حتى ان اسم (العراق) جاء مشتقاً من الجبل لقوته وثباته على الارض.

لا احد يشك ان العراق بلداً غنيا في موارده الطبيعية، وما كان هذا الغنى عبر التاريخ الا بتوافر الشخصية العراقية الكفوءة المتمكنة من تحقيق الرفاه والامن الوطني لبلادها، والتي أستطاعت ان تغالب الدهر وتقهره لصالحها، وان تبقى على مر العصور رغم ما أصابها من ركود وغزو وهجمات من معتدين حاولوا أستغلالها وأستغلال مواردها وشعبها، ولم يكن هذا الامر ليتحقق لولا قوة الشخصية العراقية المؤمنة بالوطن ايمانا لا تزحزحه الظروف والمصالح الشخصية ابداً، لذا نحن مؤمنون ان الوطن سينتصر على الظلمة والفاسدين.

وفي عهد الخلافة الراشدة لعب العراق دورا مركزيا في الفتوح واستقرار الدولة حتى قال عمربن الخطاب (رض) يوم فُتح العراق : "اليوم نمتُ مطمئنا بعد ان اصبحت رجالات العراق معنا". وهذا الدافع هو الذي أقنع الامام علي (ع) بنقل مقر الخلافة من المدينة الى الكوفة لأعتماده عليهم، واصبحت الكوفة عاصمة الراشدين. ومنها أراد الامام (ع) ان ينطلق لبناء دولة العدالة والقانون، لكن الظروف السياسية ومؤامرات الطامعين افسدت توجهاته السديدة..

وفي العهد الاموي اذاق العراق الامويين مرَ العذاب وجرعهم السُم َرغم كل قياداتهم الباطشة امثال الحجاج بن يوسف الثقفي وغيره من الموالين للبيت الاموي – بعد ان فقدت العدالة- حتى جعلهم هباءً منثورا، حتى قال الحجاج فيهم : "والله ماكنت اقبل بحكم العراقيين لو ملكوني الدنيا كلها..لو كنت أدري-..لكن الذي حدث حدث "؟.

وبمجيء العباسيين للسلطة عام (132 للهجرة ) أختيرت الهاشمية (الحلة الحالية) عاصمة للدولة حتى اختار ابو جعفر المنصور بغداد وبناها عام (145-149 للهجرة)، لتكون عاصمة لدولة الأسلام، واوصى ابنه المهدي يقول له في بغداد :"لا يصلح السلطان الا بالتقوى، ولا تعمر البلاد بغير العدل، فانظر مدينتك بغدا وأحتفظ بها فهي مالُك عزُك..؟ يابني لا يصلح السلطان الا بالتقوى، ولا تعمر لبلاد بغير العدل، واحتفظ بأموالها فكن عزيزا ما دام بيت مالك عامراً (الطبري ت310للهجرة) .:

".ان هذا الشموخ الحضاري للعراق لم يأتِ من فراغ ابدا، واليوم زعماؤنا لا هم لهم الا التنقل والارتحال الى طلب العون من الاخرين بمذلة السائلين ليستمدوا العون منهم والاستشارة في تشكيل الوزارة حتى وصل بهم الحال الخضوع لجملة من الحفاة المتوحشين أصحاب الشروط المجحفة بحقهم وبحق الوطن ينتظرون منهم الرأي والمشورة، أنها مأساة تعادل ماساة التدمير، لكن لاعتب عليهم لان الغالبية منهم غرباء عن الوطن، يعملون كيفما يوحى لهم من اسيادهم الاخرين ...انهم ليسوا عراقيين .:

.ونقول لمن بيدهم الامور اليوم : يجب ان لا يلتفتوا الى أراء المتعصبين وأرباب الأفكار القديمة ورجال الدين وشيوخ العشائر، لانهم جبلوا على تفكير يرجعهم الى عصور خوت أمتازت بالتحكم بالأخرين، ولتكن القوة والسلطة والمال بيد الحكومة ورجالها الاقوياء أصحاب الشخصيات المستقلة، سيكون بو سعها تطبيق القانون والنظام على الجميع لترغم الجميع على أتباع ما تمليه عليهم.شرط تحقيق عدالة الجميع والعكس صحيح، فبدون العدل لا تستقيم الامور.

ونعود لدولة المرافقين فنقول :.

شُكلت الدولة بعد التغيير في 2003 تشكيلاً أعتباطياً وجيء بالذين لا يملكون دراية الحكم والسلطة ليحكموا الوطن قصدا في التدمير، وأستبعد المخلصون، فمنهم من سرق ونهب وهرب- هي فرصتهم التي لا تعوض- غالبية اعضاء مجلس الحكم مثالاً، ومنهم من حرق ودمر بمساعدة الحاقدين من جيران العراق الشرقيين الطامعين في الوطن .

وهكذا حصل لمؤسسات الدولة ودور الثقافة ومراكز البحوث والوثائق التي بيعت للأعداء المجاورين وتدمير المتحف الوطني لكي لا يبقوا لنا تاريخ، ومن بقي، بقى حائرا لايدري اين يتجه فتلاقفته الايدي الخبيثة لتدميره وتدمير الوطن، فأتخذوا من عواصم الجوار مقرا لنقل اموال الناس وبناء مؤسسات المستقبل لهم هناك، ( انظر تقاريرمؤسسة وليكيس) ومنهم من باع الارض والمياه والحدود والنفط للمجاورين وقبض الثمن، ما داموا بلا حسيب ولا رقيب، ومنهم من ظل يعبث دون رادع من ضمير وكأننا نعيش في دولة الآفشين على عهد العباسيين؟. وهم اليوم حيارى أوقل سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.ولن تكون النهاية في الظالمين الا كما قال القرآن الكريم :( وثموداً فما أبقى).

يمر العراق اليوم بمرحلة ما مرت به الدولتان الاموية والعباسية في اواخر عمريهما ,فدولة بني أمية قامت على عصبية جند الشام، ومن شاء الالتحاق معهم، وحكمهم يقوم على رجالهم ومصالحهم دون النظر الى صالح الأمة أو أحترام القانون أو دماء الناس واموالهم .لذا فقدت الدولة الشرعية الدينية والقانونية فأصبحت تواجه مشكلة لا تعرف لها حلاً، ولم تواجهها دولة من قبل، وهي حاجتها الى التعايش مع دستور شرعي لا يعترف بشرعيتها وهنا كانت الاشكالية المميتة لها.

وقامت الدولة العباسية على العباسيين والاتباع وعزلت بقية الامة عن المسار، فأقترفت جرائم كثيرة، وأنتهكت الشرع والحرمات دون أدنى مراعاة لصالح الجماعة ومصالحها.وبذلك فقدت الجانب الشرعي من تكوينها، وحاولت جاهدة ان يكون لها عماد شرعي في الحكم، وعندما فشلت في أقناع الامام موسى بن جعفر (ع) بمنحها الشرعية الدينية على عهد هارون الرشيد، رافضا كل أغراءات المال والجاه والسلطان عمدت الى قتله .

اما معتمدوا مرجعيات الدين فقد شرعنوا الاحتلال والدستور الناقص من فقهه الدستوري .، فالتجأت الى ألتماس الشرعية من الادعاء المزيف بأنها تنتسب الى الشجرة النبوية لتعطيها هذه الشرعية، لكنهم نسوا ان أهل البيت (ع) كانوا يحكمون بالقرآن، ودستور المدينة، وهم يحكمون اليوم بنظرية ظل الله في الارض والطاعة العمياء، بنظرية آخذناها وبعد ما ننطيها) ... فهو حكم دكتاتوري صرف لا يعترف بالشعب وحقوقه وان التمسوا الديمقراطية وحرية الكلام بعد ان نزعوا ضمائرهم من شرعي الدولة والدين).

ونتيجة لهذا التوجه السياسي الخاطىء في حكم الدولة، كانت قوة الدولة تعتمد على رجالها ومؤيديهم وعصبيتتهم دون ان تحرص تلك الدول على ربط مصيرها بالأمة والسماح لها بالمشاركة في الحكم او الحصول على أي نصيب فيه كما هم اليوم مع المليشبات الأيرانية الخارجة على القانون، وحتى الوزراء والولاة الذين كانت الدولة تعتمد عليهم يعتبرون من موالي البيت الحاكم وملك يمينه، ولولي الآمر عليهم حق الحياة والموت دون مسائلة، وهاهم السادة اليوم يرون انفسهم فوق الناس (قدس الله سرهم )، واليوم تعود الاحداث التاريخية مرة اخرى في زمن اللا شرعية في حكم الدولة باسم الدين والمرجعيات التي لا يخولها الله حق الفتوى على الناس، لأن الشرعية تاتي من الشعب لا من تزوير صوته في الانتخابات الشكلية ..

ألم يمر العراق بعد الأنقلاب في سنة 58 19بهذا الدور حين فقدت الشرعية وحلت الفردية حتى تقاسمتها الاحزاب وظل عبد الكريم قاسم الوطني حائرا لا يلوي على امر . وبعد 63 الأغبرجاء البعث المجرم وجاءت الدكتاتورية العمياء والظلم والارتجال في حكم الدولة، وبعد2003 جاء القائد الضرورة المتخلف، الملفوف بالألغاز المحيرة، طالقا يد ولده في العبث باموال الناس وسامحا لكل من يريد العبث ان يعبث..لكن في الصلاة يقف وراؤه الف معمم ينادي الله اكبر..؟

هكذا وصل الوطن الى هذا الذي حل به اليوم، حتى اصبح الوطن مهياْ للتدمير الكلي الشامل.لكن ومع كل هذا الذي جرى ويجري لم يجرأ احد منهم ان يضعف المخلصين، ويجعلهم ينحنوا أمام الاخرين مثلهم ..فالتجئوا للأعتقالات والقتل والتدمير (الشحماني الغيور مثالاً) . انها جريمة وطنية نفذت بقصد يستحق منفذيها ومن ساهم معهم من الأخرين فيها بمسائلة التاريخ .

لذا فالدولة العراقية الجديدة بعد 2003 لم تقم على مؤسسات بل قامت على أفراد ارتبطوا بالأجنبي، فأنقطعت صلة الجماعة بالأمة وجمهور الناس، والا كيف تفسر هذا التصرفات اللاقانونية يوميا بح

الوطن والمواطنين، المنافذ الحدودية مثالاً، وكيق تفسر هذه التفجيرات القاتلة والحرائق المتعمدة في مؤسسات الدولة دون تحقيق(تفجيرات الكرادة مثالاً)، وتسليم ثلث العراق لداعش الاجرام (احتلال الموصل والانبار مثالاً)، وهذه الرواتب العالية والجرايات الباهضة للمسئولين والدولة لاهية بلا أهتمام، وكيف تفسر كل هذه الاموال التي تسرق يوميا دون مبالاة (انفراد مجلس الامة باموال الدولة مثالاً) . لولا هذا التوجه الخاطىء المقصود المطبق اليوم ما افلست الدولة وجعلت من الاقتراض الخارجي رغم مضاره المستقبلية بديلا لثروة الوطن..

من هنا نرى ان الجفاف يسرع الى مؤسسات الدولة، والخصام يحتدم فيها، والنزاعات تقوى عليها،  ولا أمل في الاصلاح حتى اصبحنا كالشجرة التي ماتت وجفت عروقها ولا بديل لها الا ( بنظرية شلع قلع). ولا ندري ماذا سيحل بالناس غدا من جراء هذا الظلم الكبير الذي يمارس على المواطن بطالة وقتلا وتشريدا وضياعا للحقوق. فهل لنا من سابقة فقهية او شرعية او قانونية تجيز الخروج على الأمة اليوم؟ لا ابدا...؟

المرجعيات نائمة تنتظر المهدي المنتظر ؟

نقول للعبادي كفاية انتظار:

نحن بحاجة الى دستور جديد يؤمن بوحدة العراقيين .. وقانون جديد للانتخابات يؤمن بالعدل بين المواطنين ويستبعد المحاصصة والمرتبات والامتيازات الباهضة، والايفادات الباطلة، والسفارات بلا لون ولاطعم ولا رائحة يحشرفيها المقربون وكذابين الزفة من الجهلة واللاممبالين ( مقابلة حسن العلوي مثالا) ...ويمنع غير الاكفاء من دخول البرلمان (نصفه بلا شهادات على حد قول النائب هيثم الجبوري، ومحاكمة كل من خان وسرق الى محاكم التاريخ .وبمنهج دراسي جديد يستبعد المنهج القديم الذي بنوه على التفرقة والاحادية وعاظ السلاطين ..وبوضع صحي يهتم بصحة المواطنين (لا دولة بلا مستشفيات) واذا مرض واحدا منهم فمستشفيات لندن وواشنطن هي البديل، بعد ان استشرت الامراض بين النازحين والمواطنين.

وأخيرا وليسن اخرا

هل سيقدم السيد العبادي على تنفيذ ما وعد به الشعب العراقي امام الادارة الامريكية ام ستكون وعوده هواء في شبك؟ .فلننتظر اما سيكون العبادي بطلاً، او عليه مغادرة كرسي الرئاسة غير مأسوف عليه.

نعم ان خير الدروب ما ادى بسالكه الى حيث يقصد...

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم