صحيفة المثقف

الثقافة الانتقامية في الانتخابات التونسية: تصحيحا للمسار أم تتبعا للتيار؟

majed qarawiكشفت الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس عقب الحراك الاجتماعي التونسي على جملة من النتائج  .ووقفا على هذه النتائج  بالتحليل والمكاشفة نتبيّن جملة من الدلالات السوسيولوجية .أهمّها الثقافة الانتقامية التي توّجه الناخب التونسي.والناخب عموما ليس بالمفصول عن النسق الاجتماعي بل هو في علاقة تأثير وتأثّر معه ،ذلك أنّه منخرط في شبكة من العلاقات الاجتماعية  كما أن الناخب توجهه جملة من الرهانات والحسابات التي تجعله يختار الطرف الذي يحقق مطالبه بالدرجة لا إيمانا منه بمقتضيات الانتقال الديمقراطي والأطراف السياسية المؤهلة لإنجاحه.

أوّلا:ما قبل انتخابات أكتوبر 2011:ظهور الشخصية الثورية:

بعد نهاية الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية وهروب الرئيس السابق  بأيام تعالت الأصوات الثورية التي تحاول تبيان تاريخها النضالي ووقوفها في وجه الاستبداد وتنامت موجات الانتقاد للنظام السابق سواء في الحقل الثقافي أو الحقل الإعلامي أو الحقل السياسي ودخلت الأحزاب في جملة من الصراعات محاولة فرض تصوراتها وإبراز انجازاتها .وفي المقابل تنامت المطلبية التي جسدتها حركات اجتماعية مختلفة .هذه الحركات لايتمّ فهمها إلا بربطها بالمناخ الاجتماعي الذي يسوده تأزم الأوضاع. فئات مهمشة وفاقدة للأمل .وقد حاولت الاستفادة من هامش الحرية الذي وفره الحراك الاجتماعي التونسي للتعبير عن مطالبها.وفي ذهن هؤلاء أن تكثيف المطالب إستراتيجية ناجعة لتحقيق حاجياتهم التي عجزت الدولة في فترة ما قبل الحراك عن تحقيقها.وفي حساباتهم معادلة أخرى تتمثل في الانتقام من النظام السابق ورموزه لأنه عجز طيلة عقود عن تحقيق مطالبهم تزامنا مع ترّسخ فكرة الدولة الراعية في أذهان الفاعلين المهمّشين .

ثانيا: انتخاب النهضة في الانتخابات التشريعية:انتقام ذو التباسات اجتماعية:

أشرنا فيما سبق أنّ الناخب التونسي له جملة من الاستراتيجيات والأهداف وأمام يأسه من النظام السابق وأتباعه انتخب الشق المعارض لنظام بن علي إيمانا منهم بأن مطالبهم التي عجز نظام بن علي عن تحقيقها سيحققها دون شك الطرف المعارض له لذلك قام الناخبون بالتصويت للنهضة والترويكا عموما .لكن الأمر لم يكن على الشاكلة نفسها بالنسبة لجميع الناخبين فالعديد منهم تأثر بشبكة العلاقات الاجتماعية  سواء في الفضاءات التواصلية أو في المحيط الاجتماعي العام لاسيما وأن هذه الشبكة ركزت اهتمامها على مآخذ النظام السابق مبرزة ما خلّفته السياسات السابقة من تأزم للأوضاع الاجتماعية وبالتالي وجب الانتقام منه وإيجاد بديل له،كما أن الحقل الإعلامي بدوره حاول تجاوز الانتقادات التي وجهت له على أنه ساند النظام وبيض صورته ،عبر تركيزه المطلق على الأحزاب المعارضة واستضافة الشخصيات المسماة ثورية..وأمام هذا كله لم يكن في أذهان الناخبين من خيار سوى انتخاب الترويكا والنهضة على وجه الخصوص كمنقذ لأوضاعهم المأزومة.

غير أن حسابات الناخب التونسي اصطدمت بجملة من المشكلات ومنها ضعف الدولة وعدم قدرتها على حلّ المشاكل الاجتماعية التي يطالب أصحابها بحل آني وجذري وتوازيا مع ذلك  تلاشت المركزية الدينية إذ لم يعد الشأن الديني حكرا على الدولة  التي ظلت تتحكم في دواليبه طيلة عقود وهذا التحول المفاجئ من الرقابة المطلقة للشأن الديني إلى الحرية والانفلات أدى ظهور حركات دينية مختلفة تختلف في المضامين والآراء وتشترك في هدف واضح ألا وهو التغيير ومنها الحركات الجهادية التي اعتبرت التدخل في الشأن الديني حق مشروع خارج عن وصاية الدولة والإملاءات المؤسستية و يستمد مشروعيته من الشريعة الإسلامية ومنهج السلف الصالح بل أنها أخذت تقوم بمهام الدولة في كثير من الأحيان وخاصة في المستوى الأمني معتبرة الدولة مقصرة وعاجزة معارضة لشرع الله ودخلت معها في صراع مستميت  ومتعدد الجوانب سواء على المستوى الفكري النظري أو التحرك الميداني المادي ما أدى إلى تنامي الأعمال الإرهابية والاغتيالات السياسية كمقتل بالعيد والبراهمي .فازدادت الأوضاع الاجتماعية تأزّما بل أن العديد من الفاعلين تحسروا على أيام بن علي واعتبروا حكم بن علي أفضل من الترويكا والإسلام السياسي.ماجعل المعادلة تتغير في انتخابات 2015 التشريعية والرئاسية.

ثالثا :انتخاب نداء تونس كمحاولة انتقامية من فشل الإسلام السياسي:

بعد الفشل الذريع لحكومة الترويكا في شتى المجالات السياسية والأمنية والاجتماعية حاول الناب التونسي الانتقام من حكومة النهضة وحلفائها فكانت الانتخابات التشريعية 2015 خير دليل على ما نقول إذ تراجعت النهضة واندثر حلفاؤها ورغم أن نداء تونس يحسب على النظام السابق إلا أن الناخب لا يتحرك في إطار معادلة الشق الثوري وشق الاستبداد بل يتحرك وفق ما تقتضيه مصلحته وما يمكن أن يربحه وما يخسره من صوته ،والمرأة بدورها معنية بهذه الحسابات إذ انتشرت أراء مضمونها بان الإسلاميون يمثلون خطرا على ما نالته من حقوق وحريات ومساواة مع الرجل لذلك بلغ عدد النساء الذين صوّتوا لنداء تونس حوالي المليون ناخب وفي حسابات المرأة أنّ نداء تونس هو امتداد لأفكار بورقيبة الممثلة في شخص الباجي قايد السبسي وبالتالي اعتبرته الضامن الوحيد للحفاظ على مكتسباتها .وفي المقابل من ذلك وأمام تواصل تنامي المشكلات الاجتماعية واستحالة إيجاد حلول لها في السنوات القادمة حاول نداء تونس تجنب مأزق الحكم المنفرد والفشل المتوقع له على غرار سابقيه فمرر فكرة أن عدم حصوله على الأغلبية فرض عليه الدخول في تحالف مع النهضة لكن خفايا هذا التحالف تكشف خوف نداء تونس من تحمل أعباء فشله في الحكم وبالتالي تقهقر الحزب على اعتباره حديث النشأة.

عموما إن الانتخابات في تونس ليست بالمفصولة عن النسق الاجتماعي العام ولا حسابات الناخبين والمنتخبين هي ببساطة لعبة ورهان وحسابات.ذلك أنّ  المجتمع نتاج لتفاعلات الفاعلين وأنشطتهم بالمعنى الفيبري وبالتالي كل فعل اجتماعي له معاني des sens و مقاصد ودلالات des signification  وغايات لها ما يبرّرها من وجهة نظر صاحبها.

 

ماجد قروي: باحث في علم الاجتماع من تونس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم