صحيفة المثقف

سورية تشرين

mohamad talatإن الموقف الذي تعثرت به مؤسسة تشرين الصحفية العريقة موقفا غير مشرف اتجاه من يقول كلمة حق فيها ولها. وموقفنا العام ومحبتا لسورية وتشرينها لم يكن انطلاقا من شخصنة الأمور كما ادعى بعض الموالين للإدارة الجديدة التي لا نحمل لها أية حساسيات ولا نقضا ولا تصفية حسابات ولا طمعا في ذهب معاوية. كل ما هنالك هي القضية السورية التي لا نريد لها أن تتقزم في هياكل تُقصِي وتُدنِي ما تريد وفقا للهوى.

إن قضية نذير جعفر هي قضيتنا، وليفهم الجميع أن دفاعنا عنه إيمانا بنظافة يده وفكره، ثم قضيته تلخص قضية الشأن السوري ككل الذي بدأ من مثل هذه التصفيات غير الشريفة في اغتيال الرجل معنويا و"تطفيشه"، فالرجال مواقف، وهو يعبر عن قطاع كبير من الشرفاء السوريين الذين لم تُغرِهم "يوروهات" الهجرة وريالات منابر النفط، ولم يطلب لجوءا إلى حظائر الأوغاد. الرجل فقد بيته، وكل ما له، ولم يطلب أجرا، ولم يتسول بوطنيته ولم يبغِ منصبا. وقد عرفته من خلال ما قرأت له، وما شاهدت له من مداخلات حوارية كلها تنم عن سلامة قلبه المتوحد بسوريته فلم يمدح إلا دولته ووطنه.

أي نعم، لم ألتقِ به وجها لوجه إلا عبر رسائل قصيرة وقليلة، وحين عرضت عليه رغبتي في الكتابة ضمن كوكبة الكُتّاب العرب في الصفحة التي يُشرف عليها في تشرين، رحَّب الرجل على الفور – دون سابق معرفة بي- فقط لأنه قرأ لي من قبل، ومن الكتابة لتوحيد القلوب والعقول ولقاء الأرواح. لم أطلب ولم أستفسر ولم أعرف من قبل قصة ثمن الاستكتاب، فلم أتكلم فيها ولا أريدها أصلا، وهكذا علمت من أغلب الكُتاب في صفحة رؤى عربية أنهم يكتبون محبة لسورية متنازلين عن ثمن الاستكتاب لسورية.

إذن اتهامات بعض الموالين للإدارة الجديدة أننا نشن حملة ضدها طمعا في الأموال أو في سَفْرَة، فهذا هراء، وعيب كبير ينقص من قيمة القائل به. ثم عندما لم يجدِ هذا الأمر تم اختراع افتراء جديدا بأننا نتعمد تلويث رئيس التحرير الجديد لصالح القديم، ونحن لم نر القديم ولا نعرف الجديد، وكلاهما أصحاب مقام رفيع أمام أعيننا. ثم فليُثبت الموالون بالدليل أي كلمة تجريح قالها الأستاذ "نذير جعفر" أو مجموعة الكُتاب العرب في حق رئاسة التحرير الجديدة، بالعكس كلامنا كله يتجه نحو الحيادية وموقفنا يصب لصالح الفكرة العامة التي بُنيت عليها صفحة رؤى عربية، مساندة ودعما للموقف السوري اتجاه لصوص النهار.

والعجيب في الأمر، حين فشلت كل أباطيل اتهاماتهم لنا، زحف موالوهم بالتقليل والتنكير باسم وبقامة الأستاذ "نذير جعفر" الصحفية والثقافية، فمنهم من قال أننا لم نسمع عنه من قبل. فعلا الأمر مضحك، فماذا تنتظر من الجاهلين غير ذلك؟ّ وهكذا عاداتهم وردودهم الغليظة حين يفشلون في تحطيم الفكرة فيبدؤون بتحطيم صاحب الفكرة..!

تحول الأمر في النهاية لجر معركة شريفة اسمها سورية- كالعادة- وتحويل مسارها وتدليس هدفها وتمييع المواقف الثابتة اتجاها إلى شخصنة القضية وحصرها في القال والقيل والأحقاد. وعلى رغم يقيني بسورية المبدأ، فالوطن يضيع والتجار يربحون. وهذا ما يلخصه اللغط الدائر في مؤسسة تشرين الصحفية وموقفها غير المبرر من أحد أبنائها، ما يصعب الأمر ويحزنه إذ كانت إدارة تشرين الجديدة تعبر عن موقف سورية من أبنائها المخلصين هكذا، فما ستفعله سورية مع الذين ساندوها بالحق في أزمتها؟

وعلى الرغم من هذه التصرفات المتقزمة، فلن تجعلنا نكفر بسوريتنا، ولن نتسول بأقلامنا استكتابا بأجر ضد سورية، الذي لا يعرفه جهلاء التاريخ أن الشعوب العربية والإسلامية مدانة لسورية عبر الزمن والمكان وكانت خير حافظ وأمين على حضارتنا وعروبتنا وتعايشنا السلمي.

وما نقوم به ليس ردا للجميل فحسب، بل هو إيمانا بأن سورية اُختطِفت بيد الضالين من أبنائها والمغضوب عليهم من خارجها، وإنا لهم لبالمرصاد، ولن نمل، ولن تنكسر أقلامنا، ولن ينضب حبر الياسمين، فكل الاستعارات الجميلة ابتدعت وتكونت حين تجملت وتعطرت سورية للعالم العربي، كل ما نفعله هو فقط إعادة حياكة ثوب سورية الجديدة يد بيد مع أبنائها الشرفاء وجنودها الأقوياء.

والكلمة الأخيرة، فلا سيف معاوية ولا ذهبه يجعل منا بوقا لأحد. وكل المنى والتمنى أن ألتقى بأهل سورية الكرام، ولكن على أرض سورية، فلا خير في لقاء يكون على أرض غير أرضها، فقط الانتظار حين نطهرها من وسخ فكر مناكيد العصر الرخيص، وتجار أفيون الشعوب..!

 

د. محمد طلعت الجندي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم