صحيفة المثقف

تراجع نسبة القراء وزيادة النتاج المقروء .. محاولات لتجاوز أزمة القراءة

mohanad salahالنتاج الثقافي بكل أشكاله. هو الحصيلة الفكرية التي يطرحها الكاتب لتكون بالتالي على طاولة التلقي لدى القراء. وبدون جمهور يستوعب ما يتم تقديمه من أعمال، لن يكون لهذه النتاجات جدوى من تصديرها أو عمليات تسويقها . فأي تكوين فكري يصنع بمجرد خلقه خطا موازيا يواكبه ويستمر معه في مسيرته حتى تحقيق الغايات المثلى لنواة الكتابة . وهي بغالبها تقف عند تحديد المشاكل ووضع الحلول المناسبة لها بصياغات ثقافية .. المشكلة الأساسية التي يحاول الكثير من (الكتاب) الهروب من حقيقتها المؤلمة. هي إنفلات الحلقات الرابطة بين (النتاج والقراء) . وهو ما صنع فجوة كبيرة أدت إلى تراجع نسبة القراءة مع ما يوازيها من نتاج يملأ الساحة الثقافية دون أن يجد له مكانا في التراكيب القرائية التي يجب أن يتناولها (المستهلك) . بإعتبارها المادة الفكرية التي تم إعدادها لتغطي المساحات الشاسعة من إحتياجات المتلقي ومتطلباته . ولو حاولنا أن نؤشر عبر الخط البياني لمبيعات الكتب وحجم ما يتم طباعته من هذه الكتب في المطابع مع الأخذ بعين الإعتبار المادة التي تحتويها، لوجدنا حقائق مرعبة تضع المشهد الثقافي برمته على حافة الهاوية . إن لم يكن أصلا قد بدأ بالتساقط . فنسبة مبيعات الكتب التي لا يمكن أن تكون ضمن المشاريع الثقافية التي تفتخر بها الشعوب قد تجاوزت بكثير ما يمكن تخيله من أرقام . وتأتي بعدها الكتب الدينية وكتب المناهج الدراسية التي غزت المبيعات في الآونة الأخيرة بسبب تلكؤ وزارة التربية في توفيرها للطلبة . وفي آخر القائمة ستكون هنالك أعداد بسيطة من الكتب ذات الصلة بالواقع الثقافي لا تقارن مع حجم ما يطبع من الكتب سابقة الذكر . وحتى هذه الكتب التي من المفترض إنها تمثل الحركة الثقافية، فإنها في واقعها تمثل نتاج مستورد من خارج رقعة الخارطة الجغرافية للإشتغال الثقافي . يتم إعادة طباعتها لإقبال القراء على النتاج (الأجنبي) أكثر من النتاج المحلي . وذلك يعود للأسف إلى عدم ثقة القارئ في الغالب بما ينتجه الكاتب المحلي . أو إقتصاره على ما يتم الدعاية له بشكل جيد . بينما تقتصر النتاجات المحلية بشكل كبير على الكثير من المطبوعات بمختلف الألوان والتي توزع في الغالب بالمجان لتكون حبيسة الرفوف .. المشكلة التي يغفلها الكثيرون في الساحة الثقافية تكمن في أن هنالك حلقة مفقودة بين (الكاتب والقارئ) . هذه الحلقة هي (الثقافة القرائية) لدى الجمهور . فالكتب حالها كحال أي مادة تخضع للإعلان والتسويق قبل الشروع بتقديمها في الأسواق . وهنا أقصد عملية التمهيد للمنتج . وهو ما سيحقق نسبة مبيعات عالية تجبر المقتني للكتاب على قراءته، وبالتالي ستبدأ بوصلة القراءة لديه بتغيير إتجاهها نحو المسارات التي يجب أن تكون عليها بعد أن وصلت لمراحل من الإبتعاد اللامتناهي عن مفهوم القراءة المنتجة لمجتمع يحمل ثقافة تجعله مفتخرا بها . وهذا سيكون بحاجة لمراحل مدروسة تشترك في التأسيس لها (المؤسسات الثقافية / الكاتب / دور الطباعة والنشر) للسيطرة على ما يتم عرضه في الأسواق من نتاج . وما سيضمن نجاح هكذا أفكار، هو قدرة المجتمع الشرقي على الإنسلاخ مما يحمله من ثقافة لإستبداله بثقافة أخرى . إذا ما وجد بأن الإقبال على ما هو جديد سيكون الطريق الأمثل له كي يواكب أقرانه من القراء . لكننا في الوقت ذاته سنكون بحاجة لقوانين تدير آلية النشر والطباعة يشرف عليها أناس مختصون وخاضعون للمصلحة الثقافية العليا للبلاد، وليس لهم إنتماءات سياسية أو فكرية تنعكس على ما يتم منعه أو السماح بطباعته . كي يتم الحد من طباعة وعرض النتاج التجاري السلبي، وإستبداله بنتاج يستحق القراءة والتلقي . وترك الفرصة أمام القراء لتناول الكثير من النتاجات التي لم تجد لها المساحة الكافية للعرض من خلالها، والوصول الى مستويات عالية من القراءة كي تستعيد الساحة الثقافية عافيتها التي فقدتها مع النتاجات السيئة التي كانت تحتل أروقتها . ويتحول النتاج المحلي الى نتاج عربي وعالمي يتسارع له قراء الخارج لإقتناءه .. إن كل هذه الأفكار لن تتحقق أو تجد لها حيزا ضمن الاشتغالات المؤسساتية ما لم تتكاتف جميع مكونات العملية الإبداعية للشروع في المضي لتحقيقها، وإذا ما إستمر وضع المشهد الثقافي وما يتضمنه من نتاجات معروضة أمام القارئ بهذا الشكل المتردي الذي نراه اليوم، فلن يكون هنالك ما يستحق تقديمه للأجيال القادمة . بل سيكون المحتوى خليطا من النتاجات الرديئة والسيئة الصيت التي ستسبب في تدهور المستوى الثقافي لعقود طويلة ...

 

مهند صلاح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم