صحيفة المثقف

ادماج الايديولوجيا القومية بالأيديولوجياالاسلاموية

alimohamad alyousifكثيرا ما استوقفني تساؤل: هل العاطفة الانسانية الوجدانية لها علاقة مباشرة اوغير مباشرة في اتخاذ المواطن العربي موقفاً سياسياً معيناً!؟ وهل بإمكان السياسي العربي فصل موقفه الوجداني العاطفي عن موقفه السياسي في حال اكتشافه الخطأ في التعارض والتضاد فيما اعتقده ومارسه سابقاً!؟

اعتقد من الصعوبة بمكان فصل العاطفة عن المبدأ باشتمالاته السياسية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لكن تبقى الموازنة بين العاطفة وقناعة المبدأ بينهما مطلوبة واجبة. لان العاطفة الانسانية الصادقة عمادة المبدأ الوطني.

فالنزعة الانسانية المعبر عنها بوجدان العاطفة تمثل ركيزة مهمة في المبدأ، والغاء هذا الاشتراط يقود إلى ان تصبح السياسة والقرار السياسي وسيلة اقامة نظم دكتاتورية واستبدادية وراثية خاصة في وطننا العربي.

هذه التوطئة السريعة وجدتها مهمة حين اجد الكثيرين سياسيين  واناس شعبيين يذهبون بلا تردد إلى تبني القرارات السياسية التي تقوم على ميراث من التعطيف الشعاراتي الاجوف لمجرد انها تحقق رواجا تعبويا لدى البسطاء من الناس الذين يفتك بهم التخلف والفقر والجهل، وانقطاعهم التام عن روحية العصر، وانغلاقهم في مجتمعاتهم على القديم السائد المتردي.

على مدى اكثر من قرن مضى حاولت الطروحات النظرية القومية العربية التأسيس لمشروع عربي نهضوي حضاري وذلك بأنزال برامجها السياسية إلى واقع التطبيق الميداني الحياتي، وفشلت بذلك فشلاً ذريعاً، فلجأت إلى اختيارين عقيمين في محاولة التنظير القومي هي : تصحيح الخطأ بالخطأ فمنهم من ذهب إلى مزاوجة الطروحات القومية بالماركسية في عملية تهجين تلفيقي مصطنع لم تهضمه كلاًمن القومية والماركسية معاً.

وكانت النتائج كارثية في التجربة وبخاصة في العراق ولبنان وفلسطين وسوريا ومصر والجزائر،اذ اثبتت الوقائع على الارض ان النظرية القومية على الارض بجميع احزابها لم تلد ولن تلد مهما حاولت اقامة تحالفات على نمط التحالف مع الاسلام السياسي مثلاً، أن تأتي بتطبيقات مجتمعية صائبة تلبي طموح الناس وهذا التحالف القومي الاسلاموي السياسي لايمكن ان يكون اكثر من محاولات لايكتب لها النجاح وقد تجاوزها العصر .

منطق التاريخ وحتمية وصوله لأهداف الانسانية هو ان الصحيح فقط له امتداده الاسلاموي في المستقبل. وبعد ان سارت التنظيرات القومية بتقاطع ايديولوجي مع الفكر الماركسي لأكثر من خمسة عقود وتأكد بالنتيجة ان كليهما كانا حالمين، سارت وتسير التنظيرات القومية في مغازلة التكامل مع التيارات والاحزاب السياسية الاسلاموية إلى حتمية مشابهة للعلاقة الماركسية ان كليهما لايمتلك اسعاف الاخر بشيء. واشتط الامر لدى البعض حين وجد ليس من بأس ولاضير ان يتحالف العروبي السياسي مع الأصولي السلفي على وفق منهج تعمية تبرر مشروعية العنف والتطرف في ان يصبح مقاومة وتحريراً،وكلا الجانبين المتحالفين بقرارة نفسه يهزأ احدهما من الاخر وكل واحد يستخدم الثاني ورقة انتفاع سياسي فئوي حزبي لا وطني.

فمثلما يستحيل على تنظيم القاعدة وداعش  ان يصبح مقاومة وطنية كذلك لايستطيع العروبيين القوميين اثبات وجودهم الوطني التاريخي على انهم مبدئيين صادقين مع انفسهم قبل غيرهم بالاتكاء على فكر قومي متعاطف ومتعاون مع فكر متطرف باسم الاسلام والعروبة.

لو أمعنا النظر قليلا في تأمل معاداة (العلمانية) والديمقراطية والليبرالية وصولاً إلى العولمة بحجة الحفاظ على أصالة هويتي العروبة والاسلام فلن يلحق هذا الخطاب السياسي المنحرف العقيم الاذى والاساءة للديمقراطية والانظمة الديمقراطية العالمية التعددية وحكم المؤسسات وسيادة القانون فهو اعجز ان يستطيع ذلك لان هذه القيم والانظمة التي تتبناها هي اليوم تعم معظم ارجاء المعمورة وشعوبها المتمدنة التي تعيش عصرها في التقدم والازدهار .

الخطأ الاكيد الذي تمارسه بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية العربية هو في وضع او محاولة وضع الديمقراطية والحرية وسيادة القانون وحكم المؤسسات بالضد في مواجهة العروبة والاسلام السياسيين كأعداء، والنفخ في قربة مثقوبة هي نظرية المؤامرة على وفق أسلوب افتراضي مصطنع يلحق الضرر بكل من توجهات العروبة او توجهات الاسلامويين المعتدلين.

الاسلام الاصولي الذي يتبنى العنف اليوم كخطاب ومنهج سياسي يطرح نفسه بديلاً للمفاهيم والطروحات العلمانية التي تبنتها انظمة الحكم القومية قبل اسقاط بعضها في ثورات الربيع العربي السياسي 2011، ويحاول اثبات وجوده من خلال الاتكاء على موروث ديني لايحتاج لاكثر من تعبئة بسيطة للناس، ولا يرضى باقل من ان يكون دين ودولة، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، لا بديل عنه او مواز له في كل العصور.

التضاد المفتعل في وضع القومية السياسية وراء ملحق الاسلام الاصولي في مواجهة الديمقراطية والعلمانية له ابرز مثال فشل سياسي تاريخي في كل من مصر، تونس،ليبيا العراق ولبنان سواء اكان ذلك بتأثير تغييرات ثورات الربيع العربي السياسي او بغيره فالاحتلال الاجنبي او الانقلابات العسكرية حيث تواجدت وتتواجد الان في هذه الاقطار مختلف التيارات الاسلامية الاصولية المتطرفة والمعتدلة ايضاً بعد نجاح الربيع العربي السياسي، واصبحت القومية السياسية المتحالفة مع الاسلام الاصولي وفق تفاهمات سياسية مرحلية سطحية مؤقته وقلقة أيضاً وجهان لعملة واحدة تسعى لنشر العنف وتعميم التخلف وأصبحتا حاضنتين لتنظيمي القاعدةً   وداعش،عالمياً،ولايتعايشان الا بظل وحماية انظمة استبدادية لا دستورية ولا تقيم وزنا لحقوق شعوبها الاساسية، واقامة دولة المؤسسات الديمقراطية، واخر اهتماماتها توفير حقوق المرأة والانسان، وحقوق الديانات والاقليات الاخرى المتعايشة معها المشاركة لها بالوطن الواحد.

 

علي محمد اليوسف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم