صحيفة المثقف

المثقف الأليكتروني .. مساحات إعلامية بلا تسلق

mohanad salahالإشتغال الثقافي في أي محور للتركيبة المجتمعية . يعمل ضمن مساحات محددة . تخضع لضوابط وقوانين حدد الإطار العام لها النسق الذي يعاصر عمليات الإشتغال وطبيعة التلقي لدى الجمهور . فكما يعلم الجميع بأن عصر البادية كان يعتمد إعلاميا بكل أشكاله على المجالس القبلية أو الأسواق التي يتبنى قسم منها مساحات معينة لطرح النتاج، ومثال ذلك سوق عكاظ في مجال الشعر أو الجلسات الليلية لمحتوى العشيرة حول أحد كبارها وهو يسرد عليهم قصصا عن تاريخ الأبطال والمعارك . والى جانب ذلك كانت تشتهر الكثير من الثقافات والفنون عبر تأثيرها في المجتمعات وتناقلها بين الناس بشكل روائي يفتقر إلى الكثير من المقومات التي تتوافر في هذه الأيام . ومع تقدم التسلسل الزمني وإنبثاق عصر الثورات الفكرية، أصبحت الآلة الإعلامية تتطور شيئا فشيئا . وقد أثر التلاقح الثقافي الذي جاء عبر إنعكاسات النتاج المتعدد لدول الغرب التي إحتلت قسم كبير من الدول العربية إلى تغيير الرسم الظاهري للمشهد الثقافي وسحب البساط من تحت مدارس الثبات التي إعتادت عليها المجتمعات الشرقية في التنظير لمثقفيها . وكان دخول المطابع ونقل التجارب الأوربية في كل مفاصل الحياة الثقافية قد سبب حراكا كبيرا ساعد في تكوين العديد من (التقنيات الإعلامية) التي كانت تعتبر ذات يوم مجرد أحلام مجنونة غير قابلة للتحقيق، كظهور الإعلام المسموع والمرئي وتطور مساحات الإشتغال للإعلام المقروء . وبالتالي ساعد كل هذا في زيادة الوعي داخل الوسط الثقافي الذي بادر بدوره في اللجوء إلى تكوين مؤسسات تمثل المحتوي الذي يشتغل في سقف المشاريع الإنسانية التي من المفترض لها أن تكون الواجهة الحقيقية التي تنطلق المجتمعات من خلالها نحو العالم . وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى توافق إعلامي يصل إلى مستوى حجم الإشتغال الفكري، كي يكون قادرا على تقديم الأخير بصورة موسعة وشاملة . وفعلا إستطاع هذا الإعلام خلال فترات قياسية أن يصل إلى نقاط بعيدة جدا داخل الخارطة الجغرافية لم تشهد سابقا وصول أي من مسميات الإعلام لها، وأصبح هنالك حراك غير معهود في القرى والقصبات والمدن الصغيرة لإظهار مواهب أبنائها بعد أن كانت تجاربهم مقتصرة على الحيز المكاني والتوقيتات الزمانية التي تحددها البيئة المنبثقة من خلالها . ومن هنا كان التنوع والتعدد في التجارب المطروحة هو الوجه الجديد الذي خرجت الدول المتحضرة من تحت مظلته لتثبت بأنها تمتلك من الموارد الثقافية والفكرية ما يضاهي وقد يتجاوز بطروحاته التجارب الغربية . ومع إنكسار المجتمعات تحت طائلة الحروب المستمرة وإستهلاكها لطرفي العملية الإبداعية (الكاتب / المتلقي) وإستنزاف الحكومات لوعي الشباب بقوائم طويلة من المثقفين المزيفين عبر تفعيل دور (المثقف الآيديولوجي) . كانت فرص المثقف الحقيقي ضئيلة جدا في الوصول إلى قراءه عبر القنوات الإعلامية . أما لأنها حضرت نتاجه، أو لأنه لم يمتلك المال الكافي الذي يستطيع من خلاله دفع ضريبة وصول هذا النتاج لعقل المتلقي . وهنا إنخفضت مستويات (الثقافة) بشكل سريع جدا لتعود إلى نقاط الإنطلاق الأولى، بل إنها تجاوزتها بالكثير . وحتى بعد إنهيار الأنظمة القمعية والإنفتاح الكبير الذي شهدته المنطقة إعلاميا . إلا إن المثقف الحقيقي وجد نفسه تحت طائلة المحاصصة والمجاملات والوعود الكاذبة والشعارات البراقة .. إن ما أحدث نقلة غير متوقعة داخل الوسط الثقافي. هو ظهور (المثقف الأليكتروني) الذي تمرد على كل هذا، وأنشأ لنفسه محطات إعلامية متعددة في مواقع التواصل الإجتماعي . وأصبح إلى حد كبير ليس بحاجة إلى مؤسسات تمثله أو محطات إعلامية تساعده في إكمال مسيرته . وما ساعد على ذلك هو إتجاه الجمهور بغالبه إلى الثورة على المعتاد والمستهلك والإتجاه إلى إختيار مثقفيه عبر (الإعلام الأليكتروني)، وهنا نشأت منطقة إعتدال لدى المؤسسات الإعلامية أعادت الأمور إلى نصابها الحقيقي في اللجوء إلى متابعة أعمال هكذا مثقفين رغما عنها، ومحاولة إستقطاب تجاربهم، لأنها تشكل مادة إعلامية جيدة تتواصل من خلالها مع متابعيها . بل إننا اليوم إستطعنا أن نصل إلى تجارب ثقافية كبيرة في محتواها، وبالخصوص لدى (المرأة المثقفة) التي وجدت من خلال مواقع التواصل الإجتماعي المساحات الكافية التي تطرح عبرها أفكارها وتطلعاتها بعيدا عن المجتمع القبلي المتزمت الذي لا يتيح أمامها المجال أن تكشف النقاب عن مواهبها، لأنه يعاملها على إنها عاهة مستديمة في جسده يجب إخفائها !! .. وكذلك الحال مع الشباب المثقف الذي صنع له قاعدة جماهيرية واسعة لم يكن بحاجة للتسلق أو التملق في تكوينها، وأصبح يشارك في مسابقات ومؤتمرات دولية ومحلية جعلت منه المتصدر على غيره ممن لازالوا يلهثون خلف الأساليب الكلاسيكية في إيصال تجاربهم . وهذا لا يعني بأننا نعيش ضمن الجمهورية الفاضلة للإعلام الأليكترونية، بل على العكس، فإن المتصيدين والسراق والشخصيات الوهمية والمزيفين إستطاعوا أن ينفذوا نحو (المتلقي الأليكتروني) بطرق إحتيالية أدت إلى زعزعة الثقة من جديد بإختياراتهم . لكنها في الوقت ذاته ساعدت على تجنب الوقوع في هكذا أخطاء من قبل الكتاب أو القراء على حد سواء، لحماية نتاجاتهم وعقولهم من القافزين على دوائر النجاح ...

 

مهند صلاح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم