صحيفة المثقف

مراثي غيلان (2): حسين بانزين

saad alsalehiترك جدي (حسين العبيدي) محلة (باب الطوب) في مدينة الموصل مستصحباً عائلته المصلاوية إلى بغداد في مفتتح خمسينيات القرن الماضي حمايةً وحميةً لأمي التي أكملت المتوسطة بتفوق وقبلت في مدرسة الممرضات الملحقة بالكلية الطبية في العاصمة .

أدركتهُ في العام 1961 بفارع طوله وشعره الأشقر وعينيه الزرقاوين كأنه أمير نمساوي، لكنه تخير السكن في (عكَد المعدان) من محلة (الفضل) في بغداد خلف كراج مصلحة نقل الركاب بحجة تحديه لأعتى بقعة يرتع فيها شقاوات بغداد كي (يكسر عين أنجر واحد بيهم) .. وقد فعل ذلك، فأسبغ عليه كل أهل الفضل وعكَد المعدان ومحلة (أبو سيفين) و(العزة وطوالات) لقب (حسين بانزين) حتى وصل صيته إلى (البياع) .

وأدركتهُ شديد التأنق لسهرة في شارع أبي نؤاس، أو عزيمة من شخص مهما صغر أو كبر شأنه . فالبدلة ثلاث قطع، السترة واليلك والبنطرون، مع القميص باللون المناسب والباينباغ الأنسب . لكنه طالما فاجأنا عائداً بعد منتصف الليل وقد احمرَّ وجهه مثل قنديل من أثر العرق المستكي، عارياً من كل ملابسه، عدا مايستر به بعض جسده :

- جدو هاي شنو القصة؟

فيجيبنا بلهجته المصلاوية:

- ول أبويي لقيتو مكدي عيِّغجف من البغد، انطيتو اللي ألله قاسمو مني وشلحتو القاط ولبستو ودفيتو .

قاصدا:

(ولدي، صادفتُ فقيراً يرتجف من البرد، فأعطيته ما قسمه الله إليه مني ثم خلعتُ بدلتي وألبستها له ليتدفأ) .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم