صحيفة المثقف

دعم المواهب والتجارب الشابة بين الكذب المؤسساتي والحقيقة المغيبة

mohanad salahلم يكن نتاج الأمم منذ بداية الخليقة وحتى الآن مستوردا من عوالم وحواضن فكرية جاهزة . بل كان ولا يزال هو الحصيلة المستمرة لولادات المواهب التي لا تكف عن البحث كي تجد لها الأرض المناسبة لتستطيع إستثمارها في الإنطلاق نحو تكوين تجارب خاصة بها . تكون ثمارها هي المؤهل الحقيقي نحو بدايات جديدة تؤازر ما سيتوالد كنتيجة طبيعية لما تطرحه من ثقافات تختلف في محتواها، وتتوحد في فكرة دعم ما سيأتي بعدها مهما كان (مختلفا) . بل إن قسم من التجارب العالمية الضخمة كانت تدعم المواهب التي تخالفها في الطرح وتتمرد عليها وتنفلت من دوائر الإمتداد الفكري الذي تنتجه . لأنها تؤمن بأن هذا الإختلاف هو من سيمهد لظهور تجارب جديدة تستحق دعمها ومساندتها، وهو على العكس تماما مع ما حصل في الشرق (العربي) من العالم . فهو قد إعتاد أن يكون تابعا ومستترا تحت مظلة التجربة الأكبر، والتي لا يختلف إثنان على مدى توهجها وحقيقتها التي أسهمت في بلورة المشهد الثقافي . لكن هذا لا يعني بأن رحم الثقافة عاجز عن ولادة تجارب أكثر توهجا وإبداعا، أو إنه هزيل للدرجة التي ينتج فيها ولادات متشابهة و(مستنسخة) .. تحاول المؤسسات والإتحادات والنقابات (الأدبية والفنية والإعلامية) أن تتلاعب بشكل معلن وغبي في خارطة المشاريع الثقافية بكافة أشكالها . وهي تزداد كذبا يوما بعد آخر . عندما تدعي دعمها لـ (المواهب والتجارب) الشابة والوقوف إلى جنبها ومؤازرة مسيرتها، ويتضخم هذا الصوت الداعم بشكل خاص في الدعاية الإنتخابية التي تسبق التغيير الإداري لمؤسسة ثقافية ما . حيث نجد أغلب المرشحين (بكسر الشين وليس فتحها) وقد تصدر (مشروع دعم المواهب والتجارب الشابة) برنامجهم الإنتخابي . لكن الواقع في حقيقة الأمر سيكون واضحا بمجرد تسنمهم للمواقع العليا في هذه المؤسسات . فتنكشف الحقائق أمام الجميع .. حاولت في وقت سابق أن يكون صوتي مباشرا مع كل المؤسسات الثقافية عبر العديد من (الأوراق) التي لم أكن راجيا فيها النجومية أو الإعتداء على أحد ما . بل هي محاولات جادة في (التأشير والتذكير) لكل الخطوات الغير صحيحة التي تنتهجها المؤسسات الراعية للثقافة والمتبنية (كما تدعي) لمشاريع الشباب . كنت أحيانا أدفع بالأوراق للأصدقاء في الهيئات الإدارية للمؤسسات الثقافية قبل نشرها في الصحيفة . كي تكون كتاباتي مكشوفة ومعلنة أمامهم أولا . وهذا ما حصل على سبيل المثال لا الحصر مع الأصدقاء في المكتب التنفيذي والمركزي للإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق . عندما قدمت لهم ورقة عمل مقترحة تساعدهم في تأكيد موقفهم الداعم للتجارب والمواهب الشابة التي أعلنوها قبيل إنتخابهم . وقد إحتوت هذه الورقة على مقترحات ليست بالمستحيلة كان منها (العمل على وضع آلية ممنهجة وثابتة لدعم الشباب) عبر زجهم بنسبة 25 % في الجلسات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات والمنشورات الورقية . شرط أن يتم التصويت على هذه المقترحات من قبل المجلس المركزي وسنها بقانون ضمن النظام الداخلي كي لا يتم التلاعب بها . وإقترحت أيضا أن تكون هنالك لجان غير معلنة، ونزيهة و(متخصصة) في إختيار الدعوات . لكن للأسف لم أجد ردا إيجابيا على أرض الواقع . ودليل ذلك هو النتاج الورقي المقتصر حاليا على مجلة (الأديب العراقي)، ومهرجان (المربد) الذي كان فشله واضحا أمام الجميع . وهذا لا يعني بأن القائمين على الهيئات الإدارية مفرغين من محاولات التغيير نحو الأفضل . لكن (منجزاتهم) التي يدعونها لم تكن بمستوى الطموح الذي يأمل له الشارع الثقافي . وهم لا يزالون يعيشون ضمن دوائر (المجاملة) والمزج بين العلاقات الإجتماعية والمشاريع الثقافية . وهو ما يتعارض تماما مع البرامج الإنتخابية التي قدموها قبل إستلامهم لمهامهم كممثلين للمشهد (الأدبي) . ووعودهم اللامحدودة في الخروج من كل محطات الزيف التي مر بها التاريخ الثقافي .. أنا أحاول أن أشير إلى جرح كبير يزداد توسعا سيؤدي بجيش من المثقفين والأدباء والفنانين الشباب في نهاية الأمر إلى التخلي عن المؤسسات الأم، والإتجاه نحو تشكيل مؤسسات محاذية، ربما ستمحو تاريخا كاملا لتبني لها نواة جديدة تنطلق منها نحو تحقيق منجزات ثقافية مشروعة . وهي بالتالي ستفرض نفسها لقبولها كبديل  (حقيقي) لا يمكن الإعتراض عليه أو محاربته .. الأفق الثقافي والفكري مفتوح الأبواب أمام إستقبال هكذا أفكار كي تكون البدائل الناجحة للخروج من هذا (الإحتضار) الذي يصيب جسد الثقافة، فيجعلها هشة ولا تمثل القدر اللامتناهي من المواهب والتجارب الشابة التي تهملها وتغض النظر عنها المؤسسات الثقافية بقصد، أو عن غير قصد .. علينا أن نعي بأننا أمام مسؤوليات وتحديات كبيرة يجب معها أن تتخذ قرارات مصيرية حتى وإن كانت على حساب خسارتنا لعلاقتنا مع الكثيرين، لكن ما هو مؤكد بأن هنالك تاريخ لن يكون (مجاملا أو مزيفا) بل سيكشف الكثير والكثير جدا من الحقائق التي يحاول إخفاؤها أصحاب (القرار) ...

 

مهند صلاح

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم