صحيفة المثقف

إشكاليات الحوار والتلقي

mohanad salahفي إشارة سابقة قمت بالتنويه لكل الأشكال الثقافية وبكافة صنوفها الفكرية عن تشكيل (مختبرات ثقافية) تكون بمثابة النافذة التي يطل من خلالها المثقف على الساحة . بعد أن يمر بالعديد من عمليات التوجيه والتثقيف يقوم بها أساتذة مختصون يحملون بداخلهم هما حقيقيا تجاه المشاريع الفكرية وعمليات تصديرها للجمهور. وإن هذه (الفلترة) تبدأ من بناء الشخصية وصقل الموهبة وتمر بتمارين متعددة تشمل آليات الحوار والنقاش وإتقان اللغة والنحو، والكثير مما سيجعل من الشخص الداخل ضمن إطار هذه (المختبرات) تجربة ناجحة تستحق إرتقاء المنصة وتحمل مسؤولياتها . وما نلاحظه اليوم هو عدم إنسجام ما يطرحه المعتلي للمنصة مع الضوابط الأخلاقية واللغوية والمعرفية وإنتهاءا بطريقة الطرح التي لا تتعدى كونها حوارية في مقهى للباعة أكثر من كونها ندوات وجلسات تستدعي منا إعطائها الحجم الحقيقي الذي تستحقه . ومثال ذلك ما نراه على أرض الواقع في أي محفل يعاني من عدم الترتيب أو الإختيار الناجح لصاحب النشاط أو المقدم أو حتى المحاورين على حد سواء . وتجب الإشارة ايضا الى إن من أهم آليات (الحوار والتلقي) هي إمتلاك المحاضر لكل الأدوات الفكرية والأخلاقية التي تؤهله لإعتلاء المنصة كي يكون قادرا على تقديم مادته بشكل يجعل منها قد إستوفت كل الشروط التي تؤهلها أن تكون ذات خلفية تحاكي المستويات المعرفية للجمهور وتجذبه نحو مناطق التشويق والإثارة، وتذهب به نحو التساؤل، وتفجر داخله روح المتابعة والتفاعل . كما عليه أيضا كمرتكز لجوهر الجلسة أن يكون قادرا على ترتيب أفكاره ومستعدا لأي مداخلة أو حدث مفاجئ لم يكن بحساباته التي أعد لها مسبقا، وهذا لن يتم إلا إذا كان الشخص (المعتلي للمنصة) أو (المحاورين له) أو (مقدم الجلسة) قد مروا جميعهم بمراحل متعددة داخل آليات (المختبرات الثقافية) كي يكونوا مؤهلين لإنجاح الجانب المهم من أي نشاط يراد له النجاح . وإلا فإن النتائج ستكون مبتذلة وغير مستحقة لقيمة المادة التي ستطرح أو ربما لا تكون بحجم ذائقة الجمهور .. وقد تزايدت هذه الأيام (ظاهرة الإسقاطات الأخلاقية) داخل مساحة الفعل الثقافي والمعرفي . فمن المتعارف عليه إن أي جلسة يتم التقديم لها . تعتمد على عدة محاور . منها (قدرة المقدم على إدارة الجلسة ودراسته الكاملة لشخصية المحاور والمادة التي سيطرحها / إمتلاك صاحب التجربة المستضاف لكل ضوابط الحوار والطرح / إلتزام المحاورين بسياق الجلسة وإحترام الثوابت الأخلاقية، عبر تكثيف الفكرة داخل متن المحاورة، وطرح الأسئلة على المحاور، وعدم التشظي أو الإنجرار لنقاشات مع الجمهور من شأنها أن تحول الجلسة الى فوضى تؤدي الى فشلها) .. وكل ما تقدم يقع على عاتق المؤسسات الراعية للفعل الثقافي، والتي بدورها يجب أن تعي بأن أي مسار ستتخذه سيؤثر على مستقبل الفرد الذي ستقدمه للساحة، وستلتصق تجربته بها كمقدمة له سواء في السلب أو الإيجاب، لأنها من نظر وثقف له أمام الجمهور، وإن جميع التوابع والمعطيات ستكون هي المفاتيح التي ستفك شفرات النزوح نحو مناطق الوعي لدى كل أطراف المستوى المعرفي .. كما ان المتلقي والقارئ يتحمل مسؤوليات أكبر في تحديد البوصلة الخاصة به واتجاه الاشارات الفكرية لها كي تكون بنفس المستوى الذي نطمح أن تصل له التجارب، والتي أما أن تكون مستحقة وجاهزة لتصديرها نحو المستقبل، أو إننا كجمهور سنكون مساهمين في تشويه معالمها ومارسنا دور اللامبالاة مع ما تنتظره منا الأجيال القادمة من أفق يستحق أن تفتخر بوصوله لها ...

 

مهند صلاح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم