صحيفة المثقف

الصفحات السوداء.. قرن من الأحلام المريضة (3)

karim abdulahashimأدى تعاظم هذا الأختلاف الى قيام الشعب بثورته عام 1958 وبداية عصر   (الجمهورية العراقية) التي رسمت تصورا نهضويا للعراق وبدأت بخطوات جادة وحثيثة وملموسة نحو مشاريع مهمة من شأنها نهضة العراق وتطويره بأتجاه دولة عراقية قادرة على مواكبة العالم .غير ان هذه الثورة بدأت تعاني من الصراعات الداخلية والعثرات بوقت قصير لأسباب شتى لعل أهمها هو التدخل الخارجي للتأثير على الثورة وأحباطها والمنازعات الحزبية في الداخل العراقي بين التيار القومي والتيار اليساري (الشيوعيون) ومنافساتها للأستحواذ على السلطة، فسقطت ثورة تموز 1958 في براثن هذه التأثيرات المتصارعة، ومنذ يومذاك بدأ نزيف الدم العراقي الذي لم يتوقف لحد الآن، ونهضت لدينا سياسات وأساليب القتل والتسقيط والأقصاء والنفي واتضح جليا وفعالا ارهاب السلطة ليصبح سمة سائدة تسيطر على كل محركات الواقع العراقي (المحاكم التي أسسها عبد الكريم قاسم لضرب طرف بطرف محكمة الشعب والمحكمة العسكرية – ضحايا الحرس القومي الذين قارب عددهم الألفين شخص ربما أكثر وربما أقل بقليل خلال يومين – اخماد ثورة 3 تموز 1963 ضد البعث – وغيرها) .

بقدر ماكانت الحكومات اللاحقة للثورة التي ترهب العباد تحمل من شعارات وتدعي من أهداف فأنها كانت تحمل مضامين التردي والرجوع، وقد برهن الواقع على انها كانت تخفي عنا وجها ومضمونا وهدفا غير الذي تعلنه ونراه ويظهر لنا بفاعلية وسلطوية متزمتة، تدعي بالتزاماتها الثورية والوطنية والقومية والتحررية ولكنها قادتنا الى مزيد من شلالات الدم والحروب المتكررة والمزيد من التمزق والتردي . وقد وفرت مناخا مناسبا لتظهر وتنفذ من خلاله الغايات والمآرب الغربية – الصهيونية التي أصبح لها دولة وكيان على أنقاضنا الماضية وأنقاضنا القادمة ولها دور فعال في مجريات الأحداث العالمية وتسعى لأضعاف المنطقة وتسييسها وتركيعها .

لقد حققت السلطة الدكتاتورية في العراق المناخ المناسب للقوى العالمية الفاعلة التي تنامى دورها في محيطنا وتنامت مخططاتها نحو تحقيق أهدافها بأضعاف المنطقة وتجزئتها وتقسيمها ونهب نفطها وخيراتها .

لقد أتاحت هذه الدكتاتوريات العمياء وهيأت الفرصة السانحة لنفاذ مصالح الغرب علينا، ووفرت لهم الحجج والسبل نحو تحقيقها بشكل مباشر ومقصود ومتفق عليه حينا وغير مباشر في حين آخر . فلم تكن بريطانيا مثلا التي فقدت أكثر من عشرين ألف فرد من جيشها بين هنود وانكليز في معركة انتزاع العراق من مخالب الامبراطورية العثمانية أو معارك ثورة العشرين بين العراقيين والأنكليز قد ضحت بهذه الخسائر البشرية أضافة الى المادية لأجل (تحرير العراق) لسواد عيونه أو لتنتقل به الى عصر مواكبة العالم  وانما لأجل أهدافها ومصالحها الأستعمارية . وقد تنامى هذا الدور وتعددت وجوهه وأطرافه وتفاوتت ايقاعاته .

تعددت الأطماع والغايات في المنطقة خلال القرن المنصرم مع تعدد ونشوء مراكز القوى العالمية وظهور المعسكر الشرقي (الأتحاد السوفيتي) كقطب عالمي فاعل ومؤثر، وتفاوتت الأيقاعات بين تأثير مباشر وتأثير غير مباشر، تدخل واضح معلن أو تدخل بالنيابة أو تسييس وتوظيف لمراكز السلطة في بلدان المنطقة بما يخدم توجه وأهداف قطب ما، ووقعنا بين سياسات مراكز القوة العالمية والأقطاب الدولية المتصارعة – سباق التسلح – الحروب الباردة .

حتى توفرت الحجة والوسيلة للتصريح علنا والتوجه نحو (تحرير العراق)، وماهذه الا من تلك ! . فعدنا من حيث ابتدأنا أيام سايكس – بيكو ونهايات الأمبراطورية العثمانية، وتم كشف الأقنعة لكن عن وجوه مختلفة تؤدي الى نفس الغاية ونفس الغرض، مما يدلل على اننا طيلة هذا القرن كنا واقعين في شراك هذه الدائرة ولم نتمكن من فك الخيوط المنسوجة حولنا، وكنا ننسج مجرد أحلام كانت مريضة وندفع ثمنها كل يوم وكل ساعة . فقد تناسب وتناغم دور الغرب – الأسرائيلي بشكل طردي كما أسلفنا مع أدوارنا وتحركاتنا وتطلعاتنا التي لم تؤد الا الى المزيد من التردي والدم والخراب،

يتبع الجزء الرابع 

 

كريم عبدالله هاشم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم