صحيفة المثقف

من يوميات لاجئ: حديث الخطيبات

salam alsamawiأسلمت نفسي لاغفاءة قصيرة بعد عودتي من مركز تعليم اللغة الانكليزية ذات يوم، وما استيقظت الا على صوت الباب تطرق بشيء من العنف، فقمت متثاقلا وفتحت الباب واذا بصاحبي ينطلق قائلا:

ما هذا الكسل؟ وما هذا الخمول؟ هل ستقضي عمرك بالنوم يارجل؟ لقد طرقت الباب حتى كلت يدي .

ثم ازاحني عن مدخل الباب، وشق طريقه نحو المقعد الوحيد في غرفتي ليرمي بنفسه عليه وهو يتمثل بالبيت الشعري:

نامي جياع الشعب نامي ... حرستك الهة الطعام .

اغلقت الباب وانا اقول بتهكم:

السلام عليكم !

فضرب احدى يديه على الاخرى وهو يقول:

 اوه..عفوا، ان الشيطان انساني ان اسلم عليك .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

قلت له:

ان الحديث يقول: "من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه "

قال: أمنا بالله يا اخي .. امنا بالله !

فاردفت قائلا: ثم انك تعلم اني انام متاخرا في المساء .

فقال مبتسما: ولماذا السهر بالليل؟ اما زلت تفكر في شؤون الرعية ياخليفة المسلمين؟!

فقلت: ولماذا لا نفكر في شؤون اخوتنا وفي مصيرنا المجهول، وقد جاء في الحديث ان من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس منهم .

فقال: ارح قلبك يا صديقي فان كل شيء على مايرام .

ثم اردف قائلا: قم واصنع لنا الشاي ياصاحب الكرم والجود !

احضرت الشاي ووضعته امام صاحبي الذي انشغل خلال هذه الفترة بمكالمة هاتفية، وما ان وضع السماعة حتى قال لي:

سوف تحصل زوجتي هذا اليوم على تاشيرة الدخول الى استراليا، وسوف تكون في مطلع الاسبوع القادم في البيت الجديد !

فقلت له وانا ادفع له قدح الشاي:

يبدو ان حظك كان سعيدا وان ملف قبول زوجتك كان في ايدي اناس منصفين .

تناول القدح وهو يقول: ماهذه العبارات المبطنة، انكم تظلمون هؤلاء الناس، ان هناك اجراءات قانونية لابد ان تتم قبل اعطاء تاشيرة الدخول كما حصل لي، وقد يحصل التاخير بعض الشيء بسبب الازدحام على السفارات في الخارج .

ثم انك لا تنس طريقة تعامل البعض مع موظفي السفارات، وكيف يمطرونهم بسيل من التهديدات اذا ماحصل اي تاخير .

فقلت له: انا لا اقصد الجميع، ولكني اشعر بالالم عندما اشاهد بعض الاشخاص المقبولين كمواطنين هنا ولكنهم يعاملون بفوقية وازدراء من قبل موظفي السفارات، وقد تنعكس القضية على البعض الى مستوى رفض الخطيبات ..

فتصور ان شخصا قد عمل هنا لمدة سنة او سنتين وجمع مبلغا متواضعا للزواج وسافر لياتي بزوجة صالحة تنسجم معه وتعينه على شطف العيش وتحميه من الضياع واذا بها ترفض لكي يعود هو محملا بالهموم، وتبقى تنتظر مصيرها المجهول .

فقال: ماهذه المبالغات ياصاحبي، ولماذا ترفضون الاجراءات القانونية دائما وتعقدون الامور؟!

قلت له: ليس في الامر اية مبالغة ولكنك تابى ان تتفهم حقيقة الموقف لانك لاتفكر الا بنفسك فقط .

فقال ضاحكا: ولماذا لا افكر بنفسي، وانا ارى ان العلاقات بين الناس بدات تصعد وتنزل على اساس الدولار ! جرب ان تقترض مبلغا من احد اصدقائك وسوف تعرف النتائج ياايها الفيلسوف !

فقلت: انا اوافقك الراي في ان الكثير بدأ يفكر بالامور المادية، وان الكثير قد انهمك في الحياة وتغير عما سبق بشكل كبير، ولكن هذا الامر لايدعونا ان لانعيش هموم اخوتنا ونتالم لالمهم .

فبدرت منه قهقهة وهو يقول:

ولكن لا الى الدرجة التي تجعلك ساهر الليل نائم النهار !

ثم اضاف بعد سكتة قصيرة: لقد لاحظت انك لا تنظر الى الايجابيات وتقصر نظرك الى السلبيات فقط، اليس هذا نكران للجميل وكفرا بالنعمة .. اندمجوا مع الاوضاع القائمة يااخي ولاتعقدوا الامور .

ولكن صحيح ان الذي شب على شيء شاب عليه .

فتغيرت نبرتي حينها وقلت له:

اية مبالغة ياصاحبي، وانت ترى ان وثيقة رفض احدى الخطيبات تقول بان السبب هو فارق السن بين الزوجين او انهما لن يظهرا في صورة العقد منسجمين مع بعضهما . ولو اطلعت على تفاصيل الاسئلة التي توجه الى هؤلاء المساكين الذين ماارادوا اكثر من السكينة والاستقرار لما صدقت بذلك ابدا ..

فتصور ان تسأل الخطيبة عن نوع العطر الذي استعمله ليلة الزواج وقس على ذلك .. فهل هذا هو منطق الحضارات المتطلعة نحو الديمقراطية والحرية وسيادة القانون، ام ان هناك خلفيات للرفض نحن لانعلم بها !

فقال: كل ماتقوله عبارة عن ادعاءات فارغة ليس لها اساس من الصحة، ولايمكن ان اصدق هذه الاقاويل .. ان المعاملة التي يعاملوننا بها معاملة انسانية راقية، وهم يحترمون الحقوق الانسانية ولكن السبب الرئيسي في الرفض هو عدم التنسيق في بيان الافادات، ولاتنس المعاملة الفوقية التي يتعامل بها البعض مع موظفي السفارات، وكأن احدهم عندما يحصل على الجنسية الاسترالية يتصور نفسه اصبح ملكا على القارة ويجب على الجميع ان يسمعوه ويطيعوه ... وبصراحة اقول لك: اننا لانتحمل هذا الجو الديمقراطي لما تعودناه من كبت واكراه وكل هذه الامور هي ردود فعل عن واقعنا السابق المرير .

فقلت له: كن واقعيا في حياتك مرة واحدة يا صاحبي ولاتخلط الاوراق بعضها مع البعض الاخر وانظر الى الامور من الزاويتين، نحن لا نقول لان اخواننا مجردون من كل هذه الانفعالات، ولكن هناك حقائق لاعلاقة لها بما نقول، فما هو ذنب الزوجة المسكينة التي تم رفضها، فهل تستطيع ان ترجع الى بلدها بعد ان صرفت الاف من الدولارات من اجل الانتقال والسفر، وهل تستطيع ان تواصل حياتها بشكل طبيعي في بلدها بعد هذه الانتكاسة الكبرى في حياتها . ثم ماهو حال الشخص الذي ترفض خطيبته ويرجع الى هنا وقد صرف جميع امواله التي بذل عليها شبابه وراحته وتقرض اكثر مما اخذ معه وتراكمت عليه البلايا والهموم ... هل من الصحيح ان نفرق بين اثنين شاء الله ان يجمع بينهما، وهل من الصحيح ان نجيز العلاقات الهابطة ونقف بوجه السنة الالهية، وهل هذا هو ماكنا نطمع للحصول عليه في بلد الحريات؟؟!

وهنا رن جرس التليفون فقال صاحبي:

يبدوا ان المكالمة لي، انهم وعدوني بان يتصلوا بي حول التاشيرة قبل قليل ..

وما ان رفع السماعة حتى تغير لونه واضطربت لهجته وصاح بأعلى صوته: ماذا تقول؟ انا لا اصدق ..

اغلق الجهاز واطرق برأسه وهو يقول بانكسار:

لقد منعوا خطيبتي من المجيء الى استراليا .

فتذكرت حينها قول الشاعر:

لا تشتكي للناس هما انت حامله ... لايؤلم الجرح الا من به الالم

وتمتمت قائلا: انا لله وانا اليه راجعون ......

 

سلام البهية السماوي – ملبورن

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم