صحيفة المثقف

تربية الذات المنسية!!

kamal alhardiتأملت الحالة المزرية التي تعيشها أمة الإسلام من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فوجدت على وجه القطع واليقين بأن تلك الحالة الشعثاء والغبراء والوعثاء ليست سوى صدى لصوت  ارتد نحونا فمزقنا كل ممزق، فصرنا من أردأ الأمم مسلكا" وأسقطها حالا"!! ذلك الصوت الذي صدر عنا ليس سوى إضاعتنا لجوهريات الدين وتشبثنا بشكلياته. فمثلا" تجد حافظا" للقرآن الكريم يتلوه من الدفة إلى الدفة لا يسقط منه حرفا" أو حركة وهو غائب - بسلوكه - كليا" أو جزئيا" عن معانية ومرامية، ولذلك وجدت أن محاولة ترجمة التعاليم القرآنية إلى سلوك هو الخلاص مما نعانيه ونقاسيه من ويلات الحياة وسياطها التي ألهبت ألسنتها ظهورنا. ولنبدأ بالحلقة الأولى من سلسلة (الترجمة السلوكية للتعاليم القرآنية)، والتي سنستعرض في كل حلقة منها آية نستشف منها إضاءات تعيننا على ظلمات الطريق، ثم نعرج على الترجمة / التراجم السلوكية لتلك الآية، وسنستهل رحلتنا بالآية الكريمة : 

(وذروا ظاهر الأثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون) الأنعام : 120

إضاءة

يظن السواد الأعظم من الناس بأن الآثام لا تكون إلا ظاهرة كالكذب والغش والفحش والدماء، في حين أن الآثام الباطنة كالحسد والحقد والخيلاء لا تقل فحشا عن ظواهر الآثام !

إضاءة

الحسد والكبر والحقد والمكر من بواطن الإثم ومن موجبات الجزاء بما يوافق تلك النفايات النفسية التي راجت روائحها الكريهة، فصيرت صاحبها كيسا" للنفايات المتنقلة من حيث يدري أو لا يدري.

إضاءة

الحسد اعتراض على حكمة الله تعالى في تقسيم الأرزاق، وجحود للنعمة أو تقال للنعم التي أولي الحاسد إياها. ذلك الاعتراض ينبت السخط في قلب الحاسد، فتنقدح شرارات نار لا تفتأ أن تصير سعيرا" ترمي بشرر كالقصر، ولا تخبو أوارها إلا وقد أحالت الحاسد إلى قابيل - قاتل هابيل. أما جحود النعمة فيوجب زوالها، وبذلك يغدو الحاسد صفر اليدين وصفر الروح !

إضاءة

الكبر استعلاء في النفس، نجم عن وفرة في مال أو غزارة في علم أو حسن في جسد. والكبر إثم يوجب الصغار عند الله، فالسقوط من أعين الناس، ثم يختم ذلك بنازلة تصيب المتكبر تحطم برجه العاجي، وتشده إلى حضيض الذلة والمهانة.

إضاءة

الحقد شدة التوق للانتقام، والتربص لإيقاع الأذى بالمتربص به. والحقد متلف للنفس، ومظلم للروح، ومفسد للطباع، وفي ذلك من العذاب أشده.

إضاءة

المكر نصب للفخاخ واستدراج للمخدوع حتى تزل قدمه ويوشك عدمه. والماكر غير مدرك لحقيقة أن السهم الخادع لا يصيب سوى مطلقه، وأن الأحابيل لا يقع فيها غير منصبها، فالحياة صدى لا يرتد إلا كالصوت الصادر.

الترجمة السلوكية للآية القرآنية

1. قبل أن تخلد إلى النوم، سامح من أساء إليك لأن في ذلك راحة لبالك ورض لله تعالى. عندما نسامح وكأننا نزيل ملفا ذهنيا فيروسيا، فتزيد مساحة الصفاء النفسي والنقاء الفكري.

2. كلما تصاعدت أبخرة الحسد في نفسك أطفئ وقيدها بتذكر الحكمة الإلهية المطلقة في تقسيم أرزاق العباد، وتذكر النعم التي أولاك المعطي تفضلا وتكرما وتوددا.

3. حين يدعوك مالك للتكبر، اقمع تلك الدعوة بتذكر حقيقة  أنه لو بقي مع غيرك ما وصل إليك. وتذكر لحظة أن يدعوك علمك للزهو أن ارتطام بسيط للرأس على جسم صلب أو حاد قد تفقد معه ليس فقط علمك بل وقدرتك على التفكير في أبسط أمور معاشك، وتذكر أنك إن علمت شيئا فقد غابت عنك أشياء.

4. إن لم تكن تمتهن السياسة  فهذه الوصفة لك، وإما إن كنت من زمرة الممتهنين لها والمعاقرين لمكرها، فتطهر أولا من أدران السياسة لتنتفع بهذا الترياق : قبل أن تزرع شوكة تخز بها الآخرين تذكر أنه سينتهي بها المطاف في عقب قدمك، وقبل أن تنصب فخا تذكر أن أحابيله ستكون طويلة بما فيه الكفاية لتلتف حول عراقيبك وتشدك لتقع في براثن فخك.  الحياة، يا صاح، ليست سوى أصداء للأصوات الصادرة عنا.

 

كمال الهردي:  كاتب وروائي يمني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم