صحيفة المثقف

الخطاب الواعي تجسير بين ضفتين .. لقائي بالشيخ عبدالفتاح مورو

mustafa alomariيمتلك الخطاب العقلاني الديني مساحة متدنية في الوجود الواقعي بالمجتمعات العربية والاسلامية، إذ عادةً ما نجد ان الهيمنة للخطاب المُلغي المتشدد والمحرض على البغض والكره، لغة الظغينة التي ينفثها المشايخ أنتجت جيلاً يفكر بإحادية ويؤمن ان لا وجود للبشر على هذه الارض، الا أولئك الذين يؤمنون بالاسلام والمذهب الذي عليه ذلك الجيل الذي سُلب منه عقله .

لا أستغرب من حالة التطرف في مجتمعاتنا العربية والاسلامية لكني أستغرب من حالة الاعتدال والموازنة، التي تشح وتتلاشى بين الاصوات التي تدعوا للقتل والاقصاء. المجتمع الذي لا يخلو فيه شارع او زقاق من مكبرات الصوت التي تزدحم فيها الخطب والمواعظ والارشادات والاشارات الدالة على أن الاسلام يتعرض لمؤامرة، مؤامرة أريد لها ان تمر دون معرفة ماهيتها ومركزها، لكن المستفيد الاول هو من يشيع ثقافة المؤامرة نفسها .

قبل مدة زمنية كنت اشاهد الشيخ التونسي عبدالفتاح مورو وهو يخطب، خطبته الحماسية الواقعية ويحث متابعيه على استخدام الفكر كوسيلة منجية مما نحن فيه، قال الشيخ مورو في ذلك الخطاب:

(المدرسة التي من شانها ان تكوِّن مغيري العالم هي مدرسة الفكر، هي العلوم الانسانية التي هجرها الاسلاميون فهجرها الكثيرون من الناس.

مشايخ يعتنون بنواقض الوضوء واخرون يجيّرون لحكام ظلمة يطلبون منهم فتاوى فيفتون واخرون قابعون على ساحة الحياة يتكلمون عن الجن أنثى هو أم ذكر . من للشعوب اذا كان علماؤها يقبعون في وادي عبقر عند الجن؟ واذا كان مثقفوها لا ينظرون الى الواقع نظر المخالط له .أقول لكم أيها المثقفون يا صناع العقول، إصنعوا عقولاً في أمة العرب، التقدم لا يأتي بكثرة الاطباء وكثرة المهندسين وإنما يأتي بمن يدرك كيفية التغيير، لن تغيروا العالم بكتب فقهٍ تغيرون العالم بعقول واعية مدركة تتبنى القيم وتدرك ان القيم هي كرامة الانسان)

أذهلني هذا الخطاب العقلاني الواعي والقادم من أرض ابن خلدون، حتى اني نشرته في موقعي . عندها إنتابني إصرار على ملاحقة الرجل فيما يقول او يحاضر . قبل شهر تقريباً تلقيت دعوة من الناشط في القضايا الانسانية الاستاذ مثنى عبيدة لحضور حفل خيري، سيكون المتحدث الرسمي فيه الشيخ عبدالفتاح مورو، وفي الموعد المحدد 04-14-2017

ذهبت الى حيث الحفل، وفي زحمة الناس استقبلني شخص في الخمسين من العمر، قال انت مصطفى العمري؟ قلت نعم قال تفضل الى القاعة شكرته لأنه سهل عليّ أسئلة الاستعلامات، دخلت ومجاميع من الرجال والنساء جالسون وواقفون، أقبل نحوي الاستاذ مثنى وبوجهه المشرق وابتسامته الدالة على إنسانية متأصلة في ذاته، عانقني ورحب بي كثيراً، ثم قال لي اليوم حدثت الشيخ مورو عنك وقلت له ان الاستاذ والمفكر العراقي مصطفى العمري سيحضر الحفل، والعمري عنده كتابات ينقد فيها الخطاب والنص الديني . شكرته ثم جلست، بعدها بدقائق قليلة، أقبل نحوي شخص سلم وما كاد ان ينهي سلامه حتى بادرني بلغة أميل الى الشدة: لماذا يا استاذ تكتب عن الاسلام بهكذا طريقة واسلوب؟ أنت تحاول إرضاء النصارى! وبلغة مستعجلة حاول ان يقول ان السنة النبوية خط أحمر وان أغلب كتاباتي تتحرش بالسنة والنص الديني عموماً . حاولت ان اتكلم لكي اسكته فلم يسكت، لكني قلت له لا استطيع الحديث معك اذا أصريت على المواصلة بهذه الطريقة .

و بعد حديث قصير عرفت ان الشخص يتكلم بعاطفة وليس بعلم، فواصلت حديثي معه عطفاً مني عليه وأعتقد انه أدرك ذلك .

لحظات واذا بالشيخ مورو يطل علينا فانقطع الحديث الاول، لكن حديثاً أخراً قد بدأ مع الشيخ ترتفع فيه لغة العلم والثقافة وهم المجتمع الذي ننتمي له، جلسنا سويةً ما يقارب الثلاث ساعات، دُعي خلالها الشيخ لإلقاء خطاباً ففعل، قال منتقداً عدم تفاعلنا مع القضايا المهمة والمصيرية، في الغرب الذي نسكن فيه، لم يسؤنا نحن المسلمون قتل أمريكي اسود في شيكاغو يدعو لحرية الانسان، لم يُخطب في مساجدنا لإدانة إغتيال مارتن لوثر كينغ . حاول وبإشارة ذكية ذكر حادثة الرجل القبطي الذي ضربة ابن عمر بن العاص ثم حث الناس على التفاعل والاندماج والانخراط في بلدان الغرب لأنها آوتهم ووهبت لهم الحياة .

عاد الشيخ من خطبته ثم دار بيننا حديث عن إمكانية نقد المقدس في التراث الاسلامي، إمكانية النقد التي أوهنها رجال الدين بطابع القداسة،حالت دون الوصول الى جزء يسير من التقدم الفكري الذي يحث عليه الشيخ مورو .

إكتشفت ان الشيخ يؤيدني في كثير مما أذهب اليه وأكتب فيه، لكننا إختلفنا في نقطة مهمة، تعمدت إثارتها فكنت حريصاً على ان أهمس في كل سؤال ويهمس هو في الجواب، كنت أخشى ان يسترق السمع احد المحيطين بنا، فجأة واذا بإحد المشايخ المصريين الجالسين معنا، يقطع حديثنا ويخاطبني يا استاذ " خليني أجاوبك على هذه الاسئلة الكبيرة" فاكتشفت ان بعضهم كان يسمع ما نقول وأدركت مخاطر الحديث مع عوام الناس، لكن الشيخ عبدالفتاح وبأريحية فيها نهر، قال لذلك الشيخ، يا اخي انا والاستاذ نتحدث انت لا علاقة لك بالموضوع ! كان هذا الجواب مريحاً على قلبي المتورم من صعلكة رجال الدين وجهلهم وادعائهم الاحاطة بكل الاشياء .

الشيخ مورو يملك إنتقادات للنص الديني وللخطاب الديني، يساعده في ذلك خبرته وتجربته مع الواقع، فهو يحاول رفع الناس الى حيث الفكر والتقدم لا الى حيث يوجد التاريخ والقتل والالغاء وهو القائل : لن تغيروا العالم بكتب فقهٍ تغيرون العالم بعقول واعية مدركة تتبنى القيم وتدرك ان القيم هي كرامة الانسان .

شكرًا لرئيس الجمعية العراقية في مشكن الاستاذ مثنى عبيدة، لهذه الدعوة ولهذا اللقاء .

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم