صحيفة المثقف

الشخصـية الجزائـرية بين الأصـالة والعصـرنة

منذ فجر الاستقلال ومشكلة الهوية الجزائرية مطروحة بشدة وذلك كون الذين كتبوا عن التاريخ الجزائري قبل الاستقلال من العلماء المؤرخين دون الجزائريين، من الذين يختارهم الاستعمار الفرنسي أم الذين تأثروا به وعملوا على خدمته لغرس فكرة الانتماء الجزائري إلى أوربا عرقيا، ولقلة الدراسات الأكاديمية الصرفة التي يعود نتاجها لفائدة المجتمع الجزائري والعربي، كذلك فإن مشكلة الدراسات الموضوعية للهوية الجزائرية مطروحة اليوم بشكل ظاهر ولقد كتب عن هذا المشكل العرب بالشرق الأوسط وعند الباحثين في الغرب والفرنسيين خصوصا.

لهذا يستلزم علينا كجزائريين أصليين الكشف عن الهوية القومية الحقيقية وإبرازها للشباب الجزائري، من جيل الاستقلال والأجيال القادمة المتكونة من أطفال اليوم، لأن الوطن الذي يتمسك بقوميته ويحافظ على هويته وخاصة بثقافته الحضارية المبنية على العادات المتوارثة والتقاليد الأصيلة مع تبني العصرنة والتجديد بعيدا عن الانطواء والرجعية يعتبر بمثابة الإقرار الصادق عن الحقيقة الإنسانية المعاصرة لهذا الوطن، سواء كان وطننا الجزائر أم أي وطن آخر، ولو كنا نحبذ الأوطان الإسلامية فإننا لا ننفي غيرها.

وتبقى الهوية الوطنية نتاج للوحدة الجزائرية المتكاملة في كتلة واحدة، يعيش أفرادها تحت كنف الأمة المستقلة التي تعني في فحواها ضمان التضامن وتوطيد لأواصر الأخوة وترابط الشعب في علاقة دون مقابل نفعي يعود على أي طرف، أو صلات اجتماعية لا تحكمها المادة ولا تكون المصلحة الذاتية غاية لها، بقدر ما يكون الانتماء الحضاري والتاريخي والثقافي هو الذي يتحكم في التعامل المتبادل والاتصال المزدوج بين أفراد الأمة الواحدة، الذين يربطهم المصير المشترك ويجعلهم يحتكمون لضمير اجتماعي واحد.

الهوية... ذلك الإحساس الجماعي بالوحدة

إن هوية الأمة الجزائرية عموما ليست إلا ذلك الإحساس المتبادل بين أفرادها والمشترك مع الواقع الاجتماعي وقيم الشعب الثابتة والمحصورة بالرقعة الجغرافية، لكن ونظرا لكون الدول العصرية تحاول بناء حضارات بعيدة ومتباينة عن الدول النامية، وبخصوص ما يدور في العالم اليوم نحو إنشاء تكتلات اقتصادية داخل وحدات سياسية ضخمة وكسر وتهديم بناء اتحادات أخرى أقل قوة ومتانة، تدعو إلى القلق حول مصير الوطن الجزائري خاصة والأمة العربية الإسلامية عامة، ويتسع القلق أكثر إذ ما عرفنا أن الهدف من وراء هذه الاتحادات السياسية والاقتصادية وبالتحديد القادمة من أوروبا نابعة من أسباب قديمة وضغينة مدفونة في أعماق ذاكرة الاستعمار، وأغلبها تحاول توجيه تحرشات سيئة لاستفزاز الجزائر القوية والرائدة في ميدان التعامل الدبلوماسي العبقري من أجل النهوض والتحدي العالمي نحو إرساء قواعد عالمية عادلة، كما صنعت سياستها في السبعينيات والدعوة لانعقاد جمعية عامة طارئة لهيئة الأمم المتحدة تكرس فيها مبدأ المساواة في التعاملات الاقتصادية الدولية، وهذا ما يجعلنا ندعو إلى التقوية والحرص الكبير على مقومات شخصية الشعب الجزائري الذي ينادي بالعزة والكرامة للوطن ولباقي شعوب العالم المضطهدة والمستبدة.

واليوم أيضا، ومن أجل النهوض في وجه العالم المتقدم، خاصة الدول المسيحية إلى جانب إسرائيل الذين يحاولون كسر المقومات الإسلامية العربية في أغلب الدول المبنية على هذين العنصرين من الشخصية، خاصة ما يظهر في التعامل الاقتصادي من المساعدات التي تقدمها أمريكا وألمانيا وغيرهما إلى إسرائيل في صورة هبات مالية ودعم عسكري دون مقابل، وما تحاول بعض الدول المتقدمة من صنعه في تدعيم مالي ومساندة الجماعات الإسلامية المتطرفة، بل ويتعدى الأمر إلى التخطيط والتزويد بالمعلومات والأسلحة من أجل ضرب اقتصاد الدول ذات الانتماء الإسلامي وخلق نوع من القلق واللاأمن إلى أن تصاب هذه الدول بأزمة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي كما جرى في الجزائر ويجري اليوم في العديد من الدول العربية والإسلامية، وهو إن كان الصراع ما بين منظمة شبه عسكرية لتيار إسلامي يحاول الوصول إلى السلطة في مقابل منظمات إرهابية تحاول زرع الخوف والرعب في أوساط الشعب بدون هدف سياسي أو انتماء بالرغم من تبنيها للإسلام عنوة لتشويه سمعة ديننا الحنيف الذي يدعو إلى التسامح بين المسلمين والتعايش السلمي مع باقي الدول التي لا تنتمي إلى الإسلام ولا تكن له الحقد، وتحاول هذه المنظمات المدعمة من أعداء الأمس ضربه في عقر داره لما تتاح لهم الفرصة، فما كان الإسلام إلا دفاعا ولم يكن منذ ظهر مصدر للعنف والإرهاب قط.

ولقد آن الأوان للأجيال الجديدة وبالخصوص جيل الاستقلال في الجزائر أن يتعرف على المقومات الإسلامية العربية والبعد الأمازيغي التي بنيت عليها الشخصية الجزائرية وتكونت كتلة الأمة المتحدة جغرافيا وعرقيا واجتماعيا، فإن معرفة البنية الأساسية لهوية الأمة المنتمي إليها تساعد على الاتحاد الوطني الكبير، والانصهار داخل المجتمع تحت راية واحدة ورقعة واحدة ومبادئ واحدة، وحتى يتسنى له امتلاك القوة للدفاع والذود بلا هوادة على مكاسب الأمة الجزائرية والوقوف ضد أعدائها من الخارج والداخل، فيجب على هذا الجيل ألا يرجع إلى الوراء سواء البعيد أو القريب – إلا بالذاكرة التاريخية – ليكون مستقبله نحو التطور والنهوض، لا الخضوع والاستبداد كما قاسى هذا الوطن من المحن والمآسي التي شهدها عبر الزمن، فكانت بذلك من أعسر وأسود أيام تاريخه وأحلكها، خاصة عندما وطأت الأقدام السوداء للاستعمار الفرنسي في الماضي القريب أرضه، أين كاد أن يُفقد الجزائر القومية الأصلية، فكانت البداية قبل ذلك على يد أصدقاء هذا الوطن وإخوانه في الإسلام، وهم الأتراك الذين فهموا الإسلام فهمًا خطأ وأدخلوا عليه عاداتهم إلى جانب انغماسهم في الترف والملاهي أثناء الحكم العثماني في مرحلة الضعف، وبطشهم في السابق على الغرب وعلى سفنهم السابحة في البحر الأبيض المتوسط، مما جعل الجزائر فريسة انتقام قريبة منهم وفي متناولهم خاصة بعد تدهور الأوضاع أثناء ضعف الدولة العثمانية كما ذكرنا، كما أن محاولة الهيمنة المحلية والداخلية مباشرة بعد استقلال الجزائر، ومنها الصراعات الفئوية والجهوية حول السلطة، وتعدد الإيديولوجيات حول البناء السياسي والاقتصادي للجزائر المستقلة، أدى إلى سوء فهم المقومات الأساسية للشخصية الجزائرية، مما مكن البعض بإدخال عدة اعتبارات إيديولوجية في تقييم هذه الشخصية بحسب متطلبات النزعة السياسية الجديدة والمتمثلة في الحزب الواحد والحاكم، والمذهب الاقتصادي المتبني وهي الاشتراكية، وكذا الخيار الإقليمي العالمي بالانتماء لدول عدم الانحياز، كلها اعتبارات شغلت الجزائر عن قوميتها ولم يهتم أحد بالكشف عنها وإبرازها سواء من لطبقة المثقفة أو القاعدة من عامة الشعب.

من هنا فإن التطلع إلى الحقيقة الجزائرية للمعرفة القيمة والدقيقة لمكونات الهوية القومية كانت مخاوف الجميع، سواء المسئولين عندنا أو الساسة الأوربيين والعرب والذين ينتمون إلى العالم النامي، بالرغم من بساطة الحقيقة ونزاهة ما تحمله من نقاوة وتعايش، فإن الشعب الجزائري لم يختلف في أي مرحلة من الزمن حول حقيقة هويته بمختلف الاعتقادات والتوجهات السياسية قبل وبعد الاستقلال وحتى أثناء التعددية الحزبية التي تعتبر التعبير التلقائي والحر حول شخصية الفرد الجزائري وتفكيره في تسيير شئون الدولة الجزائرية المعاصرة.

إننا في هذا الوطن الحر لا يمكن أن نفرز الهوية الوطنية من عادات وأعراف الشعب المكتسبة منذ القدم، كما لا يمكن أيضا أن نبعدها من تعاليم الدين الإسلامي العريق ولا عن العروبة والعربية ومدى تأثيرهما على فهم الأشياء المعنوية والمادية والفيزيقية وكذا الثقافة الأمازيغية والإسلامية العربية التي اكتسبتها الأمة بالتجارب الشاقة عبر السنين الطويلة والمد التاريخي البعيد، كما تلعب الحتمية الجغرافية دورها العام في تحديد الهوية الوطنية للجزائر، وتأثيرها على عاداتها وثقافتها ونمو شخصيتها، حسب موقعها الجغرافي من العالم، إذ وقعت الجزائر في وسط العالم وتعتبر بذلك همزة وصل بين العالم المتقدم والعالم الثالث، أي إنها عنصر مؤثر ومتأثر للثقافة والسياسة والاقتصاد بين هذين المجموعتين، وكذا تعتبر النواة الحقيقية للتفاعل الوجودي بين قطبين دينيين، أي القطب المسيحي شمالا بأوروبا والقطب الإسلامي جنوبا على شمال ووسط إفريقيا والعالم العربي أيضا، وحبذا لو يعزم ويعكف المثقفون الوطنيين لتزويد هذا الشعب كله بالمعرفة الحقيقية والمستفيضة لكل عنصر من العناصر المكونة للقومية الجزائرية، لأن جزائري اليوم، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي مرت بها البلاد، يطرح الكثير من التساؤلات حول شخصية بلده التي تبقى مبهمة، رغم العلم بمكوناتها الأساسية والمتمثلة في الإسلام والعربية والأمازيغية والثورات التحررية.

ولقد حان للجزائر الكبيرة أن تعلن للجميع على حضورها بقوة وسط هذا العالم الرحب والواسع، وتبرهن على وجود كيانها المستقل وذاتيتها الحرة، وعلى أملها الواعد بالرفاهية والخير للأمة والتعايش السلمي مع العالم أجمع دون حقد أو ضغينة، إلا لمن اعتدى على إحدى مقوماتها سواء وسط الرقعة الجغرافية للأمة الجزائرية أو على إحدى الدول التي تقاسم معها نفس المكونات الأساسية التي تعتمد عليها عناصر القومية الإسلامية والعربية، وليس هذا بجديد على الجزائر التي تقف دوما مع الضعيف من أشقائها، وإنما هو موقف خالد للجزائريين عبر التاريخ وهو اليوم نابع من خبرة العصور القاسية وسنين الحرمان ومنه فإن هذا الوطن تبنى في عهد القوة والعزة القضايا العالمية العادية والدفاع عنها دوليا، وهو مازال على الدرب يسير وفي نصرة العدل والحق مستمر إلى الأبد.

الإسلام أساس الهوية الجزائرية

ليس هناك مقياس صالح لكل الأمم في تكوين القومية ومثال ذلك أن الهند تحوي ستة ديانات وخمس عشر لغة إلى جانب اللهجات المحلية، أما الصين التي يعتنق شعبها خمس ديانات، وكذلك فإن هناك العديد من البلدان العربية تتعدد فيها الديانات مثل مصر وسوريا ولبنان والسودان وغيرها التي توجد بها ازدواجية في دين المجتمع، فإلى جانب الإسلام هناك المسيحية أو القبطية في مصر، كما أن المجتمعات الأوربية المسيحية منقسمة بين أورتودوكس وبروتستانت وكاثوريك وهي مذاهب متباعدة عن بعضها.

وفي الجزائر لا يوجد غير الإسلام دينا، فهو الدين الوحيد والعامل الرئيسي في تأليف القلوب بين أفراد مجتمع الأمة الجزائرية، فإذا وجد عندنا مسيحي فالحقيقية إنه مرتد عن الإسلام لأن الجزائريين لم يبقى فيهم مشرك بعد الفتح الإسلامي واستقراره في ديارنا، وأصبح لنا أصل الديانة. وبهذا لم يعد الدين في الوطن عامل ثانوي لتكوين الشخصية والقومية، وإنما له أسس وقواعد ساهمت مباشرة وبقوة في البناء الاجتماعي، وليس لعنصر الدين كعامل فعال ومؤثر في الدول الإسلامية كغيره من الديانات السماوية الأخرى أو العبادات للأشياء الجثمانية ومثل البوذية والهندوسية والسيخ والكونفوشية وغيرها، فإن الإسلام جاء عاما، للناس كافة، وجعل الله من الإسلام دينا للعالمين في الدنيا والآخرة حيث جاء في القرآن الكريم لقوله سبحانه وتعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دينا" سورة البقرة، وهو الإسلام الذي سخره الله عز وجل لخدمة البشرية في الدنيا، يدبر لهم في رزقهم وعلاقاتهم الاجتماعية والسياسية وفي العلوم الكونية والتجريبية والفكرية، وفي الآخرة جعله الدين الذي يهدي إلى الجنة ونعيمها، ولم يسخر عز وجل الإنسان لخدمة الدين إلا استثناء وذلك في تسخير الإمام والجنود المدافعة على الدين وكرامة الإنسان على السواء، ولم يكن هذا التسخير في حقيقة الأمر إلا خدمة للشعب المسلم الذي يجب أن يؤدي عبادته ومناسكه بكل حرية وفي وطنه الحر والمفدى.

كما أن الإسلام له ثلاثة ميادين للنشاط والتطبيق حسب ما جاء عن العلامة محمد الغزالي، وهي ميدان العقائد وميدان العبادات وميدان المعاملات، وتجد الشعب الجزائري من المتمسكين بشدة بعقيدتهم، كما أن ميدان المعاملات بين أفراد المجتمع من أكبر المؤثرين في تكوينه وحافز حضاري ساهم في البناء الثقافي والعمراني الجزائري منذ أن دخل الشعب الجزائري الأمازيغي الأصل في هذا الدين الجديد وعمل على نشره وحمايته، ومنذ ذلك الحين نشأت في الأمة الجزائرية علاقة لا متناهية بين الشعب والإسلام، وقد نرى أن الإبداع العصري والأساسي للقومية الجزائرية من ابتكار العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي، الذين أسسا معلم حضاري إسلامي خاص بالأمة الجزائرية دون سواها، حيث تختلف وتتباين مع المعالم الحضارية والثقافية للدول الإسلامية والعربية الأخرى، ولقد دافع العلامة بن باديس عن القيم الإسلامية كإحدى ركائز الهوية الوطنية، فكرس حياته خدمة للإسلام والعروبة والجزائر، وهو الذي أنشأ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وتعبيرا على منهجه السياسي التحرري جاء في إحدى قصائده الشعرية المشهورة :

شعب الجزائر مسلم*وإلى العروبة ينتسب

من قال حاد عن أصله*أو قال مات فقد كذب

إن الجزائر دولة إسلامية شعبها مسلم حر لا جدال في ذلك، ولا يوجد أمر يشاركه كافة الجزائريون كالإسلام، وقد جاء في دستورها بأن الإسلام دين الدولة، كما يحرم على المؤسسات القيام بأي سلوك مخالف للخلق الإسلامي، ويمنع أي تعديل دستوري يمس الإسلام باعتباره دين الدولة، به تدين وعليه تتحدد شروط الترشيح في مناصب الدولة، وأن عزة الإسلام وشرفه بالنسبة للجزائريين فوق كل اعتبار، يذودون عنه ويموتون من أجله، ولكنه في الصورة التي أراد الشعب أن يتمسك بإسلامه التسامحي، والذي يحبذ التعايش مع الجميع دون إقصاء وتمييز ولا يرفض أو ينبذ إلا أعداء الإسلام المباشرين، وهناك مغالطات كبيرة تبناها بعض الحاقدين على الأمة الجزائرية وأصدروا أحكاما في حق الانتماء الإسلامي للشعب الجزائري وخاصة في الحقبة الأخيرة التي مرت فيها البلاد بعشرية دموية سوداء، فأخذت بعض الدول والشعوب العربية في دعم وتمويل العمل الإرهابي، الذي غلطهم في سياسيته الإرهابية وفي نقاوة إسلام الشعب، الذين لا يريدون من وراء ذلك سوى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الجزائر وخلقهم جماعات إسلاموية مصطنعة ذات سياسة تشددية، تدمر أكثر من أن تبني، ومن ثمة يعتبرون أن هذه الأوطان ترفض التأقلم مع المجتمع المعاصر وتعادي النهضة الحديثة، بل وقد تؤدي بشعوبها في الاتجاه المخالف للتاريخ والمسار الزمني المتقدم نحو المستقبل.

وأكثر أولئك النافون للإسلام وأغلبهم عرب مسيحيين، إذ يعتبرونه مجرد عنصر من عناصر الثقافة العربية إلا أن هذه الفئة لا ترى الجزائر على حقيقتها، إذ الفرق بينها وبين المشرق واضح وواسع جدا بل مضاد تماما، فالأمة الجزائرية لها دين واحد هو الإسلام تدين به وتحتكم للمذهب السني، كما لديها اللغة العربية الموحدة، أما أغلب الدول العربية الباقية فرقته تعدد الأديان، حيث تجد من يدين بالإسلام مع اختلاف المذاهب بين شيعي باطل وسني يقيني وإن كانوا الأغلبية الساحقة، فهناك أيضا أقلية مسيحية، أقباط بمصر ويهود منتشرين هنا وهناك، ولكن كل منها يمثل قوة مادية وفكرية، استطاعت أن تسيطر على الوضع السياسي بالمشرق، إذ أنشئوا القومية العربية ووضعوها في إطار حزبي لكسر المقومات الإسلامية، وادعى بها زعيم الحزب السوري القومي الاشتراكي "أنطوان سعادة" من الدين المسيحي، وجاء بعده "ساطع الحصري" ومن بعدهما "ميشال أفلق" صاحب حزب البعث، وهم بجملتهم ينكرون الجامع العنصري العرقي والإسلامي للقومية، وليس ذلك إلا خدمة لأهدافهم المغرضة ومحاولة من القلة المسيحية السيطرة على الأوضاع السياسية والسلطة بالمشرق، وبالرغم من أنهم يبعدون الجامع الديني في تحديد مقومات الشخصية العربية، إلا أنهم يهدفون إلى سيطرة الجامع الديني للعرب المسيحيين، الذين يحاولون خلق مفهوم علماني يستوعبه العرب المسلمون، بل ويصبحون من أنصاره، ومنهم دعاة القومية العربية – من دون الإسلام – وهم أولئك العرب بما فيهم تلك النخبة الجزائرية، الذين لا يحسنون لغتهم العربية وهم تابعون للغرب لغة وثقافة، تجدهم اليوم في كامل التراب العربي والإسلامي يدعون للعلمانية من أجل هدم القيم الإسلامية داخل المجتمعات المسلمة، كما أن أعداء الحكم الإسلامي لهم أنصار كثر، وتجدهم داخل الدولة الإسلامية في كثير من المناصب السياسية العليا متخفين لعقائدهم، فهم يحاربون الإسلام من الداخل باسم اللائكية – العلمانية – كما لديهم في الخارج من يمدهم بجميع أنواع المساعدات المالية والمادية والخطط التدميرية، التي تصلهم من الأحزاب الشيوعية ودعاة العلمانية واليهود الذين مازالوا يحقدون على الإسلام، وما هذه النزعة القومية المنقضية إلا ستار لحركات تخريبية يراد من ورائها ضرب المبادئ الإسلامية وزعزعة المجتمع المسلم، وهم يبحثون دوما على غرس الشهوات والإدمان والشذوذ الخلقي والأفعال المخلة بالحياء، التي لم يعرفها المجتمع الإسلامي من قبل، بل هي من صنع هذه الحركات التي يمكن أن نقول أنها حملة واسعة ضد أمتنا قادها مسيحيون ضد الإسلام، وللأسف رغم رحيلها فقد كانت ناجحة إلى حد معقول أو القول إلى النسبة التي كانت ترجاها الحركات المسيحية (الصليبية) بالتعاون مع النزعة اليهودية، التي امتدت سياستها العلمانية والقومية إلى الجزائر في وقت معين، ومازالت أفكارهم يحملها بعض الساسة لانتهاز الفرصة الملائمة لضرب مقومات الوطن ورموزه.

التطرف الديني

إن الإسلام دين تسامح ولم يعرف التطرف والعنف أبدا، ومن يدعي عن الإسلام العنف والقوة البربرية، فهو لم يعرف الإسلام حق المعرفة ولم يدرس تعاليم الدين الإسلامي وأحكامه في المعاملات والقتال والسياسة والعبادة، ولقد ظهرت الفئة المتطرفة في الخمسينيات الأخيرة، ليس تعبيرا على الحكم الإسلامي بقدر ما هي سخطا على الحكم الاستبدادي، وحب سيطرة النخبة المكونة لهذا التيار والاستحواذ على السلطة، ولقد ظهرت في جميع البلدان العربية سلطات تريد الاعتزاز بغير الإسلام، فيستنكرون الحكم الإسلامي العصري بكل إيجابياته وسلبيات لنقص الخبرة والممارسة بالطبع، ويتعصبون للقومية العربية التي نمت للقضاء على العزة العربية في كنف الإسلام، وإذا كان الجزائريون قد صانوا الأمانة وبلغوا إلى ما وراء البحار في عهد الفتوحات الإسلامية، ونشروا الدين الحنيف بديار الأندلس، فهم بدورهم دافعوا عن الإسلام والعروبة عبر العصور التي تلت هذه الحقبة الزمنية، وقدموا أنفسهم فداء لهما ومازالوا يواصلون الكفاح المحتوم والمقدر لهم، وهم عازمون على ذلك إلى أن يقضي الله أمره فيهما، إلا أن الحكم الوطني بعد الاستقلال حاد عن المنهج القويم، ولم يكن ذلك إلا اعتقادا من الساسة الأوفياء الذين تنقصهم المعرفة بالإسلام – وليس الإيمان مع إسلامهم الأكيد – وكذلك لانتشار الأمية والجهل والفقر مع نهج أغلب دول العرب لإيديولوجيات معاصرة، فقد نهج الحكام فور الاستقلال المنهج الاشتراكي وحاولوا قدر المستطاع انسجامه مع الهوية الجزائرية، فلم تنصهر الاشتراكية مع الشخصية الجزائرية الحادة، علما أنه طيلة الاحتلال الفرنسي كانت للمجتمع المسلم قوانينه التي تحكمه منفردا عن القوانين الفرنسية التي استطاعت أن تتماشى مع دول الحماية، وبالرغم من أن الجزائر مستعمرة فرنسية اعتبرتها جزء منها، إلا أن أصعب أعمال البرلمان الفرنسي كانت في صياغة قوانين تحكم الجزائريين المسلمين، وعدم انسجام الجزائريين مع المجتمع الفرنسي طيلة الاحتلال لحقه عدم انسجامهم مباشرة بعد الاستقلال مع المجتمع العربي، لأن الجزائري لو خير بين العربي المسيحي وغيره المسلم لأختار المسلم مهما كان جنسه، مع العلم أنه لا يرفض العربي الذي يفضله عن الأوربي من نفس دينه، وعلى أي أعجمي لا يدين بالإسلام، هذا لأن الطابع العرقي الجزائري يتصف بشدة الاعتناق والإيمان بالأشياء من ملة وفكر، والغيرة على الدين وحب الافتخار بالإسلام، فإن العنصرية الجزائرية مبنية على القوة والعنف، ولما جاء الإسلام استطاع أن يلين من مزاجه وحدته.

ولقد ظهر في العشرينية الأخيرة تيارا إسلامي، بدأ مساره بالدعوة والإرشاد الديني، وكان خيرا للأمة الجزائرية إذ ساهم بقدر كبير في بعث الصحوة التي شهدها المجتمع الجزائري، لكن لوجود نوع من الاستبداد السياسي وخاصة في فشل الاشتراكية وعدم استمرار صلاحية الحزب الواحد، وخاصة عند قيام السلطة الحاكمة بعدة اصطدامات مع الدعاة المسلمين وتم اعتقال العديد منهم على إثر ذلك، فساعدت على إنماء أفكار جماعات جديدة من الدعاة في السجون لأن الوسط ضيق ويستوعب التلقين جيدا، إذ وجدوا الحقل خصب لغرس ونمو أفكارهم بعد ذلك داخل المجتمع الواسع، فبدأوا بالحملات ضد السلطة باسم الإسلام واقتنوا لأنفسهم أسماء طنانة ورنانة مثل: أبو حمزة، عبد الرشيد الأفغاني، أبو قتادة وغيرها...

وما يحمل هؤلاء الدعاة إلا بضاعة هينة وضئيلة من زاد التعاليم الإسلامية والتاريخ السياسي والتشريعي الإسلامي ولا يجد فيهم من هو ملم بالفكر الإسلامي، بل إن أولئك الذين لا يصلحون أن يكونوا دعاة لا تجد فيهم من يعرف عن العالم الحديث شيئا من التكنولوجيا أو يفقه فلسفة العصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وطالما نبذ علماء الإسلام هذه التصرفات وتبني الدعوة من أشخاص محدودي الفكر والعقيدة، إذ هذه الفئة عملت على استغلال الوضع الاجتماعي المتردي وغضب الشعب وسخطه على السلطة من أجل جلب عدد كبير من المناصرين أكثرهم أميين أو أنهم لا يفقهون من الإسلام حتى أركانه الخمسة، وأكبر دليل على ذلك أن هذه الفئة من الدعاة تمتنع من اللجوء لتقديم بعض التفسيرات الشرعية لبعض الأمور والتصرفات التي تقوم بها كما تتهرب عن تبرير موقفها ومنهجها طبقا لقواعد الإسلام، فإنها لا تتخذ إلا الشعارات الرنانة من أجل الوصول إلى ما تصبوا إليه نفوسهم وأهوائهم، وقد يستعملون في ذلك أساليب عدة من بينها أن الإسلام يملك الحلول لكل المشاكل والأزمات ولا وجود للاجتهاد مع الكتاب والسنة، وما ذلك إلا لإبعاد تابعيهم السماع إلى علماء الفقه والعقيدة وبلجوئهم إلى هذه الأساليب ووجود كل الأبواب مقفلة أمامهم لجئوا أخيرا لاستعمال القوة والعنف والتطرف الذي أطلق عليهم فيما بعد باسم الأصولية. وما هذه التسمية إلا جرعة سم ضد الإسلام أراد التطرف اللائكي منها أن يحارب الإسلام من داخله، ولا فرق بين القطبين، التطرف الديني سواء تبنى الإسلام وهو بذلك في ضلالة لأن الإسلام دين تسامح وتعايش في السلم مع المجتمعات المجاورة، والإسلام بريء من أولئك، وسواء التطرف اليهودي، كما يصنع التيار الصهيوني بالمسلمين على أرض فلسطين، وهي دعوة عنصرية عقائدية بالدرجة الأولى ولا خلاف فيها، وأيضا هناك التطرف المسيحي ضد العرق التركي، من المسلمين في كوسوفو، وهي محاولة من جنس الصرب للقضاء وإبادة هذا الجنس بحاله وتطرف جديد بأقصى الشرق ضد المسلمين.

أما اللائكية فهي أصعب وأشد تطرف يمكن تصوره، فأغلب التيارات السياسية العلمانية التي بدت خاصة في العالم العربي والترك والجزائر تحديدا كظاهرة جديدة وانتقالية تحاول إشعال نار الفتنة بين السلطة والتيار الإسلامي سواء المتشدد أو المتسامح في علاقاته، الذي يعد أكثر تحضرا وعصرنة من التيار اللائكي في حد ذاته، وأكثر هذه التيارات مساندة من الغرب – فرنسا – التي تحمل في أعماقها فكرة عداء وتضاد للفكرة الإسلامية، وهي تحاول إهانة وكسر القومية الجزائرية اعتمادا على التطرف الديني وبمساعدة العلمانيين الناكرين للحكم الإسلامي، ويدعون بعدم إمكانية الخلافة، ولكنهم لم يستطلعون على التاريخ الإسلامي والخلافة المبنية على أسس ديمقراطية، وما ينقص الجزائر الحديثة والمعاصرة إلا الاسم عن الخلافة الصادقة والحقيقية التي عاشها المسلمين بعد الخلفاء الراشدين وخلافة العادل عمر بن عبد العزيز، فإن تغيرت تسمية الرئيس بالخليفة وتركنا تركيبة النظام الحالي، هل نكون قد عدنا بأدراجنا إلى العصور الغابرة، حتى ولو استعملنا أحدث الوسائل العلمية والتقنية والاتصال الإلكتروني؟ بل إن عصر الخلافة كان أكثر عدلا لا ديمقراطية من الدول العربية الحالية، كما أن انتخاب الرئيس الحالي في عهدته الأولى والثانية يعد أنموذج حي للأسلوب الإسلامي، الذي مر عبر المساندة والتزكية ثم الانتخاب، ولقد جاءت العملية تلقائية وتماشيا مع الوضع، ولم يكن ذلك لجوء إلى الأسلوب الإسلامي القديم، بل صدرت التزكية والمساندة من طرف جماعات سياسية منظمة حسب الموقف الذي يعبر على تدهور الوضع في الجزائر، ووعد الشخصية السياسية المتمثلة في شخص السيد عبد العزيز بوتفليقة وبرنامجه الذي تطرق إلى إعادة الاعتبار لجزائر العزة والكرامة، وبالفعل فهذا ما تسير عليه الأمور منذ توليه سدة الحكم، وبدأ في تطبيق برنامجه الراقي، مانحا الصدارة لاستعادة الوئام المدني، والقضاء على ظاهرة العنف والإرهاب بطريقة سلمية ولم يستعمل فيها أي نوع من أنواع العنف والقتل، وذلك عن المصالحة الوطنية التي باركت ميلادها كل الأحزاب الديمقراطية والإسلامية والوطنية والمنظمات والجمعيات، وانتخب عليها الشعب في استفتاء واسع ومضمون النتيجة مسبقا لإيمان الشعب بفحواها وثقته بالقائمين عليها، لما عناه من ويلات الإرهاب وتحرش الدول الغربية والمجاورة على توتر الوضع في الجزائر حينها.

إسلام الجزائر

للجزائر إسلامها الخاص، إذ شكلت مباشرة بعد الفتوحات الإسلامية المباركة، الشغل الشاغل لهذه الأمة، فأصبح لصيق بالقومية، ولكن يبقى انتظار العلامة بن باديس والمفكر مالك بن نبي، اللذان أبدعا القومية الجزائرية وإبداع الأسس الحقيقية التي تمثل هذه الأمة في تعاملها وشعورها بالوحدة الوطنية، وإن القومية الجزائرية حسبهما هي التي لا يوجد انفصال بين الإسلام والعروبة، مع ضرورة التوفيق بين القيم الأساسية للإسلام وضروريات العلم المعاصر وهذا بخلق تنظيمات تتقارب من القيم الإسلامية، تبنى على أسسها علاقات لامتناهية بين الإسلام والدولة الجزائرية، وبهذا فهما يحبذان الاجتهاد السني لعلمائنا، وليس أي اجتهاد، بل هو العمل على التنسيق بين المبادئ الإسلامية والعقلية الجزائرية وربطها بمتطلبات العصر ولتتماشي مع جميع أوضاع العالم الحالية، دائما في إطار قيمنا الإسلامية العربية والأمازيغية بالطبع، والتي حافظ عليها المجتمع المثقف وخاصة في إنشاء الزاوية، واعتماد المرابطية في البداية كنوع من الصوفية، التي تنوعت من العلاوية بعنابة والطريقة التيجانية بالغرب، وتبقى هذه الطرق الصوفية بالزاوية تنشط في إطار السنة، كون المذهب الجزائري سني مالكي بكل التراب الوطني وسني إباضي بمنطقة بريان بالميزاب.

وبهذا فلا يمكن فصل الدين – الإسلام – عن السياسة، وبالتالي أيضا لا يمكن أن تقوم سياستنا على الطائفية الدينية أو النخبة الإسلاموية المتعصبة، إن الدين عند الجزائريين هو تربية خلقية مدنية، وطبع للتعامل في علاقاتنا الدولية والسياسية، ليتسم الحكام الجزائريين بالصدق والوفاء والأخلاق الطيبة والدفاع عن الحق لأنها ركائز الإسلام الذين تربوا عليها ولن يتخلوا عنها أبدا.

وتبقى دعوة الجزائريين إلى دولة القانون في ظل أحكام الإسلام لها طابعها المميز عن كل دعوة من هذا النوع، فإن القومية الحقيقية لدينا هي التي لا يوجد فيها انفصال بين الإسلام والعروبة وروح الانتماء لهما، لهذا فإن أهل الدعوة في الجزائر يختلفون عن غيرهم في أمور كثيرة، برغم مشاكل تبني بعض العصابات الإرهابية لمسار الدعوة والصحوة الإيجابية، التي أصبح العالم وكذلك الجزائريين ينظرون إليها باستنكار وهذا لأن المنتمون لعصابات الجهادية المتشددة، هم أولئك المنبوذون من المجتمع لا غير، اعتمدوا التطرف الديني لإرضاء شهواتهم وعقولهم المشوشة بالهواجس والخرافات، ولكنهم يجهلون أن الإسلام الذي يعتمدون عليه يمقت تصرفاتهم وأفكارهم بل يحرم كل ما يقومون به، وإن كانوا يظنون محاربة الطغاة في معتقدهم، فهم الذين أصبحوا طغاة بقتلهم الشيوخ والنساء وحتى الأطفال الأبرياء دون النظر إلى إسلامهم، وأن هدر دمائهم حرام، ومن المؤكد أن اعتمادهم على العديد من المذاهب صارت خطأ ومن بينها تبنيهم الإخوانية والتكفيرية والتهجيرية والشيعية ولقد جاءت كلها مستوردة من دول الشرق مثل إيران وباكستان وأفغانستان وكذلك مصر والسودان، وهي كلها تدعو إلى الضلال أكثر مما تدعو إلى الإصلاح والصحوة، ما عدا ما جاءت به جماعة الجزأرة التي تبنت السلفية التي توافق مبدأ مالك بن نبي ولكنها لم تستمر في متابعة المنهج القويم فحادت عنه، بعد أن تأثرت ببعض أغاليط المنافقين الذين يدسون في وسط الجماعة، ويصدرون الفتاوى المصطنعة والمحرفة عن موضعها ليوقظوا نار الفتنة في الجزائر وقد أصابوا ونجحوا إلى حد معقول في أن أصبحت البلاد موطنا للدم والانتقام من الأقارب والأبرياء من أهل البلدة دون أدنى حق، وأبيحت المحرمات من دم ومال وعرض.

كما تجلت ظاهرة الأحزاب الإسلامية، التي تبنت المنهج الإسلامي في تسيير البلاد وتعاملها الاقتصادي الوطني والدولي، وخصت به نفسها دون غيرها من الجزائريين، كان هذا في بداية التكوين والظهور، ومع مرور الزمن بدأت هذه الفئات تتفتح بالفعل على العالم السياسي، قياسا مع الأحكام الإسلامية الحديثة، فأصبحت تتقبل كل مسلم له حزب سياسي ذو قطب ديمقراطي أو وطني، فهو بالنسبة إليها لا يتنافى مع منظورها ومنهجها، ما عدا دعاة العلمانية الذين يجحدون ما أنزل الله من حق وعلم، فيؤمنون بالجزء المتعلق بالعبادات وينكرون كل ما تعلق بالمعاملات الاقتصادية والعلاقات السياسية، بل حتى قوانين الأسرة والأحوال الشخصية يحاولون تغييرها بعد أن أخذت شوطا من التقدم والتطور الفكري الذي تحسدنا عليه دول العالم.

لقد جاءت فئة الإسلاميون كتطرف ديني محتكر، وقد يرجع هذا الاحتكار لوجودهم لوحدهم في الساحة، ولأنهم أشخاص لم يجدوا أنفسهم في المجتمع، فاستعملوا الطرق الجريئة في نبذ التقاليد والعادات التي تقيد عناصر المجتمع، مثل اللباس الأفغاني من سروال قصير وعباءة – قميص – قد يجذب الكثير من المناصرين، لكن القلة التي تستطيع لباسه كون دخيل على تقاليدنا، وكذلك الخطابة بأسلوب ركيك لا يستعملها إلا الجريء حقا، لكونه لا يفصح في اللغة ولا هو ملم بأمور الدين، إلا فئة قليلة قد لا تجد نفسها وسط هذا الرعاع، إن هذا الأسلوب كونه البديل المؤقت والانتقالي للنظام الفاشل والفاسد، ولكنه أيضا يعتبر البحث عن الشخصية القومية في أماكن لا تعبر بالضرورة عن الشخصية الحقيقية للشعب الجزائري، الذي بنى عاداته ومقومات هويته على قواعد راسخة، فهو لا يؤمن بالتهديد والإرهاب سواء من الداخل أو من أي طرف خارجي مهما كانت عظمة قوته.

لقد رفضت الجزائر القومية العربية كونها تعتبر نوع جديد من اللائكية وسلاح صارم لمحاربة الإسلام، لأن الجزائري يعرف جيدا الفرق بين العروبة كقومية والعربية كلغة عريقة فإن عربيتنا لا تعني عروبتنا، لذا فإننا نرفض العروبة ما لم تبنى على القواعد والمبادئ الإسلامية. ودعاة العروبة الناكرون للإسلام وفضله عليهم يجهلون أن هذا الدين ينبذ النخبوية والجهوية والفئوية، وهو يعتمد في تعاليمه السمحاء على القيم النبيلة والأخلاق العالية لتكوين مجتمع سامي بحضارته الإسلامية، راق بثقافته العربية، ولنرجع قليلا إلى أحداث كارثة التسعينيات، والأزمة الجزائرية الخانقة، وإشعال نار الفتنة بين الإخوة، فإن إلغاء انتخابات فازت بها فئة إسلاموية معتمدة رسميا، واعتقال الآلاف من مناضلي جبهة الإنقاذ المحل قضائيا، والقيام بمعاملات خشنة في التعذيب هي صورة من صور الاستعمار الفرنسي التي استعملها أثناء حرب التحرير للقضاء على الثورة ومحاولة إبادة مجتمع بكامله، وقد خرقت القوات الأمنية في بعض الحالات قواعد حقوق الإنسان، وهذا ما ترك باب الجهاد مفتوحا وصعود المتألمين والمتضررين من الوضعية وبعض المتابعين إلى الجبل للانتقام، وليس هذا سوى درس تطبيقي حول ما صنعه الثوار ضد المستعمر الفرنسي، فإن العملية التطبيقية هي نفسها، سوى أن في الحالة الأولى كان الجزائريون المسلمين بإيمانهم القوي وإسلامهم الضعيف يحاربون عدو الله وعدو الجزائر، ليخرجوا الكفار من ديار المسلمين، أما في الحالة الثانية فإنه وإن كان دعاة الحكم الإسلامي بإسلامهم الذي قد يكون قويا إلا أن إيمانهم الضعيف لم يرشدهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم في طلب حق ضائع، كونهم ساروا وراء أعداء الجزائر المسلمة، الصانعين للفتن، فحاربوا إخوانهم في الدم والدين وهم يعتقدون أن الأوربي أفضل من حاكم أو مسئول في الجزائر بالرغم من إسلامه وحرمة دمه.

والخطأ الكبير في كيفية نشأة الأحزاب الإسلامية إنها تكونت من أهل الدعوة أصحاب العمل العقائدي، في ظرف اتسم بالضغط السياسي، فتحولوا من عمل الدعوة إلى النشاط السياسي مع دخول القلة الجاهلة بالدين مما سبب الكثير من المتاعب والصراعات الداخلية وسوء اختيار المسار السياسي والمنهج الحسن، فأقصي الدعاة وحكم الانتهازيون، هذا ما جرى تقريبا داخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة وأحزاب أخرى داخل الوطن الجزائري مثل حركة النهضة، ورغم تبني هذه الأحزاب سياسات عالمية مثل حركة الإخوان المسلمين بمصر، والنهضة التونسية وحماس بفلسطين، فإن النشاط السياسي في الجزائر يختلف اختلافا كبيرا، ولم ينجح في فهمه إلا حركة مجتمع السلم التي من بدايتها عرفت كيف تخطط وتستفيد من أخطاء الآخرين، وأن مبادئها إسلامية تنبع من عمق الإسلام المتسامح، وأنها لا تفرق بين الجزائريين في الحكم، وأن كل حاكم ومحكوم ما دام جزائري فهو مسلم وله كل الحق في تولي الولاية، وأن وجود حزبها عبارة عن حمل مشروع الإنعاش الوطني مبني على قواعد الثقة والصدق والوفاء، ولا هو متطرف ولا محتكر للإسلام، ولا هو متفتح بقدر قبول اللائكية، بل هو فقط حركة وطنية ذات طابع وبرنامج إسلامي متسامح مع جميع الأحزاب الوطنية ويقبل التعايش في الوسط العالمي المعاصر.

وفي الآونة الأخيرة تفهمت كافة الأحزاب ذات المنهج الإسلامي أو ذات البرامج الإسلامية حقيقة الحركة المطلوبة للنهوض بالجيل المسلم في جميع الميادين، وأصبحت تسير في هذا المنهج السليم، فمنهم من ندم على مساره الأول وتمنى لو أنه سار على طريق العلامة بن باديس والمفكر مالك بن نبي اللذان صورا الإسلام الجزائري في أحسن صورة يمكن إتباعها أو التعبير عنها.

وتفاديا للانزلاقات والتشويش الخارجي فقد جاء في ديباجة الدستور على أن الإسلام أحد مكونات الهوية الجزائرية، وأنه دين الدولة كما جاء في المادة الثانية منه.

حرية المعتقد

لقد كان المجتمع الجزائري منذ وجوده يحترم حرية الرأي وحرية التعبير، لأن البربر الأصليون كانوا أبطالا، لا يهمهم بطش الحاكم إذا وجدوا ظلمه وجبروته يمتد إليهم ويطاردهم من كل مكان، فكان لهم الحق في الاجتماع والحديث في أمور الحكم المحلي والعام، ونقد تسيير الحكام إذا أخطئوا، ويتربصون للاستعمار الذي طال أمده وتنوع جنسه، فقد حاربوه في كل مكان وزمان، وكان همهم الوحيد سلامة التراب والوطن، وكرامة الشعب الأمازيغي الأصل، والقضاء على كل مستوطن مستعبد، فبالرغم من حبهم للسيطرة والتحكم في زمام الأمور فإن صراعاتهم على السلطة وشدتها كانت تقودهم دوما إلى تبني الديمقراطية في الانتخاب والتعيين، وقد يناط بالحاكم مهام شاقة منها تشجيع الفلاحة وازدهار المدن الحضرية والسهر على التعليم والقيام بالعناية بالعلماء ، والقيام على الأمن في عدم انتهاك الحرمات، وحماية الأسرة الأمازيغية وشرفها وهو الحفاظ على عرقها النبيل وحماية الحرية في التدين قبل مجيء الإسلام، أما بعد الفتوحات الإسلامية فلم يبقى بيت واحد إلا ودخله الإسلام وأسلم بمن فيه.

إن المجتمع الجزائري حر، يمارس سيادته بحرية، يسير بلاده عن طريق نوابه الذين أختارهم بكل حرية ودون ضغط خارجي، وهو يعمل على حماية الحريات العامة والخاصة بالتقاليد والثقافة المحلية والشخصية، لكل مواطن الحرية في الإبداع والابتكار، ولا يمكن لأي كان من المسئولين في الدولة أن يستصدر حريات المواطنين ويميز بينهم بسبب الرأي أو العرق أو الجنس، وأن الأساس في العلاقات أن كُنْ جزائري واعتقد ما شئت في رأيك الشخصي، الذي لا يمس بالإسلام والعربية والأمازيغية وكذا ثوابت الثورة التحريرية، وبهذا فإن كل من عبر عن رأيه بحرية يمنع الغير من ارتكاب العنف البدني عليه أو المساس بكرامته، لأنه عبّر عن رأيه الذي يكتسي الحرمة والحصانة الدستورية قبل كل شيء، ثم الحق في تمديده بالإمكانيات المادية لإبلاغ رأيه بصراحة ونزاهة، لهذا فإن المواطن له الحق في التأليف والاتصال والتجارة والابتكار والسكن والتعليم السليم والتعبير الفردي والجماعي المنظم، ولا يضمن هذه الأمور إلا الدولة أو السلطة الحاكمة، ولقد عبّر عنها الشعب الجزائري تحت وطأة الاستعمار، إذ استطاع العلامة عبد الحميد بن باديس أن ينشأ مدارس لتعليم القرآن الكريم، ومع نهاية الثمانيات جاء دور حرية التعبير مع كل الوسائل وخاصة الإعلامية منها، في الجرائد والتلفزيون، وتكوين أحزاب سياسية تعبر عن رأيها السياسي المنتهج لدى كل مجموعة، وطريقة اعتقادها بالأسلوب القويم لإخراج البلاد من أزمتها والنهوض بها نحو الازدهار والرفاهية المادية وسمو الأخلاقي.

وبعد أن تبنت الجزائر إحدى أساليب التعبير الحر، أخذته عن العالم المتقدم أصبح لكل مواطن الحق في الاعتقاد السياسي والانتماء إلى الرأي الذي يناسبه سواء كان ذلك بالانضمام إلى حزب أو نقابة أو جمعية أو منظمة وغيرها من النوادي الأدبية والشعرية والثقافية.

ومع ذلك فهي نموذج جديد للتعبير عن المعتقد الأفضل والذي يتماشى بالطبع مع العادات والتقاليد والثقافة الوطنية الراسخة، وقد ترى أن المنتمين لهذه التجمعات السياسية والثقافية والعمالية والاجتماعية يحاولون التحرر من الأفكار الرجعية والتخلف الذهني الذي وضعه الاستعمار المهيمن، كما تحاول هذه الفئات بناء تصور حضاري راق له جذور تستمد من أعماق التاريخ الوطني وفروع تشع بآخر ابتكارات التكنولوجية الصناعية والإعلامية، إنها الحداثة التي تمتد إلى العولمة في نشاطها ومعرفتها والتحفظ في مبادئها ومنابعها الأصلية.

العربية أساس الهوية الجزائرية

إن العربية هي اللغة الوحيدة المشتركة للمجتمع الجزائري، فبدونها لا وجود للأمة، وقد عبر عنها الدستور الوطني في مادته الثالثة على أنها اللغة الوطنية والرسمية للجزائر،  فهي بذلك العنصر الأساسي لإبراز الشخصية الوطنية ونضجها، وهي جزء من الكيان الجزائري، مثلما يعتبر العضو من الجسد، فلا يمكن نزعه أو استبداله، كونه لصيق بالأصل، والعربية باعتبارها اللغة الرسمية فهي في نفس الوقت أداة تداول الآراء والتفاهم بين التجمعات الاجتماعية والسياسية المختلفة والمتواجدة داخل القطر الجزائري، كما تلعب دورا حاسما في التكوين الوطني، وبهذه اللغة الحضارية فرضت الجزائر نفسها وأكدت على وجود شخصيتها المستقلة عن الاستعمار الفرنسي في العرق والدين واللسان.

ولا يملك الجزائري لسان فصيح ما عدا العربية بها يبدع ويتصور، وإن أي عربي – من المشرق إلى المغرب – يدعي قصور العربية ويدعو إلى استعمال لغة أجنبية في أي مجال تقني وتكنولوجي فهو يعد مرتكب جريمة مخلة بشرف الأمة، وما القصور إلا لعدم اجتهاد القائمين على الدولة وأهل الاختصاص في التعريب والنشأة للفكر العصري والجديد، فهو نتاج لأزمة العصرنة والحداثة لا غير.

وليتأكد جميع العرب أن الشعب العبقري أو المجتمع المعاصر لا يبدع ولا يبتكر إلا بالأداة التي تنبعث من أصله، وتكون قد نمت فيه من الولادة وترعرع في كنفها وتطورت معه طبيعيا، وهذه الأداة إنما تتحدد في دينه ولغته وثقافته المحلية، وليس ضعف الإبداع والتطور التكنولوجي العربي عامة والجزائري خاصة نابع من ضعف استعمال المجتمع للغة العربية، فلا إبداع حاصل ولا تطور بالغ ولا حيوية ناشئة ولا نشاط مبتكر إلا بالعربية وإلى العربية يعود، فبواسطتها يبدع، ولا يغرنك مبدع عربي من دونها، فإن قياس التكنولوجية لا تكون على مقياس الفرد وإنما بمقياس الأمة، وأنظر إلى أمريكا ذات التكنولوجية العالية وما المبدعون إلا أجانب ابتكروا بلغتهم لأمريكا وباسم أمريكا، وكذلك في فوز بعض الجزائريين في الميدان العلمي والتكنولوجي سواء بأوروبا أو أمريكا أو اليابان، ويبقى دوما ما ينتجون يصدر في الحقيقة كتابيا بلغة الأم لا لغة الدولة المستقبلة للإطار، ويجهل الناكرون لفضل العربية والإسلام على حياتنا هذه وحبذا لو عرفنا استغلالهما لكانت حياتنا أفضل وأحسن، خاصة لغتنا التي أنزل بها القرآن العظيم وهو معجز علما ولسانا، كما أننا لا يمكن لنا تجاهل المجهودات التي تبذل من أجل تعريب الإدارة والتعليم العالي، خاصة وأن له ميزة مضادة حيث أن هذا التعليم والتكوين العلمي الجامعي باللغات الأجنبية له حدود معرفية عمودية لا يمكن أن يتجاوزها أحد من الطلاب والأساتذة والباحثين في الجامعات العربية، التي يسهل على الطالب استيعاب الدروس وعلى الأستاذ إلقائها بسهولة أكثر لو كانت بلغة الأمة التي تحمل عاداتهم وثقافتهم ودينهم ولسانهم.

لا عروبة بدون إسلام

أما العروبة فهي أمر آخر، تكون نافعة ومفيدة إذا ارتبطت بجميع مقومات العرب، من عادات وإسلام وثقافة، ولا يأتي من ورائها نفعا ولا ضرر إذا سيرها العلمانيون والشيوعيون العرب الذين نهجوا هذا السبيل لمحاربة المد الإسلامي لكل الميادين والنشاطات، وقد قاموا بوضع خلط ومغالط كبيرة ومتوقعة منهم لحقدهم على الإسلام، والاعتماد على محاولات كثيرة لكسر مقومات الأمة، واللعب الخفيف على الإيديولوجية الشيوعية المندثرة ومرادفات المعاصرة والحداثة والعولمة وعلى الحركة السياسية الداخلية وغيرها من تسميات تؤدي إلى هدم المقومات الحقيقية للأمة العربية، التي يخافها اليهود والنصارى في أن تبعث في يوم من أيام المستقبل فتعيد العرب إلى أمجاد الماضي وعزة العصر الذهبي، وهو آت لا محال ولا مناص منه.

والعروبة في الأصل هي تعبير صادق على كيان شعب له انتماء مستقل، وامتداد جغرافي مميز من المشرق الأوسط إلى المغرب الكبير، كما أنه تعبير مستقبلي له تطلعاته النبيلة والخيرة الخاصة به والنابعة من أصالته، يهدف من وراءها تشكيل كيان اقتصادي عربي موحد، وهو المسعى الذي تعمل كل الدول العربية جاهدة من أجل تحقيقه، لأن العروبة أولا وقبل كل شيء هي قضية لغة وعادات موحدة ومصالح مشتركة ومترابطة ومحن قاسية ومتقاسمة، بها يشعر العرب بالتبعية وولاء بعضهم لبعض لا إقصاء ولا تهميش، خاصة فيما يخص قضيتا الصحراء الغربية وفلسطين اللتان سوف تجدان الدعم الكامل من الجزائر كما اشتهرت بذلك دوما بمساندتها للقضايا العالمية العادلة فما بالك بدولتين لهم نفس الانتماء الديني واللغوي.

وللإسلام فضل كبير على العربية، لهذا فإننا نرى أنه لا انفصام بينهما، فلا عروبة بدون إسلام، ولقد أسدل هذا الدين الجديد الستار أمام اللغة العربية وعقلية العرب في مجال الفكر والكشف عن الغيبيات العلمية وطرح أمامهما مجال الفكر والبحث عن خفايا العلم والتقنية التي تدر بالنفع الدنيوي، وهو في حد ذاته إعجاز لغوي ووسيلة المحافظة عليها إذ هو حاميها من الزوال ومساعدها على الانتشار والتبلور والتطور، حيث تعتبر العربية مفتاح فهم العقيدة الإسلامية، وإنه إذا كانت العربية هي اللغة الرسمية لدى العرب، يبقى الحديث عن الدول الإسلامية الأخرى –الأعجمية – التي تعمل على تجسيد العربية كثاني لغة في البلد مثل ذلك في ماليزيا، تركيا، إيران، الباكستان، وكذلك في الصومال وموريتانيا فأصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية بعد انضمامهما لجامعة الدول العربية، لهذا فإن التفتح لا يعني نبذ المقومات الوطنية الأصيلة والتخلي عنها، لتبني أنماط ثقافية أجنبية وغربية، كما فعل الترك وهذا ما زاده فقرا و إذلالا من طرف أوربا، واليوم نرى أن تدخل العقلية الحقيقية والثقافة الأصلية التركية محاولة تغيير الوضع السائد والتبعية الفاشلة، وسوف تتمكن لأن هذه العقلية وهذه الثقافة التركية ذاتها انصهرت بعض سماتها داخل المجتمع الجزائري أثناء الحماية العثمانية كما انتشرت في أرجاء العالم العربي لتجد اليوم الدعم والمساندة على استرجاع أصالتها، وترى اليوم صورا منها ورغم ذلك لم تحمى هذه الثقافة من المجتمع العربي الذي لا يعتبر الحقل الذي بذرت ونمت فيه، هذا على الرغم من المحاولات الفرنسية لتدمير وهدم مراكز التعليم القرآنية والعلمية الموزعة عبر القطر الجزائري أثناء الاحتلال، وحملات التبشير والدعوة لاعتناق المسيحية بالقوة والإغراء، والتي لم تجد لها صدى أو جواب.

أخيرا يمكن القول أن في عالمنا العربي هناك دعوتان، دعوة " الوحدة الإسلامية " ورائدها جمال الدين الأفغاني، الذي دعا إلى قيام الدولة الإسلامية وتبنى المنهج الإسلامي في تسيير سدة الحكم والاقتصاد واقتباس القوانين ونشر مبادئ العدل والمساواة، وتبنتها من بعده الحركات والأحزاب الإسلامية مع كل من محمد عبدو، عبد الحميد بن باديس، عباسي مدني، الغنوشي والعديد منهم على الدرب يسيرون إلى الغد.

ودعوة " القومية العربية " ولقد انتشرت الفكرة التي جاءت عن طريق الأتراك من أوربا، بعد فشل الحكم الكنيسي ليتخلوا عن الدين في تسيير شئون البلاد، وساعد على انتشارها العلمانيين العرب المسيحيين وكذلك الشيوعيين من أمثال أفلق والحصري وعدة أحزاب في الجزائر وتونس وغيرها من البلدان العربية خاصة منها في الشرق الأوسط.

الأمازيغية أساس الهوية الجزائرية

إن الأصل العرقي لأغلب الجزائريين هم بربر أو أمازيغ، كما أطلقت عليهم هذه التسمية دلالة على لغتهم العجمية وطابعهم التحريري، وهم السكان الأصليين لشمال إفريقيا، وتنحدر سلالتهم من حضرموت باليمن، إذ جاءوا إلى شمال إفريقيا في غابر الزمن، ويربطهم مع العرب الجد سام الذي تنسب إليه اللغة السامية التي تعد مصدر اللغتين العربية والأمازيغية، وما الاختلاف في الألفاظ إلا لبعد الموقع الجغرافي واتساع المد الزمني فتطورت كل لغة بعيدة عن الأخرى، ولقد شهد الأمازيغ عدة حضارات منها النوميدية المشهورة جدا، والتي تركت بصماتها إلى العصر الحاضر، ومن أبطالها وحكامها القائد الشجاع حنبعل، كذلك مسينيسا في سنة 200 قبل الميلاد، كما تداول عليها يوغرطا ويوبا الأول إذ سقطت في أيدي الرومان والبيزنطيين، وحارب الأمازيغ لعدة قرون كل المستعمرين من الفنيقـيين والرومان والوندال والبيزنطـيين والإسبان والفرنسـيين. فما عرفهم المستعمر الأوربي إلا ثوارًا أحرارًا، ولقد اشتهر الأمير البربري تكفريناس بشجاعته وبسالته وحبه للحرية ورفضه للاستعمار الأوربي وأطماعه في دولة الأمازيغ التي لم تتوقف منذ عصور ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا.

 ولما ظهر الدين الجديد عند العرب، قرر قادة الإسلام يومها أن يساعدوا البربر في إفريقيا في كفاحهم المستميت ويحررونهم من عبودية الاستعمار والجهل، ولقد جاء الفتح الإسلامي إلى الجزائر مع عقبة ابن نافع في حوالي سنة 688 ميلادي أي بعد خمسون سنة فقط من ظهور هذا الدين الحنيف، وبعد أن استشهد القائد الفاتح عقبة ابن نافع على الحدود الأمازيغية، منحت القيادة إلى القائد البطل الفاتح حسان بن النعمان الذي شهد مقاومة شديدة مع الأمازيغ في البداية بقيادة الكاهنة، ومباشرة مع اتصال الأمازيغ بالجماعات العسكرية الإسلامية وعلماء الدعوة، عرفوا صدق الرسالة الإسلامية ونبلها، انفتحت قلوبهم للإسلام ودخلوا فيه أفواجا تاركين الديانات السابقة من مسيحية ويهودية وغيرها، ثم تابعوا بأنفسهم مسيرة الفتوحات الإسلامية العظمى عبر المغرب الأقصى والأندلس تحت لواء القائد البربري طارق ابن زياد الذي ينحدر أصله من مدينة خنشلة، كما عهدت بعض الولايات والأمور الإدارية إلى الأمازيغ الذين تعلموا بسرعة فائقة العربية وانصهر العرب في هذا الجنس بالمصاهرة والتعاون الذي كان شديد القوة والثقة للمساواة والاشتراك في تسيير شئون الدولة وأمور الشعب.

إن دخول الإسلام والعربية إلى الجزائر لم يكن بالقوة والضغط ويمكن استنتاج ذلك من أن الفاتحين لم يكونوا أغلبهم من العرب بل كان هناك الفرس والأفارقة، وخير دليل على ذلك أن قافلة الفتح الإسلامي يرأسها القائد الفارسي حسان بن النعمان، لذا فإن التفاف الأمازيغ حول العربية لم يكن وليد الصدفة وإنما هو تعبير صادق عن الأصل الذين انحدروا عنه سويا وهي السامية، إذ أننا لا يمكن أن نفرق بين الناطقين بالعربية في الجزائر هم عربا عاربة أم عربا مستعربة، إذ أن أساس التفريق بين الأمرين يكمن في العرق، وبما أن أصل الأمازيغ عرب اليمن، ثم حدث بعد الفتوحات الإسلامية امتزاج كامل في اللغة والدين، وزاد ذلك خلال قيام الدولة الرستمية الإسلامية وانصهار الثقافـتين، وكذا التأثير في الميدان العلمي وتكوين تاريخ وحضارة واحدة لمدة ثلاثة عشر قرنا، كما أن هناك عدة لهجات مستعملة في اللغة الأمازيغية على امتداد القطر الجزائري دون الكلام عن الأمازيغ المغاربة وغيرهم، فإن الجزائر بها عدة طوائف يفرقها اللسان وتجمعها الكلمات العربية المستوحاة منها، خاصة قبائل جرجرة والحضنة والصومام وشاوية الأوراس والنمامشة في الشرق والساورة والتافنة في الغرب وكذلك ميزاب غرداية وتوارق الواحات والأهقار إلى جانب اللغة العربية المتفرقة بالزيبان والمتيجة والتيطري والإيدوغ والونشريس وغيرها.

ولقد تلقت الأمازيغية بلهجاتها المتعددة نفس مصير اللغة العربية أثناء الاستعمار الفرنسي والوجود التركي، ولكن إصابة اللغة الأمازيغية كانت أشد وأقوى بما أنها قولية وغير مستعملة كتابيا ولا تتداول إلا في شكل لهجات متفاوتة الألفاظ والنطق، فلم يعد لها ميدان سوى كلغة ثقافة، وما زادها ركودا ابتعادها عن الأصل عند إنشاء أحرف بعيدة نوع ما عن السامية والعربية.

ويرجعنا التاريخ إلى أيام الفتوحات الإسلامية، حيث دخل الإسلام إلينا من طرف العرب والفرس والمصريين والأفارقة من ليبيا وتونس، ومع تعاملهم مع الجزائريين الذين قبلوا بالإسلام دينا لما رأوا سماحته وكرمه، فلما أعطوا قيادة الحكم في بلادهم دون منازع أو منافس عربي، وأن المسلمين جاؤوا دعاة لهذا الدين الحنيف، لا مستعمرين ولا مستبدين ألتف البربر حول العرب  والمستعربين من العجم، فتعلموا لغتهم وانصهر بعضهم في بعض،  وتصاهروا فيما بينهم، فلم يعد يفرق بين العربي والأمازيغي إلا لون البشرة ومسحة الوجه.

ولم يبقى أمازيغي لم يتعلم لغة القرآن إلا القليل الذين يسكنون على الجبال البعيدة التي يصعب على الريفـيين التأقلم السريع مع هذا الجنس الجديد ولغته بالرغم من إسلامهم، وأصبح بذلك الأمازيغ لا يفرقون بين الإسلام والعروبة، لكن هناك فئة قليلة استطاعت أن تفرق بين عروبة العرق وعربية اللسان، مع الشعور بالانتماء المشترك لكافة الجزائريين بأنهم أمازيغ، ويعبرون عن هذا الانتماء العميق للأصل الأمازيغي بشتى الوسائل الثقافية والتعامل الاجتماعي والسياسي، وحتى في الميدان العسكري فإن للأمازيغ طريقتهم في القتال والتكتيك المحكم لخوض المعارك التي تتماشى دائما مع البيئة والبنية الطبيعية للمنطقة، ولقد برهنوا على ذلك منذ الفتوحات الإسلامية وما قبلها إلى حرب أول نوفمبر 1954 ضد المستعمر الفرنسي، ومحاربة القوات الأوربية بأنواعها لإجلاء الاحتلال من الأراضي المغاربية إلى الأبد، كما أن كل الجزائريين – ولا أرى أوسع وأشمل من كلمة "كل" في القاموس العربي – مهما كان انحدارهم العرقي الذين امتزجوا مع الأمازيغ وانصهروا فيهم، هم اليوم مسلمين ولا يوجد في الجزائر غير المجتمع المسلم على خلاف بعض دول المشرق العربي ومصر والسودان، وهذا ما يبرر التفاعل الجزائري مع الإسلام والقضايا الإسلامية، وشدة الرباط بين الأمة الجزائرية ودينها الإسلامي على العكس مما هو عليه الوضع في المشرق العربي الذي توجد به أقلية مسيطرة سياسيا سواء مسيحية في لبنان وسوريا والعراق وأقباط مصر، واليهود بفلسطين الذين أسسوا دولة إسرائيل بقوة العنصرية الصهيونية، فإن الجزائر لا يوجد بها إلا الجنس الأمازيغي المسلم الحر.

وفي الختام أود أن أوضح بأن أزمة الهوية في الجزائر خلقت منذ الحكم العثماني وقدوم خير الدين بربروس وعروج إلى الجزائر ونزولهم في سنة 1516 حيث ترتب عنه ولاء الجزائريين للحكم التركي، ومع انحطاط الحضارة العثمانية وتدهور الأوضاع السياسية لحق هذا الانحطاط تدني الحياة السياسية في الجزائر، ثم سقوط الأمة تحت بطش الاحتلال الفرنسي الذي عمل بكل الإمكانيات المادية والبشرية لمحو الشخصية الوطنية، ومنها حملات التبشير وتعليم اللغة الفرنسية ومن الجهة المقابلة غلق المساجد ووقف المدارس العربية وزرع الخرافات والدجل.

وما يزال الفرنسـيين يسعون منذ نصف قرن من طردهم يحاولون خلق أسباب الخلاف والفرقة بين أمازيغ الجزائر ومن تعرب لسانهم وعاداتهم، ومن الأمازيغ من لا يزال محافظا على اللسان الأمازيغي والذي يتفرع إلى عدة لهجات بربرية، تتصل بعضها ببعض عن طريق الألفاظ المستوحاة من العربية والسامية أصلا.

العادات والتقاليد

يعتبر التراث الشعبي والعادات الشعبية العنصر الأساسي لتحرير قدرة الشعب المقهور بسبب جهله الهوية الشخصية الحقيقية ومكوناتها، وقد بدأت بعض الشخصيات المثقفة تبحث من أجل استعادة استعمال هذا التراث الشعبي الذي يبرهن حقا على عبقرية الشعب وإبداعه المتواصل، وذلك لاستعادة السيادة الوطنية المشروعة والتي تتماشى مع إعادة الكرامة للفرد الجزائري الذي فقدها منذ حوالي قرنين أو ما يزيد.

لهذا ذهب بعض الدارسين للبحث عن العادات الشعبية في الوطن العربي (اليمن وسوريا لأنهما أكثر امتزاجا من حيث تداخل الثقافات) وبالنظر إلى هذا الكم من التراث والعادات والتقاليد التي يمكن أن نسميها بالثقافة الشعبية أو الفلكلور كما يسميها البعض الآخر، نراها موحدة في الأمة الجزائرية تأخذ نفس التعبير الشكلي أو اللفظي ونفس المعنى في أغلب وجوهها، ولكنها تتفرع في التعبير أو الألفاظ، مع بقاء نفس المعنى والتفسير في البلاد العربية، ولهذا فإن وجود الجزائر ضمن الأمة العربية الشاملة يعد أمر منطقي ومحتوم بل إن الدعوة للانتماء العربي والرابطة الثقافية العربية أصبح من ضروريات العصر وتطلعات المستقبل الجزائري في الألفية الثالثة.

ويتمثل التراث الشعبي الأمازيغي والممتزج بالتراث العربي والتركي خاصة، والقليل القليل من التراث الاستعماري عبر العصور شواء القديم منها في عصر الوندال والرومان أو الحديث كالاستعمار الفرنسي الذي أثر وتأثر بالتراث الأمازيغي، فنجد مثلا الألغاز المنتشرة عبر التراب الوطني التي تأخذ في أغلب الأحيان نفس الألفاظ ونفس المعنى، كما نجدها أكثر استعمالا في الريف والعائلات الفلاحية، وهي تعبر تعبيرا صادقا ودقيقا على الإقليم الذي صنعت فيه، فلا وجود هنا للتأثر والتأثير حتى بالتراث العربي، وهذا على العكس من الحكايات الشعبية التي تسمى عادة لدى المجتمع الجزائري "حجاية" وهي مشتركة اشتراكا متماسكا مع الحكايات التونسية والعربية أيضا، إذ أن فيها حكايات مشتقة ومستنبطة من التراث العربي وما تغير فيها إلا بعض الألفاظ التي تستعمل بكثرة لدى الشعب الجزائري ومنها الدارجة العربية – الممتزجة باللهجة التركية مثل كلمة قهواجي وكلمة مانعرفش – وغيرها، وكذلك المترجمة الحرفية للحكايات إلى اللهجات الأمازيغية المختلفة (قبائلية، شاوية، ميزابية وترقية) مع إحداث عبارات جديدة وأسماء لأبطال تتماشى مع الأسماء الأمازيغية.

كما أن للأفراح والأعراس بالجزائر لها طابع خاص يميزها عن باقي الأمم والشعوب الأخرى، حيث تقام بطريقتها الخاصة منذ أكثر من نصف قرن من الآن بعد انتهائها، وهي تتفعل وتصطنع طريقة الوشم للعروس ويتم ذلك قبل زفافها بأيام، بطبع الوشم على جبهتها ويديها ويأخذ في الغالب أشكال هندسية ورسومات بسيطة تعبر بالفعل عن العادات الأمازيغية، ولقد توقف هذا النشاط مباشرة بعد الاستقلال، أما عن الزي والحلي وأدوات الزينة للمرأة التي تستعل إلى يومنا هذا، بل إن العروس الأنيقة هي التي تستعمل الأدوات واللباس التقليدي يوم زفافها، وخاصة إن في بعض المناطق تقوم العروس يعرض بعرض لباس في الصبيحة الأولى من حياتها الزوجية، كما أن لكل منطقة طابعها الخاص في الحلي واللباس، فتجد الحلي الفضي القبائلي من أحسن الحلي زينة وأناقة. وتحاول كل منطقة أن تفتخر بنوعية لباسها التقليدي الذي يذهب في الزمن إلى الوراء البعيد، فنجد اللباس العربي يتماشى مع اللباس التقليدي في سوريا والعراق وينتشر في عنابة وقسنطينة وتلمسان واللباس التركي بالجزائر العاصمة الذي يتماشى أيضا مع اللباس التركي التقليدي والمتأثر بالألبسة المنتشرة بالشرق الأوسط ودول القوقاز، كما يوجد لباس تقليدي خاص بالأمازيع، القبائلي والشاوي والترقي والسوفي والذي يتماشى مع فكر وطبيعة أهل المنطقة وهو ينافس أغلى وأعتق الألبسة في العالم، ومما يمكن ذكره عن اللباس التقليدي الجزائري المخصص للأفراح وبخاصة للعروس التي تحضره ضمن جهاز الزفاف، أن هناك أنواع من الألبسة النسائية المطرزة يدويا، والتي يبلغ سعر الواحدة منها عشرة أضعاف الألبسة المستوردة من الجودة الأولى، كما تبقت من لباس الرجال القشابية ورحل البرنوس والعمامة أو الشاش.

كذلك وجود تنوع في صناعة الأواني الفخارية وإنتشارها عبر التراب الوطني كافة، وقد نجد الأشياء المصنعة من مادة الطين لكل الاستعمالات المنزلية ونذكر على سبيل المثال الخابية، الجرة، القلة، الزير، العبار، الساقومة، البرمة، المعجنة، البوقال، الكسكاس، المحقن وغيرها. دون أن نتجاهل احتفالات التي كانت تقام وخاصة منها الزردة أو الوعدة التي يخضرها العامة من أهل القرية، تذبح فيها الذبائح وتقام الحفلات ليلا ونهارا، وكانت في العادة تقام عند قبب المرابطين أو أولياء الله الصالحين.

أما الغناء والموسيقى، يوجد نوعان أساسيان، النوع الأول وهو المستورد، ويطلق عليه الأندلسي إذ نجده في منطقة الغرب والذي يميل كثيرا إلى الموسيقى الإسبانية وتشتهر به مدينة تلمسان، وفي الحقيقة هو مزيج بين الموسيقى العربية القادمة من الجزيرة أثناء الفتوحات الإسلامية للأندلس، والموسيقى الإسبانية الأصلية المؤدية في صورة موشحات غنائية، أما المالوف والذي لا يختلف بدوره عن الأندلسي فهو يميل أكثر إلى الغناء والموسيقى العربية في عصر النهضة وله طبوعه وموازينه الخاصة به، وتشتهر به مدينتي عنابة وقسنطينة أكثر من غيرهما، كذلك الغناء الشعبي الذي ينحدر من المغرب الأقصى وبقى محافظا على بعض الألفاظ والهزات الموسيقية الرائعة، ومع أن هذا الفن مستورد في أصله، إلا أنه اتخذ طريقا بمفرده وأصبح مستقلا بذاته، كما تشتهر منطقة القبائل بموسيقى غنائية طريفة تمتزج اليوم بين المعاصرة والتقليد ولقد كان للمطربين القبائل دور كبير في الإبقاء على الموسيقى المحلية وتطويرها والحفاظ على التراث القبائلي خاصة عند الغناء بأشعار سي محند أومحند، الذي ترك تراث غنائي لمنطقة القبائل مثلما ترك الشيخ عبابسة، وهبي، الجرموني وغيرهم تراثا بدويا وصحراويا رائعا في الأداء والتأثير الموسيقي.

لقد شكل التنوع الموسيقي واختلاف الطبوع في الجزائر تراث ثقافي متميز ومعبر بصدق عن الأصالة الثقافية الجزائرية، حيث أن الملاحظ لهذه الأنواع من الموسيقى يمكن أن يرتبها في كتلة واحدة لتقاربها في عملية البناء والتنشئة للتراث الموسيقي، وبيئة انتشاره والانصهار بين مختلف النماذج المستوردة غير أن هناك كتلة ثانية من الغناء وهو ما يطلق عليه الفلكلور الذي يأخذ أصله من الحضارة والثقافة الأمازيغية، وهو بدوره متقارب أيضا في تأديته بالرغم من الاختلاف في اللحن والطبوع الذي يتماشى حسب المنطقة الجغرافية والتي تختلف من حيث كونها جبلية أو سهلية، صحراوية أو ساحلية، ريفية أو حضرية، ونجد التنوع الموسيقي في السطايفي، الشاوي، الترقي، الميزابي، الصحراوي، البدوي العربي، العاصمي والراي الغربي، وكلها تعبر عن الشخصية الجزائرية الاصلية.

 

سليمان عميـرات

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم