صحيفة المثقف

مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية للدكتور حسن البياتي (2)

abdulhusan salehaltaiاطلعنا في الحلقة الأولى على الآثار الإبداعية للدكتور حسن البياتي في كتابه (مقدمات وإشارات تعريفية بآثار إبداعية ومعرفية)، الذي صدر حديثاً في بيروت من دار الفارابي. والحلقة الثانية مخصصة للآثار المعرفية، بدأها شاعرنا ببحث مطول لموضوع في غاية الأهمية، بعنوان: (مواقف مناوئة للحرب في الشعر الجاهلي)، نُشر في مجلة الجامعة الصادرة في جامعة البصرة 1969. جوهره يكمن في رصد الصور المغايرة لما هو متعارف عليه في العصر الجاهلي بأن العرب أمة حرب، فالبحث فيه اطلالة لبعض مآثر الشعر الجاهلي الرافض لمآسي الحروب ونتائجها البشعة، والدعوة إلى حقن الدماء، وإشاعة السلم الاجتماعي. وتناول البحث الدوافع الرئيسية للتناحر بين القبائل والمشاحنات التي تتوج بالغزو والاعتداء على الغير. واشار البياتي إلى الكثير من المواقف الداعية إلى التريث وتجاوز الخلافات بوسائل أخرى غير الحرب.

وأعقب هذا البحث القيم بدراسة معمقة لمخطوطة عربية نادرة، ذات قيمة تاريخية، معتمدة على مصادر متنوعة موثوقة وبهوامش توضيحية. هذه المخطوطة محفوظة في خزانة المخطوطات بمكتبة لينيغراد العامة، وهي تضم أربع قصائد ومقدمة على شكل رسالة، تحكي قصة الحصار الذي فرضه الجيش الايراني الغازي على مدينة البصرة، وما قام به من ممارسات لا انسانية، قابلها سكان المدينة بالشجاعة والصمود. هذه الرسالة موجهة إلى أحد الفرنسيين (المسيو اوتير)، الذي عاش في البصرة لفترة من الزمان، وتمكن من فهم اللغة العربية وتذوق شعرها، وبعدها رجع إلى فرنسا، والرسالة مذيلة  بتوقيع مرسلها (الملا سرحان كاتب)، أحد عامة الشعب الذي ربما كانت تربطه بالمسيو اوتيرعلاقة صداقة. والقصائد الأربع بخط الملا سرحان، القصيدة الأولى فقط باللهجة الشعبية (العامية)، وهي تمثل قيمة استثنائية، للمهتمين بالتراث الشعبي واسلوب الكتابة باللهجة العامية.

تبحر البياتي في دراسة أجواء القصيدة الثانية التي تناولت بعض أحداث مجتمعنا العراقي إبان السيطرة العثمانية، في مرحلة تفسخ النظام الإقطاعي، على أثر الأزمة الحادة التي واجهتها السلطنة منذ أواخر القرن السابع عشر، وتصاعدت في القرن الثامن عشر في كافة المجالات، نتج عنها انسلاخ معظم الأقاليم العربية عن السلطان التركي، مكونة أسراً إقطاعية حاكمة. وكذلك اشار شاعرنا إلى طبيعة النتاج الأدبي والفني وأثره على وجهات نظر طبقات مختلفة لتلك المرحلة، ولاسيما الذي يمجد السلطة، باعتباره يمثل جزءاً من البناء الفوقي للنظام. وعلق على رؤية شاعر القصيدة النابعة من مصالحه المرتبطة بالطبقة الاقطاعية للسلطة العثمانية، ومدى تعارضها مع ثقافة الطبقات والفئات المستعبدة.

وضمن اهتمامات شاعرنا، البحث عن كنوز المعرفة التي قام بها البعض من المستشرقين، عثر على بحث فولكلوي بعنوان: (قصتان مجهولتان من التراث الشعبي العربي في القرون الوسطى)، للمستشرق السوفيتي (فيكتور ليبيديف)، المعروف باهتمامه بتراثنا الشعبي العريق، حيث تمكن من نشر عشرين بحثاً باللغة الروسية، أغلبها في مجال التراث الشعبي العربي. كتب شاعرنا مقدمة مختصرة وتعليقات ضرورية على بعض ما جاء في صلب البحث وهوامشه من مصادر متعددة، أعطت للبحث نكهة جديدة جاذبة، ونُشِر في مجلة كلية التربية – جامعة البصرة 1979. كان القسم الأول من البحث مخصصاً للقصة التراثية (طلحة وتحفة)، وغطى القسم الثاني أثراً آخر من تراثنا الشعبي المجهول قصة (الوليد وسلمى)، وهي من قصص الحب في أدبنا العربي، بطلاها الخليفة الأموي الوليد بن يزيد وزوجته الثانية سلمى.

وبنفس الإطار وللمؤلف نفسه، ترجم البياتي بحثاً فلوكلورياً آخر: (قصتان مجهولتان من التراث الشعبي العربي في القرون الوسطى). نشره في مجلة التراث الشعبي في بغداد سنة 1988. يتألف البحث من قسمين، الأول يتكون من مقدمة في فن القصص الغرامي في أدبنا العربي وغيره من آداب الشعوب الأخرى – أنواعه وخصائص كل منها. أما الثاني فيتناول دراسة وتحليل قصتين من قصص الحب في تراثنا الأدبي المخطوط. أثبت شاعرنا بأن القصتين ليستا مجهولتين تماماً، وأكد بأن البحث يظل محتفظاً بأهميته الكبيرة، لما فيه من معطيات طريفة تتعلق بجوانب مهمة من تراثنا الشعبي.

واهتم البياتي بترجمة دراسة فولكلورية أخرى تحمل ذات الاهتمام بالموروث الشعبي العربي، لذات المستشرق بعنوان: (أثر الموروث الشعبي للجنوب العربي في ألف ليلة وليلة)، نشرتها دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد 1989.

وترجم البياتي فصلاً خاصاً بالحرب العالمية الثانية، استقاه من كتاب عنوانه (نثر الشباب)، تأليف الدكتور (فلاديمير بوبوريكين)، تناول فيه جوانب إبداعية نثرية من النتاج القصصي لمجموعة من الأدباء الشباب، يحمل موضوعات متنوعة مثل: الحرب، المدينة، القرية وغيرها من الأمور الحياتية. تمكن شاعرنا من نشره في مجلة الطليعة الأدبية في بغداد 1987.

وخطى البياتي خطوات جادة في التعريف بالأجناس الأدبية والمعرفية المتنوعة، حيث قام بدراسة نادرة لتطور الأدب الفليبيني منذ نشوئه. هذه الدراسة من تأليف: (أ. سانتوس)، ترجمها من الروسية، ونشرها في كتاب الثقافة الأجنبية 1987. كان الأدب الفليبيني القديم يحمل معالم التأثر بالثقافة الهندو – جاوية، ومن بعد بالثقافة الإسلامية، هاتان الثقافتان قد تسربتا من خلال المناطق الأندونيسية في الفترة الواقعة ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر للميلاد. واستمرت السيطرة الإسبانية مدة تزيد على ثلاثة قرون، تركت أثرها العميق، ليس في الأدب فقط بل بكل مناحي الحياة الثقافية لسكان جزر الفليبين. وعندما حل المستعمرون الأميركيون، تأثر الأدب الفليبيني تأثراً بالغاً بالأدب الأميركي، ورغم استقلال الفليبين عام 1946، إلا أن الكثير من الآثار الفليبينة كُتب باللغة الإنكليزية، بالإضافة إلى اللغات الأساسية الأخرى في جزر الفليبين.

وفي دراسة أدبية أخرى ترجمة لكتاب (الأدب الآسامي)، من تأليف الأديب الهندي (بيرنجي كومار باروا)، نشرها البياتي في بغداد عام 1988. كان شاعرنا أميناً في نقل محتويات الكتاب رغم تصرفه بالجانب الشكلي. وقد بذل جهوداً كبيرة في تقديم جملة من التعليقات والايضاحات معتمداً على مصادر ومراجع مختلفة.

وفي نهاية القسم الثاني قدم البياتي ملخصاً لاصداراته الأخيرة (رسائل ثقافية متبادلة بيني وبين ...)، و(كتبوا عني .. وكتبن)، وكتاب (الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر)، المعد للنشر، ضمن السلسلة الخماسية التي تحمل مادة تاريخية تسجيلية تغطي مراحل حياة ونشاط شاعرنا على الساحة الإبداعية والثقافية منذ المراحل الأولى التي خاض غمارها، منذ مستهل النصف الثاني من القرن الماضي، حيث تضاربت أو تقاربت بها الآراء في مختلف مناحي الحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية والنضالية بين المؤلف ومريديه من جهة ومناوئيه من جهة أخرى.

 

د. عبدالحسين صالح الطائي

أكاديمي عراقي مقيم في بريطانيا

       

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم