صحيفة المثقف

المتقاعدون.. شريحة تعيش التهميش وسوء المعاملة

في العراق يعاني المتقاعدون من تهميش يزيد همومهم المالية والصحية سوءاً فيما تزيد وسائل الإعلام من معاناتهم بنشرها إشاعات وأخبار متضاربة تزيد اوضاعهم سوء وحسرة، وتجعلهم مواطنون من الدرجة الثالثة .

يقف المتقاعد محمد علي الزهيري (72 عاماً) في زحمة المصارف امام نافذة الصرف طويلا منتظراً دوره لاستلام راتبه التقاعدي الذي يصرف له كل شهرين، ويصف علي معاناته قائلاً " نحن هنا مثل المتسولين ننتظر ان يتصدقون علينا بكم دينار ومعها نسمع كلام  مزعج وتوبيخ من هذا وذاك".

ويضيف علي: " لقد افنيت عمري في خدمة بلدي وهذه هي النتيجة، بعض الدراهم التي يادوب تسد الرمق، فلم نر زيادة حقيقية، ولا منحاً او قروضاً ميسرة وسهلة دون تعقيد ".

معاناة المتقاعدين العراقيين تثير الدهشة لواحدة من اغنى الدول العربية بالنفط .

ويؤكد الزهيري: " خدمت اكثر من سبعة وثلاثين عاماً في خدمة الوطن وراتبي التقاعدي لا يكفي لشهر واحد واعتقد ان كثيرأً مثلي، لأننا لدينا عوائل كبيرة ومتطلبات الحياة كثيرة، منها مستلزمات ضرورية بالاضافة الى الخدمات الاضافية مثل اشتراك المولدة والايجار والمواصلات ومصاريف الادوية، وما الى ذلك ".

ويحتج الزهيري قائلاً: " الذي يحصل هنا لا يليق بنا وخصوصا إننا بلغنا من العمر عتيا، واصبحنا طاعنين في السن، ونحن لا نريد أن نكون اغنياء ولانريد الثراء وخاصة براتب مثل هذا الراتب التقاعدي البسيط، نحن نريد فقط ان نعيش عيشة كريمة وفيها ضمان لحقوقنا، ونعيش بمستوى يليق بما قدمناه، ونحن لا نرضى ان نهمش، أو كما يتمنى البعض من الساسة التخلص منا ويعتبرونا عالة على المجتمع ".

وأعربت الدكتورة نهى درويش (استاذة في علم النفس الاجتماعي)" اسفها لما يعانيه المقاعدون الذين يشكلون اكبر الشرائح المتضررة من ارتفاع اسعار البضائع والخدمات، ولا تشكل  الزيادات شيء معقول على رواتبهم، فسبعون ألفاً زيادة لن تنهض بالواقع المعيشي لهم".

وتقول درويش: " نحن نتكلم هنا عن معاناة حقيقية، عن أناس أفنوا عمرهم وسنين حياتهم في خدمة هذا الوطن، ثم تحولوا على الهامش، يركضون ويلهثون وراء أبسط الحاجات ويبحثون عن مقومات الحياة كي يعيشوا، قضية المتقاعدين كانت في طور التشريع والمناقشةقضية غير مركز عليها، وبعد صدور القانون، كما يقولون تمخض الجبل فولد فأراً، فلم تهتم الحكومة بشريحة المتقاعدين الذين يقدر عددهم بمليوني متقاعد، ويعيل الواحد منهم ما معدله خمسة اشخاص فيكون تقريباً عدد من يعيلونهم خمسة ملايين ".

وتطالب درويش الحكومة بـ" تسليط الضوء عليهم، ووضع حل مناسب ينصفهم ويعطيهم حقوقهم، ولقد جاء التعديل وفيه اجحاف كبير عندما قسم المتقاعدون الى فئتين: فئة القدامى الذين لا ينطبق عليهم القانون انما فقط الملحق وتم منحهم ما بين الخمسة آلاف دينار والخمسة وعشرين الف فقط، والفئة الثانية ونالهم ايضاً حيف من نوع آخر، فلذلك يجب اعادة النظر في القرار ورفع الحيف والظلم عنهم، ففي قوانين حقوق الانسان للفرد الحق بالتمتع في موارده الموجودة في بلده، ومن المفروض ان يستلم حصة منها، فشعبنا افقر الشعوب ونحن نعتبر بالميزان العالمي أغنى دولة في الموارد ".

ويركز المتقاعد حامد حاتم (77 عام ) بالقول:" ان قضية استلام المتقاعدين لرواتبهم من المشكلات المزمنة والدائمة والتي لم تجد حلا لها بسبب الشكوى والتذمر، ولقد جرت محاولات من اجل استيعاب المشكلة حيث الكثير من المتقاعدين لاتظهر البصمة لديهم لاسباب مرضية وتقدم العمر.

حيث يتقاضى معظم المتقاعدين من حملة البطاقة الذكية رواتبهم من المصارف الحكومية لامتناعهم عن استلام رواتبهم من المكاتب الاهلية لما تفرضة هذه المكاتب من عمولات كبيرة وضغط على المصارف العاجزة عن توفير منافذ كافية لتسليم الوراتب بسرعة.

أما المحامي أرشد حافظ (مستشار قانوني) فينتظر "من البرلمان الالتفاته الى مساعدة هذه الشريحة المهمة  والعمل على مواجهة ظروف الحياة والخدمات بالنسبة لمن قدم خدمة للبلد ".

ويعرف حافظ التقاعد بأن : "من شروطه الضعف والعجز في الذهن عن تأدية وظائفه بسلامة، وكذلك من أصيب بحالة من العجز الجسمي أو العقلي الناتج عن اصابة أو مرض، وسن التقاعد حدده العالم على اعتبار ان العمر سبعون عاماً، وتقسم بهذه الصيغة، خمس سنوات طفولة وعشرون سنة تعليم وخمسة واربعون للعمل ".

ويوضح حافظ: " لو سألتني وأنت الان تروج لمعاملة التقاعد ماذا ستفعل بعد أن تحصل على التقاعد؟.. فسوف أقول لك سأبدأ من جديد لعلي أجد عملاً مناسباً فالراتب التقاعدي لا يسد الرمق ".

ويؤكد حافظ أن أحدهم قال له: " إن المتقاعدين عالة على الدولة، ونتمنى أن نتخلص منهم ".

 مضيفاً: "ولقد رددت عليه بأننا نحن المتقاعدين عملنا مع الدولة بشروطها القانونية لقاء راتب ومنه كان يستقطع راتبنا التقاعدي، فلا تمن الدولة علينا براتب هو حقنا بل هو بالحقيقة اكثر من هذا فنحن افنينا عمرنا في الوظائف، وبقدر ما انا متلهف لانجاز المعاملة بقدر اني حزين فقد أمضيت عمري في خدمة الوطن واصطدم بآليات معقدة وصعبة ومستمسكات مالها نهاية، ومتطلبات ومعاملة و (روح وتعال) وهكذا بدأت مرحلة المعاناة، والعملية كلها متعبة ومرهقة ما دامت تتعلق بنا نحن المتقاعدين ذوي الوجوه المتعبة والظهور المنحنية جراء ما بذلناه من جهود مضنية في اوقات عصيبة مهدت الطريق امام الاجيال الجديدة الصاعدة ".

ويرى الخبير الاقتصادي حكمت الطعان (الذي كان مع مجموعة من المتقاعدين) " ان احتساب رواتب التقاعد لم يكن منصفا مقارنة بالموظفين بعد الاحتلال، فلقد احتسبوا التضخم الذي اصاب الدينار مقارنة بالدولار فكانت الزيادة مناسبة للموظف نوعا ما لكن بالنسبة للمتقاعد لم تكن منصفة، لماذا لا تكون 80% من الراتب الوظيفي؟ ".

ويضيف حكمت: " ولقد تمكن مجلس النواب من اصدار قانون تقاعدهم الخاص، ولقد خمنوا هذه النسبة حتى لو لم يحضر النائب الى مجلس النواب، في حين ان قانوناً يخص شريحة مهمة مثلنا عانى وأجل وعدل مرات كثيرة، مع اننا نتقاضى راتباً لا يتجاوز المئتي ألف دينار، ومعاناة المتقاعدين لم تنته بعد استلام رواتبهم المتواضعة جدا والتي لا تؤمن ابسط انواع المعيشة ناهيك عن ظروف الصعبة وما رافقتها من مآساة كبيرة ".

ويتابع الطعان: "حتى مع وجود البطاقة الذكية فهناك تأخير في التسليم، مما يؤدي الى ازدحام وزخم وهذه مشكلة اضافية، ففي الوقت الذي بلغت فيه صادرات النفط ثلاثة ملايين برميل يومياً تكون رواتب المتقاعدين عقبة امام الحكومة ".

ويوضح الطعان: "وحتى دائرة التقاعد العامة اعترضت على بعض المواد والفقرات على قانون التقاعد الموحد ونحن بدورنا نطالب باعادة سلم الرواتب مع زيادة التقاعد بشكل يتناسب مع التضخم الحاصل مع شمولنا بالتخصيصات، حالنا حال الموظفين، مع ضرورة الغاء التميز بين المتقاعدين واضافة تعديل مفاده ان كل الحقوق التي يحصل عليها المتقاعدون تسري على القدامى، ففي كل دول العالم تسعى الحكومات الى وضع انظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل تحقيق الاستقرار والامان والرفاهية للكل دون تفضيل أحد على آخر ".

 

روبرتاج : واثق عباس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم