صحيفة المثقف

مشكلات وتطلّعات المدن الهامشيّة في تونس.. سيدي علي بن عون مثالا للتحليل

majed qarawiكان للتجارب التنموية التي اتبعتها تونس عميق الأثر على عديد الجهات التي أصبحت على الهامش،وسنحاول أن نعمل في هذا المقال على ارتسام استشكال جذري نتساءل في مستواه عن فاعلية التنمية ومفعولية البنعونيين،ههنا أرى المقام يستوجب منّا العودة إلى الأهالي والمجتمع المحلّي لفهم مشكلاته ومتشكلاّته على سبيل التحليل والتشخيص .أزمات مضنية،إقصاء اجتماعي ،فقر وبطالة جعلتنا نشهد الموت البطيئ لأهالي بنعون وخاصّة شبابها الذي افتقد كل قدرة على الحراك المحلّي والرّقي الاجتماعي ،فما كان له من بدّ سوى اتباع حلول ترقيعية تلفيقية لا تسكن الآلام سوى لأياّم.استشكالات عدّة يخيّم عليها ارتياب ثقيل مفاده اسقاطية المشاريع وفشل المشروعات التنمويّة في ظلّ تغلغل الليبرالية وتواطؤات العولمة التي لم تفرز سوى بطالة وأعمال هشّة وفئات مقصيّة عاجزة على مسايرة سوق الاستهلاك.وبقصد الامعان في البيان يمكننا أن نستدل على التقاطعات الحاصلة بين منطق الدولة وسيادة المحلّي في ما سنتطرق إليه بالتحليل والمكاشفة.

1. نبذة عن معتمدية سيدي علي بن عون:

تقـع سيدي علي بن عون في الجنوب الغربي لسيدي بوزيد يحدّها شمالا معتمدية بئر الحفي وجنوبا أولاد منصّر وغربا حسّي الفريد التابعة لولاية القصرين وتعدّ قرابة 30 ألف ساكن سنة 2014.تعتبر بن عون بالأساس منطقة فلاحية حيث معظم أراضيها حقول زيتون ولوز كما أنها تنتج الحبوب إذا كان معدل نزول الأمطار مرتفعا .ويعتبر قطاع تربية الماشية الشريان الأساسي في حياة المواطنين.اشتهرت بن عون بمهرجان "الزردة" الولي الصالح سيدي علي بن عون الذي أصبح من الموروثات والعادات والتقاليد التي دأـب على الحفاظ عليها الأهالي في الجهة.

2.  التنمية في سيدي علي بن عون .الخصائص والمعيقات:

أ.نسيج اجتماعي مفكّـك:

تكوّنـت سيدي علي بن عون على أساس تقسيم إداري وليس على أساس نسيج اجتماعي متناسق له ذاتيـته وحـدوده السـوسيواديمغرافية، بل تشكّلت المعتمدية من عدة مناطق كانت تنتمي إلى جهات مجاورة إذ يقتصر السكان الأصليون لمعتمدية سيدي علي بن عون على متساكني المدينة الذين يعود نسبهم إالى الجدّ المؤسـس علي بن عون أمـا البقية فيعود نسبهم إلى أصول مختلفة.حتى أنّ معتمدية بئر الحفي في حدّ ذاتها قبل سنة 1973 كانت تنتمي إلى معتمدية بن عون..هذا التفكّـك أدّى فيما بعد إلى صراع وتنازعيـة اجتماعيـة (conflictualité social) تكرّس اختلال التوازن والتنافر وترتئي الصراع عوض التكامل والتواصل .ما أدى إلى عرقلة عديد المشاريع ذلك أن كلّ طرف من هؤلاء يسعى الى احتكار المشاريع. (إن وجدت ) وما زاد الأمر تعقيدا ضعف النسيج الصناعي وفشل كل المخططات التنموية في النهوض بالأوضاع الاجتماعية لهذه المعتمدية، مما أدىّ إلى تواتر ظواهر اجتماعية سلبية  ( كالعروشية ) والفقر والعنف توازيا مع غياب ثقافة العدالة عند بعض المستثمرين حين تكون علاقتهم بالجهة يطغى عليها منطق الربح والتبادل الامتكافئ. تفكّك اجتماعي وتنمية فاشلة عوامل هامّة تساهم في تخلف المناطق ونموّ الهجرة وعليه يدخل المسار في الحلقة المفرغة، فالتشتت يعيق تطور الخدمات ،وتطور الخدمات يصبح غير ممكن في ظلّ التشتت والتناحر الاجتماعيين ، وتبقى المشاريع التنموية تدور في دائرات الحلول الظرفية إذا لم تكسر هاته الحلقات المفرغة بإرادة صارمة واستراتيجيات واضحة.

ب.بنية تحتيّة مهترئة وخدمات مترديّة:

تعاني سيدي علي بن عون من عدّة نقائص في مجال الخدمات الصحيّة والتربويّة والثقافيّة والنقل والغياب التـامّ للمشـاريع الصناعية بفعل هيمنة الطابع الفلاحي البعلي على النشاط الاقتصادي، مع حضور كثيف للبطالة المقنّـعة من خلال بعض الأنشطة الموسميّة والظرفية ...ما أدّى إلى استفحال الفقر المدقع لفئات عريضة وجدت نفسها على الهامش إضافة إلى الظروف السكنيّة المتدنيّة في مقابل حضور إدارة أمنيّة أعاقت كل إمكانات التبادل التجاري والحراك الاجتماعي، فما كان من بدّ للشباب في الجهة إلا النزوح والبحث عن موارد الرزق خارج هذه المعتمدية أو الانخراط في جماعات العنف بحثا عن الاعتراف واستعادة الكرامة المفقودة.. من أجل تشكيل هويّة إيجابية حول أنفسهم، ومن أجل أن يحصلوا على الاحترام والتقدير اللائقين والمناسبين من قبل الآخرين. آنئذ فإن العنف مرتبط أشد الارتباط بالاقصاء والمأزومية الاجتماعية التي تعيشها الشبيبةالبنعونيـة.

1249 majed

أوضاع متساكني الأحياء الهامشية بسيدي علي بن عون

ج.تطلّعات أهالي معتمدية سيدي علي بن عون وتمثّلاتهم للتنمية:

من خلال اللّقاءات التي أجريناها في معتمدية سيدي علي بن عون سواء داخل المجموعات البؤرية أو مع من كانت لنا معهم مقابلات بحكم وظائفهم أو مواقعهم، تمّ إشعارنا منذ الوهلة الأولى بكون معتمدية بن عون تزخر بموارد طبيعيّة هامّة وخاصّـة في المـجال الفلاحـي بل أن البعـض ذهب إلى حدّ الإشارة إلى المشاريع السقويـة الكبرى وكذلك الإمكانات الهائلة والمهدورة في مجال الصناعات التقليـدية وإمكانات تكامل وتداخل هذا القـطاع مع الصناعة والخدمات ومجالات تطوير صناعات معملية واعدة، غير أن استغلال هـذه الموارد لم يتم على الوجه الأفضل، ذلـك أن الهدف كان على الدوام الاستفادة القصوى من هذه الموارد وتوظيفها من طرف المستثمريـن في مناطق أخرى خارج المعتمدية أي أن القيمة المضافة للموارد الطبيعيّة لم تكن تتمّ بالمعتمدية ولم تستفد منها.ومن خلال لقـائنا مـع العديد قالوا انهم يفضلون العمل والاستقرار خارج المعتمدية لأسباب تتعلق بالعمل وغياب المرافق الحياتية الكـبرى، وصرّحوا لنا كـون الذي واصل تعليمه وتحصل على شهادة جامعية يفكّر أوّلا في البحث عن عمل وإن توفّر له ذلـك فإنه سيقطن قطـعا في الجهة التي يتوفر فيها هذا العمل والعمل لا يتوفر في هذه الجهة ويكفي فقط النظر إلى عـدد العاطلين عن العمل والحـاملين لشـهادات جامعية، فكلّهم مشاريع هجرة تنتظر الإنجاز، حال توفر الفرصة لـذلك ،وقد كانت لنا لقـاءات مع البعـض من الذين فشلوا في بعث مشاريع فلاحية وقدّمـوا لنا نماذج عن أسبـاب الفشل، والأكثر من ذلك كون الإدارة تستجيب في الغالب لطلـبات وحاجيات الأجانب أي المستثمرين في القـطاع الفلاحي مثل التزويد بالكهرباء ولا تستجيب بنفس السرعـة لطلبات وحاجيات أهالي الجـهة والأسبـاب غير واضحة وتدفع نحو طرح العديد من التساؤلات.وفي هذا الاطار يطالب العديد من متساكني المنطقة ببعث نواة لنشاط صناعي بالجهة للمسـاعدة على جلـب المستثمرين من الداخـل والخارج، وبحث إمكانية بعث مصنع لتعليب الزيوت خاصة وأنّ الجهة تتوفّـر على المواد الأوّليـة وبها 13 معصرة عصرية بالإضـافة إلى إحداث مركز لتجميع الحليب يساعد على التخفيف من معاناة المربين الذين يوّفرون كمّيات هامة من هذه المادّة ويلقون مشـاكل عديدة لترويج إنتاجهم ونقله إلى مراكز التجميع البعيـدة عنهم.ومن جهة أخرى يؤكد الأهالي على ضرورة إحداث مناطق سقوية نـظرا لخصوصية المنطقة الفلاحيـة وأهمّية مساعدة الفلاحين على مقاومة قساوة المناخ وتنمية غابـات الزيتون وتصنيفها ضمن الزيتـون البيولوجى وبعث تعاضديات فلاحية وتشجيع الفلاحين والمربين على النهوض بقطاع الماشية والعمل على انجاز بحيرات جبلية لتعبئـة الموارد المائية وإحكام استغلالها.وبخصوص تطوير قطاعات الخدمات بالجهة وتقريبها من المواطنين بات من الضروري بعث مكـتب تشغيل ومركز قطاعي للتكوين المهني وفرع للتجهيز والإسكان وآخر للقباضة المالية والتى كان وعد بها وزير المالية بالإضافة إلـى بناء مركز للشرطة ومستشفى.

ويطالب شباب سيدى على بن عون كذلك بمزيد من التشجيعات على بعث المشاريع والانتصاب للحساب الخـاصّ وتشغيل العاطلين عن العمل.يشار إلى أن معتمدية سيدي علي بن عون تعتبر من أعرق المعتمديات حيث تأسّـست سنة 1965، وقد اكتسبت على مرّ السنين سمعة خاصة من خلال إشعاع مهرجان الولي الصالح سيدى على بن عون على المستويين الوطني والإقليمي ليصبح عاملا أساسيا لدفع النشاط السياحي بالمنطقة.

 

ماجد قروي : باحث جامعي له عشرات المقالات بعديد المجلات العربية....

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم