صحيفة المثقف

الحياة بحاجة الى معبد

mulehim almalaekaرجل وامرأة وحدهما، دون حدود الأخوّة أو القرابة أو الصداقة وبتسهيلات الخلوة اللذيذة، ماذا يفعلان إذا لم تطاردهما قوانين وحدود الخيانة والزنى والخروج عن الشرع والعرف؟ ماذا يفعلان وحدهما دون اشتراطات الخوف والآخرين وعيون الفضوليين ومنافسة ذكور آخرين أو أناث أخريات؟ 

عليهما أن يهيئا المعبد، الجنس هو صناعة الحياة، بغض النظر عن ورقة الزواج التي يصدرها معمم في مسجد أو كنيس أو كنيسة أو معبد أو قاضٍ في محكمة ليجعل هذه الخلوة شرعية تباركها السماء. السماء تريد الحياة، والمرأة والرجل يصنعان الحياة. أليست الحياة أجمل ما عرفه الناس وأجمل ما صنعه الله؟ عليهما اذاً أن يعدا المعبد الذي تصنع فيه الحياة، وهو في العالم المتحضر غرفة نوم، لكنه في حالات لا تعد، سيكون مكانا في العراء وساده العشب ودثاره السماء، ألم تصنع الأمهات والآباء مليارات الأبناء في العراء بلا معيد؟

 تحت عين الله، يرقد رجل وامرأة:

 يتلامسان

ويتداخلان

ويتناغمان

ويتشافهان

ويتفاوهان

ويتراضبان

ويتراضعان

فيسيلان لبعضهما،

وبعد التثاني والتقارب

تتحد روحاهما في لحظة لا توصف، تثمر بمشاريع حياة لا تحصى، وقد تولد فيها حياة أخرى تضيف للعابدين عابدا، وللعاشقين عاشقا وللكارهين كارها وللقاتلين قاتلا...حياة تنضّم الى التاريخ البشري خلسة، فتموّطنها شهادة ميلاد، تجعلها إنّسياً عراقيا أو أمريكيا أو ألمانيا أو  كونغوليا أو فيتناميا أو برازيليا أو أسترالياً أو فلسطي-إسرائيلياً غارقا في المشكلات منذ مولده، والخيارات لا تنتهي، فقد يكون الإنّسي وليداً آخر لقبيلة من الأزتيك، حيث قد يجعله حظه العاثر أنثى جميلة، فيضحون بها على مذبح معبد إله الشمس الذي لم يره أحد ولا يعرف أحد مسكنه ومقامه.

المكان الذي تصنع فيه الحياة قد يكون سريرا فاخراً ترفل وسائده بريش النعام، ويلتف دثاره بناعم الحرير ورقيق الدمقس فيما يدبّ الصندلُ والبخور والمسك في ثنايا فرشته، ليغمر الجسدين المتعرقين بغلالة عطور هي إعلان جميل لحياة محتملة. الوليد من هذا السرير الباذخ قد يكون ذكراً سيصبح رئيس الولايات المتحدة الخامس والأربعين المولود فعلا وفي فيه ملعقة ماسية، أو أنثى اسمها باريس هيلتون لا همّ لها الا العيش المترف، فتشايعها الفضائح المخزية في كل محطات حياتها.

واذا بقينا نتأمل في احتمالات النتائج، فالخيارات تعني قراءة كل تاريخ البشرية، وهذا صعب، لكن المكث في معبد الجنس، حيث تُصنع الحياة، يتيح للمرء الوصول الى نتائج باهرة، فالحب هنا احتمال غير أكيد، هل تشترط الحياة حباً بين المؤنث والمذكر كي تصبح مشروعا لإنسان مقبل؟ 

أنزعوا كرامتكم قبل ولوج معبد الحياة!

 عُرف شاعر روما الشهير أوفيد بكتبه وأشعاره عن الحب. كتابه الشهير "فن الحب" بأجزائه الثلاثة الذي ظهر في العام الأخير قبل الميلاد يمر على تفاصيل الحب قبل أن تشرعنه الأديان وتقنونه الدول وتحدده الحضارات، فيشرح الحب بين رجال روما التي كانت قمة التحضر، وبين نسائها الفاتنات اللاتي اختلطت فيهنّ دماء قرون طويلة من فتوح الرومان. كتب أوفيد حكمة جوهرية في العشق العاري"لا يمتزج الكرامة والحب جيدا، ولا يستمران سويا إلا لفترة قصيرة" . إنّها حكمة توجز حقيقة هائلة يجهلها أغلب الناس عبر التاريخ، إذ ليس في الحب كرامة، فالعاشقان بعد أن ينضيا ثيابهما ويطّرحا في المعبد، لا حدود تقف بين روحيهما، والأرواح المتقاربة لا تعرف الكرامة، ومن هنا قال أوفيد إنّ الامتزاج بينهما محدد، ولابد من فراق ، فأما تنتصر الكرامة فتجبرهما على التباعد ثم التنائي، وأما ينتصر الحب، فيذوب أحدهما في الآخر بلا كرامة.

الناس في معبد الحياة ينضون ثيابهم بلا حياء، لأنّ الله خلق الإنسان بلا ثياب، وما الثياب إلا تطور حضاري لاحق لا علاقة له بالحياة، بل يسعى غالبا الى طمس حقائقها خلف خطوط الموضة والستر والحشمة والحجاب والنقاب والتخفي والتباهي والتماهي إرضاء للكاهن والشيخ والحكم والأمير والتاجر ورجل الأعمال الثري.

ولا أملك إلا أن أسأل هنا، لماذا اختصّ الفستان بالمرأة اليوم بعد أن كان الرداء المسبل الطويل أو القصير لباسا لها وللرجل في كل الحضارات؟ وهل لهذا علاقة بالستر أم بتسهيل التلاقي أم بمخيلة صانعي اللباس في تواريخ سحيقة؟ وكيف اتفق أغلب الشرق على أنّ السروال هو شكل اللباس الأكثر راحة والأنفع لعصور تطاولت حتى وصلت اليوم، حيث وحدت سراويل الجينز الامريكية لباس الجنسين عبر العالم (باستثناء الدول الشيوعية التي ابتكرت بدلة العمل المذلّة لتفرضها على ذكورها وإناثها فتوحدهم في الفقر والبؤس وكوريا الشمالية نموذج صارخ لمسخ الإنسان وتحويله الى شيء بلا حياة).

ختام رحلتي القصيرة في عشق الحياة -وهي التي يتسلح بها العقلاء بوجه حملات القتل والتجهيل الآثمة عبر العالم اليوم – هي محطة في مقال نشره موقع "باتوس" الأمريكي النادر باهتماماته قبل سنوات تحدثت فيه الكاتبة ستار فوستر عن قداسة الجنس معتبرة " أنّ الجنس هو انكشاف مقدس انتاب كثيرين ليجدوا فجأة أن أجسادهم هي أوعية مقدسة للذة والبهجة العارمة، دون خطيئة أو وهم، أجسادنا هي معابد حياتنا". 

 

ملهم الملائكة

 .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم