صحيفة المثقف

من للأدباء الذين فاتهم القطار؟

أحاور بعض الأخوة الناشرين أحيانا حول الترجمة لكبار الأدباء الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس في زمانهم لكنّ النسيان طواهم وتقادم الزمن على إنتاجهم، أو بالأحرى لأنّ الفرصة والصدفة لم تتهيأ لقارئنا العزيز ليطلع على ما كتبوا وليعجب بما بهروا به مواطنيهم والأوربيين على مدى عقود وقرون.

ما ذنب أيّ علم من أعلام الرومانسية الإسبانية أو الواقعية أو الانطباعية الذين شغلوا الأدب الأوربي على امتداد القرنين التاسع عشر والعشرين؟ لم يسمع الكثيرون منّا إلا بالروائي بلاسكو إيبانيث الذي حالفه الحظ حين عرضت السينما الأمريكية واحدة من رواياته الرائعة (دم ورمال Blood and Sand) التي مثّل بطولتها (تيرون باور) و (رينا هيوارث) فمنحا مؤلفها الشهرة والحياة.

وماذا عن أونامونو؟ وماذا عن كلارين؟ وماذا عن بيو باروخا؟ وآثورين؟ وغالدوس؟ وباردو باثان؟ وعن خوان باليرا؟ وعن أورتيغا أي غاسيت؟ وماذا عن جيل الـ 98 الذين لا يذكر أحدهم إلا وذكرنا بأدباء النهضة العربية الثقافية والفكرية والأدبية؟

ونأتي على جيل شعراء الـ 27 فلا نعرف منهم إلا لوركا وألبيرتي وهما اثنان بين أكثر من دزينة لكلّ منهم طعمه ومذاقه وعبقريته وأسلوبه المتفرد.

ونعبر إلى أدب الحرب الأهلية وما بعدها. والمسرحيين، كبار المسرحيين، ممن يعرفهم العالم كلّه ولا يعرفهم قرّاؤنا، لمجرد أنّ متطلبات السوق لا تسمح بالمغامرة. فمتى يتعرف قراؤنا على هؤلاء؟

لن يعرفوهم.

وما يقال عن الأدباء الإسبان يقال عن أدباء أمريكا اللاتينية: فإمّا إيزابيل أيندي أو بارغاس يوسا أو غارثيا ماركث أو بورخس أو لا!

لا أرى ما يجري في عالم النشر منصفا لأنّ الأضواء تتحول مدفوعة بالسوق عن عظماء "مجهولين". ليس لأنّهم كذلك بل لأن توجهات النشر عندنا لا تريد المغامرة.

لن يعرف قارئنا هؤلاء والحال هذه وسيبقى أسير أسماء مكررة، رنّانة، طنانة، وإن كتبت تفاهات بعد روائع. وسيقى الآخرون مطمورين لا يغامر أحد بانتشالهم من أضرحتهم التي رقدوا فيها.

أرى أن الأوان قد آن لرسم سياسة جديدة في النشر تعيد لهؤلاء الكبار حقوقهم واعتبارهم وتضع ثقتها لا في الأسماء والصرعات وفي سياسة " الجمهور عايز كده" بل في معايير الجودة الحقيقية التي تجعلنا ننشر لأحلام مستغانمي وكوليت خوري وعلاء الأسواني من دون أن نغفل ما كتب سلامة موسى وتوفيق الحكيم والرافعي والعقاد وجبران. 

 

د. بسّام البزّاز

    

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم