صحيفة المثقف

أنا .. وملك هولندا

ali salihjekor (1)في كل صباح تقف السيدة (آنيا) مسؤولتي في العمل، عند باب الإستعلامات مثل تمثال أبي الهول، تتطلع بالداخلين والخارجين بشزر وحدية، تبحث عن فريسة، أي فريسة لتنشب فيها براثنها، وتصب عليها حمماً من عقدة عنوستها وشكلها الذكوري، فهي تشبه كل الشبه مادلين اولبرايت خلقة وخُلقاً ..

لا أعرف سر خشيتي من هذه المرأة اللعينة، وأنا المُتمرد بطبعي على كل شيء؟!!

عند باب الإستعلامات حيث تقف هذه السيدة (ابو الهول)، تركن طاولة معدنية تتكدس فوقها كل صباح أعداداً جديدة من جريدة (المترو) فيستل كل من يخرج الى العمل جريدة، ويلقي التحية بعجالة على المسؤولة ويمضي ..

أنا أيضاً مثلهم، اسحب كل صباح جريدة المترو من أمام السيدة آنيا، اقف لثوان متصنعاً الجدية، فأنظر الى الصفحة الأولى بإهتمام، وأصدر صوتاً مسموعاً هممممممم، كي لاتحسبني غير متابع لشؤون البلد، وما يحدث في هذا العالم القبيح .. فأصبحت هذه المسألة من عاداتي اليومية، حيث أمد يدي دون وعي الى الطاولة حتى وإن كانت خالية من الجرائد، أيام الويكند والعطل الرسمية !!

لا أتذكر متى قرأت هذه الجريدة آخر مرة، لأني ما أن أصبح بعيداً عن مرمى نظرات السيدة آنيا، حتى أفرك الجريدة فركاً وأكورها، ثم أركلها عالياً بكل ما أوتيت من قوة، مثل حارس مرمى مُحترف .. هذا إن كان مزاجي رائقاً، أما إذا كنت معتكر المزاج فإني أمزقها الى قصاصات صغيرة وأذروها من شباك الباص الذي أعمل عليه!!.

اليوم تناولت الجريدة، وألقيت التحية على مسؤولتي وخرجت، وقبل أن أهم برميها في سلة المهملات، لفتت إنتباهي صورة لملك هولندا (وليم الكسندر) مع عنوان عريض بأنه بلغ الخمسين من عمره؟؟ في الحقيقة أنا لا أعرف أي شيء عن هذا الملك، أو غيره، فأنا أكره الملوك والرؤوساء والوزراء بل حتى المُدراء، ولدي عقدة من الاشخاص الذين يجلسون خلف الطاولات اللامعة الكبيرة !!

خمسون؟ أنا أيضاً سابلغ هذا العام الخمسين !!! أنا بعمر الملك إذن؟؟

ماذا تعني الملوكية؟ وهل أنا ملك أيضاً؟ من هو الأسعد، هو أم أنا؟؟

سرحت طويلاً، وعاد شريط حياتي يتشكل أمام عيني، ذكريات بعيدة، مضببة وغامضة، بدأت تنجلي وتتوضح .. تبسمت وأنا أحدث هذه المقارنة المُسلية بيني وبين الملك:

الملك: الاسم وليم الأكسندر، وُلد في ربيع 1967 بإحدى مستشفيات مدينة دنهاخ الهولندية.

أنا: علي صالح، وُلدت في خريف 1967 بغداد مدينة الثورة قطاع 47 . على يد القابلة (المأذونة) أم نجم .

الملك: أسم الام بياتريكس .

أنا: أسم الام رياسة عبدالجبار الساعدي .

الملك: الهوايات في الطفولة: السباحة والسفر وصيد السمك ..

أنا: الهوايات في الطفولة: صنع المصيادة والطائرات الورقية وصيد (أبو دبيلة *) في بُرك الامطار التي كانت تُغرق شوارعنا وبيوتنا الفقيرة، في الشتاء .

الملك: دخل إبتدائية بارن في مدينة بارن، وتخرج من جامعة لايدن، درس التاريخ والاقتصاد والسياسة .. ثم دخل الخدمة العسكرية الالزامية بين عامي 1985/ .1987

أنا: دخلت إبتدائية الحمدانية للبنين، وفُصلت في الصف السادس الأدبي بقوانين قرقوشية كانت تصدر أيام حرب الثمانين . تخلفت عن الخدمة الالزامية من عام 1985/ 1987، ثم دخلت الخدمة وهربت ثلاث مرات في غضون عامين ونصف، ولم أتسرح قانونياً الى حد هذا اليوم !!.

الملك: تزوج من الملكة ماكسيما عام 2002، ورُزق عام 2003 بالأميرة آماليا، وعام 2005 بالأميرة آدريانا، وبعدها بالأميرة اليكسيا.

أنا: تزوجت مليكتي آلاء الساعدي، ورُزقت عام 2003 بالامير حسن، وعام 2005 بالأميرة ياسمين .

لا أعرف مايدور في بيت الملك الآن؟؟ وليست لدي أدنى فكرة عن طبيعة حياتهم أو شكل قصورهم وغرف نومهم وحدائقهم ..

لا أدري إن كان الملك الكسندر سعيداً أم لا، فقد أصيب أباه الأمير كلاوس بكآبة شديدة قبل موته بسنوات !!.. إذن الكآبة ليست حكراً على الفقراء؟؟ والفرح، والبسمة، والدفء، ليست للإغنياء وحدهم؟؟؟ أبداً .. أبداً ..

كتبت مرة في مطلع إحدى قصصي الموسومة بيوتات في حينا: (في بيوتنا التي لا ملامح لها ولاألوان، دفء لاتعرفه القصور، قد تبدو للوهلة الأولى مُتعبة، شاحبة وحزينة، لكن فرحاً يضوع في أرجائها).

الحُب والقناعة والرضى، ينابيع فرح لاتنضب، فتش عنها، ستجدها حولك في اشياء صغيرة صغيرة، قد لاتخطر في البال، أغمض عينيك لبرهة، ثم إفتحمها، سترى البون الشاسع مابين الحزن والفرح، والنور والعتمة ...

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم