صحيفة المثقف

ملح وفلفل

almothaqafnewspaperكنا غارقين للركب فى ثلج ماسخوسيتش، نعاني من تسرب المياه عبر السطح، وسيارتنا المرسيدس قد دفنت تحت جبل من الثلج الأبيض اللامع، ولكن ليس هذا هو المهم، لأن قبل مجيء الثلج كنت قد ركبت الدراجة ذات السلال الصدئة لمسافة ربع ميل إلى محل الخضروات للتزود بها، أما هنري فكان يقوم بإصلاح المحرك منذ شهور، ولم نستلم السيارة بعد، وعوضا عن القهوة - ومن أجل التغيير - لجأنا إلى شرب الشاي .

التهمنا أطعمتنا الرئيسية، ولكن دعنا نواجه الآتي: ثمة شخص صار مريضا بسبب الأرز والشوربة المحفوظة لفترة طويلة . لذلك أعددت ساندويتشات البسكويت الجاف بمربى البرتقال وزبدة الفول السوداني التي قشطتها من حواف البرطمان مع أن لدينا 28 دجاجة تجري فى الهكتارات الثلاثة التي نملكها، لم يقم هنرى بذبح واحدة، يقول أنه لا يستطيع قتل الأشياء الحية يدعوها هنري العجوز بحيواناته الأليفة، يقول:

- مارى

ثم يضيف وهو يحرك يده نحوي فى اشمئزاز:

هذه الكائنات الصغيرة الأليفة خلقت فقط من أجل التمتع بالشمس .

صرخت:

- أليفة ! لدينا جراج مليء بالفئران .. ادعوها حيوانات أليفة

اندفعت خارجة من الغرفة، كان يجب عليً أن أظل لعشرة أيام فى نيوانجلاند تحت رحمة العاصفة الثلجية، فلا أستطيع الخروج وبالتأكيد مثل الجحيم لا أحد يستطيع الدخول، وبسبب هذا السجن كان من الصعب التركيز على أي شيء سوى تجريف الثلج وشم رائحة الدجاج المطبوخ .

كان الطقس سيئا بالدرجة التى جعلتنا ننفذ قدراتنا خلال يومين، غطينا رؤوسنا، وانزلقنا تحت كل بطانية فى المنزل، بالطبع قال هنرى من المستحسن أن نفعل ذلك .

وكان قد قال:

- سوف تستمر على هذا الوضع

ربما كان ذلك عندما كنت قد توصلت بيني وبين نفسي أنني احتاج إلى ما هو أكثر من هذه الحياة مع رجل يفتقد سلامة العقل، بل ليس لديه عقل مطلقا، وقد عرفت أن واحدا منا لابد أن يحتفظ بعقله بعيدا عن الجنون .

كنت أدرك أنني أستطيع قتل أشياء . قتلت ذات مرة صرصارا، كان يزحف خارجا من وسط أدوات معسكره، أو ضرب رجل كبير فوق رأسه بالمكنسة،الآن أفكر فى هذا الأمر، يمكننى أن أضرب هنري أيضا، و بعد كل هذا لا يبدو لى حقا أن الصرصار يريد الحياة فى هذه الغابة الباذخة، أراهن على أن الحشرتين يجب أن يجتمعا فى حقيبة فندق رخيصة ويلتقيا فى مكان ما .

عش النحل الذي يقول هنري أنه يتركه وحده "وحده" تلك هى الكلمة المفتاح . ماذا لو أن سربا من النحل هاجمني وكنت وحدي ؟ سأموت .. بالتأكيد سأموت . هل رأيت شخصا ينجو من هجوم النحل ؟ لا .. و لأن أي شخص طبيعي لا يستطيع أن ينتظر حتى يؤكل حيا، فإنهم يبيدون القطيع كله قبل أن يبيدهم، فالعين بالعين، كما كان أبي يقول .

لذلك جلست أستمع لجملة "سوف نجتاز ذلك" لآخر مرة . عندئذ رفعت تنورتي فوق حذائي، دست فوق ارض الجراج، وجدت ما أبحث عنه، أخيرا، كانت هذه العبوات الصغيرة هناك منذ شهور، وكنت أعرف فقط أنها هناك، وضعت المحتويات فى مطحنة الفلفل القديمة، ثم عبأتها فى الملاحة، تخيلت إن لم يرتفع ضغطه فسأكون ساذجة .

لعدة أيام اشتكى من الدوخة، ولكنى ذكرته أنه يقضي أيامه فى قراءة ذلك المرتوق على مجلة المزرعة، وأن قلة حركته هى التى سببت هذا الصراع الخفيف "فوق هذا" أضفت . ثم سألته:

-  نت تظن أننا نعيش فى مزرعة، نحن نعيش فى كوخ يا هنري، سبع غرف مزودة ببيانو و لا أحد منا يلعب عليه وثريات لا تقدم لنا خيرا أو شرا عندما تضعف الطاقة .

وقلت له أن المزارع بها دجاج، ذلك النوع الذي يأكله الناس، ولدينا غرفة طعام من خشب الماجون وأنا مستعدة لتقطيعها قطعا صغيرة من أجل حطب الوقود .

لكن زيادة مساحة الصلع فى رأس الزوج لم تلفت انتباه أي شخص ذكي فى العائلة، لقد كان فقط يجلس هناك، يرفع الملاحة التى على شكل بقرة وينثر منها على أرزه . قلت:

- هكذا .. التوابل زيادة

لعله يحتاج إلى كل هذه التوابل، ذلك أن يجمعها إلى حيث ينتهي، فلا يوجد ملح فى جهنم، أنزل شوكته وأجاب بهدوء:

- لا تبدئي أنت يا ماري .

-  لا تبدئي يا ماري ! حسنا، إذا لم تبدأ ماري فإن شيئا لن يحدث هنا

-  الأرز جيد

هكذا علق، بينما كان يمسك معدته، من المؤكد أنه يبتلع حصاد مقتي وإطرائي من فوق أرزي .. رجل مثالي . ابتسمت له، ولكني فى الحقيقة كنت أريد أن أصرخ، قلت:

- أرز عظيم يا عزيزي .. من المحتمل أن يكون أروع مع دجاجة

كان الدم يتقاطر من أنفه، وهو يجلس ـ كان فقطـ ينظر من النافذة البارزة، يمسح أنفه بمنديل ورقي، بينما يراقب دوامة ثلجية تدور على شكل إعصار، يده فى الصندوق، المنديل يخرج من الصندوق، يرفعه إلى أنفه، تعود يده إلى الصندوق، تتكرر هذه الحركة مثل الاثنين والأربعين عاما التى عشناها معا . ربطتنا بشكل رتيب أيام متكررة، يبدو أن هنري مستمتع بها، أما أنا فلا، لسنوات وسنوات وأنا أتعذب على يد هذا الرجل . قلت لك المرأة تفعل ما تريد أن تفعله .

سال فمي باللعاب لخمسة أيام، ذلك أن مدة دفع هذا الرجل الضخم للسقوط قد طالت . سقط منبطحا على أرض المطبخ بعد ظهر أحد الأيام عقب تجهيز كريمة الفطر المحفوظة مع رجة أخيرة مع سم الفئران، عندها التقط الطاسة وشربها محدثا صوتا حتى تركها خالية . اشرب يا هنري، قلت فى نفسي . داوم على ابتلاع حساء ماري اللذيذ، ركزت انتباهي على رائحة الدجاج المتبل، حيث غطي بالثوم المملح والزبدة .

عندما توجهت نحو بندقية الرش المستندة على ركن الحائط فى المطبخ، تخطيت جسده، لأتركه بين الأرض والباب، لبست معطفي القديم، الذي ألبسه عند رفع الثلج، لأن طيب القلب (المرحوم) علم من الدكتور موران أن عليه ألا يرفع أي شيء ثقيل، حتى أنه لم يرفع مطلقا إصبعا، مثل تلك سأستخدمها فى إطلاق النار .

أمسكت بمقبض الباب عندما أتى الطرق، كنت فى الداخل أنتظر أن أصيد دجاجة، وكانوا هم فى الخارج ينتظرون ليحاصروني . صاحوا:

- افتحي يا سيدة ماكارثري .. نحن نعلم أنك هنا .. لا آثار فى الثلج تدل على خروجك .

وقالوا أنهم سيكسرون الباب إن لم أفتح لهم .

كنت أقرأ جيدا ما يفكر فيه الخنازير الثلاثة الصغيرة، ومع ذلك سمحت لهم بالدخول، أعتقد إنهم ربما يعيدون الحياة لهنري العجوز مرة اخرى، بينما أقبض أنا بيدي على الدجاجة .

نظروا إلى جثة رفيق حياتي الملقاة على أرضية السيراميك الإيطالي، بعد ذلك أحسست بنظراتهم مركزة علىً، كان أحدهم ذا كرش قال أن القسم استلم رسالة من هنري، يبدو أنه يفوقني دهاء ومع ذلك التفت نحوي مبديا سلطته، بنص حروفه، كتب:

" من أربعة أيام، اكتشفت أن زوجتي تحاول قتلي، كانت تضيف لي سم الفئران من الجراج وكانت الأعراض: تشنج المعدة ونزيف الأنف وجفاف الفم، ربما كان أمامي يوم واحد أو اثنان وأموت لكني سأوافق على أي شيء لكي تطلق سراحها، فقط تعتني بدجاجاتي .

- دجاجاته؟!

ضحكت، ثم أضفت:

- أكل ما فكر فيه الملعون هو دجاجاته ؟

قال الطويل من رجال البوليس:

- لا يا سيدة ماكارثري .. لقد فكر فيك أيضا .

نظرت إليه فى حدة، وقلت:

- ذلك السيد الكبير لم يفكر أبدا بأي شيء سوى نفسه، لقد اشترى هذا المنزل فوق التل من أجل مزاجه الشخصي وجعلني أبحر من جنوب فرنسا، لأنه أراد أن يذهب، رجل أناني، كلهم أنانيون .

- تعالي يا ماري .. دعينا نذهب إلى المستشفى

هكذا أمر الضابط الضخم، فصرخت:

- المستشفى؟ ليس هناك شيء خاطئ معي .

يسأل الرجال دائما النساء عن مشكلاتهن، ولم يتوقفوا أبدا ليدركوا أن المشكلة الكاملة تبدأ بهم

- لم تنته الرسالة بعد.

قال الضابط الذي يشبه عود الفاصوليا، ثم نظر إلى رفيقيه، ورفع حاجبيه كما لو كان شيء ما قد حدث بطريق الخطأ، وددت لو أعطيت كليهما ركلة خاطفة، لكنني صنت أنوثتي وجلست هناك أحك أذني، ثمة أشياء جافة تزحف ـ على الأقل ـ فى تلك الأماكن المتقوقعة .

قال عود الفاصوليا:

- يبدو أن الحكيم أعتقد أنك ستموتين أولا .. لقد كان يسكب الاستركنين على قهوتك لمدة شهرين.

قلت:

- شكرا للرب لقد تخلصنا من القهوة .

 

تأليف: جورجيا بروني

ترجمة: د.محمد عبد الحليم غنيم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم