صحيفة المثقف

حديثٌ في "المَشْعَلِ"

eljya aysh"إنَّ الشَّبَاَب إذا سَمَا بِطُمُوحِهِ جَعَلَ النُّجُومَ مَوَاطِئَ الأقْدَامِ"

أسباب كثيرة تجعل بعض الناس تنفر من أحزابها، وطالما كنت أتساءل ونفسي عن الهجرة السياسية التي تطورت مع مرور الوقت وتحولت إلى تجوال سياسي، وكنت أطرح سؤالا يتبعه سؤال: ألا يؤمن هؤلاء ببرنامج الحزب الذين ينتمون إليه؟ ولا أجد لأسئلتي جوابا، وأنا التي تربيت في مناخ جبهوي، هذا الهوس الذي تحول إلى إدمان، كنا نعتقد أننا لا يمكن مقاومته، ووضعنا كل القيم النضالية تاجا على رؤوسنا ورصّعناه بجواهر  نقشنا عليها بحروف مذهّبة (ممنوع اللمس)، ونسينا أن الذهب يذوب إذا وضع على درجة عالية من الحرارة، نعم بدأ هذا الذهب يذوب ونحن نرى فرنسا ترشح شابا ليكون هو حاكم البلاد، لا أتكلم عن فرنسا حبا فيها، لأنني أكرهها وألعنها كما يلعن الشيطان، ولكن لأنني أرى الديمقراطية تتحقق في بلد حطم الرقم القياسي في الاستبداد،  قد تكون ديمقراطية شكلية، ثم ينقلبون عليه كما انقلب جنرالات فرنسا على رئيسهم ديغول، لا يهمنا هنا ما وقع وما سيقع مستقبلا لهذا البلد الذي أراه العدو اللدود، الأيام وحدها قادرة على كشف الحقائق، كما لا تهمنا الشؤون الداخلية لدولة ما، لكن ما يحز في النفس هو أن شباب الجزائر ملّ ويئس وهو ينتظر من قادة  البلاد تسليم له "المشعل"، هذا المشعل الذي تحدث عنه الشهيد ديدوش مراد يوم قال قولته الشهيرة: " لسنا خالدين.. سيأتي بعدنا جيل يحمل مشعل الثورة"، وجاء جيل وبعد جيل وبعده جيل وما زال المشعل في قبضة "الديناصورات" الذين جعلوا من البلاد ملكية خاصة، وجعلوا من اسم الشهيد ورقة انتخابية ليس إلا..، ثلاثة أجيال أو نقول أربعة، لا يهم العدد،  فانطلاقا من  جيل الاستقلال، ثم جيل العشرية السوداء، إلى جيل المصالحة الوطنية، التي كانت بالنسبة للبعض عبارة عن "مُهَدِّئٍ "لا غير لكي لا تثور الجماهير الغاضبة من جديد، لاسيما عائلات المختطفين الذين ما زالوا يرددون: " لا مصالحة قبل المصارحة" وهم يطالبون الحكومة بالكشف عن مصير أبنائهم.

إن "المشعل" الذي نراه وإن كان إناءً معدنيا  توضع فيه موادّ قابلة للاحتراق من أجل  الإنارة، والذي اعتادت الشعوب تسليمه في الألعاب الأولمبية، إنما هو في مفهومه السياسي والتاريخي  يُعَبٍّرُ عن "الاستمرارية"  و"التواصل"  بين الأجيال، من أجل إنماء البلاد والحفاظ على مكتسباتها وقيمها التاريخية، وحتى لا يتبرأ الشباب من ماضيه الثوري،  فقد  أي هذا المشعل بريقه، هذا المشعل الذي تحدث عنه هؤلاء، ولا أسميهم طبعا لأنهم معروفون، لكن أقول هؤلاء الذين يكذبون على الشباب بخطاباتهم المزيفة، ويزرعون في أذهانهم "الوهم"، أو ربما  هذه الأجيال لم تفهم رسالة الشهيد ديدوش مراد، ففهمت أن مشعل الثورة يعني إقامة حرب أهلية لانتزاع حقوقها المهضومة، أم أن رفاق الشهيد فهموا الرسالة خطأ فراحوا يفرضون على الشباب سياط الطاعة والتبعية، وهاهو  جيل الاستقلال من أبناء الشهداء  يضرب عن الطعام تعبيرا عن رفضهم للسياسة الفاسدة، و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل يوجد مشعل واحد وهو مشعل الثورة؟ ألا يوجد مشعل الاستقلال؟ أو مشعل البناء والتنمية؟  أم أن هؤلاء الذين لا أريد تسميتهم يظنون أنهم يظلون شبابا، وأنهم مازالوا قادرين على الاستمرارية، ( يا شيخ..؟ كما يقول أهل مصر) ، في كل عهدة نقرأ لأمين عام حزب جبهة التحرير الوطني  وهم يخاطبون الشباب بأنهم سيستلمون المشعل قريبا، جاء أميت عام وخلفه أمين آخر وجاء أمين عام جديد، والشباب ينتظر أن يسلم له المشعل،  ولا أمين العام سلم المشعل ولا الشباب استلمه أو لمسه بيديه، أو حتى شمّ ريحه من بعيد..، لاسيما وأن جبهة التحرير الوطني وهي تخوض  حربها مع فرنسا رفعت شعار: " إن الشباب إذا سما بطموحه جعل النجوم مواطئ الأقدام"

كنت قد تتبعت خطاب  الأمين العام لحزب جبهة التحرير  جمال ولد عباس قبل الانتخابات التشريعية، جاء فيه أنه وبصفته مسؤولا أولا على الأفلان، اختار فئة "الشباب" في البرلمان القادم، انطلاقا من التزام الحزب بتسليم المشعل للشباب، وأضاف بأن تسليم المشعل سيتم تحت إشراف فئة المجاهدين الذين سيراقبون مدى التزام هؤلاء الشباب بالحفاظ على وحدة الشعب الجزائري ووحدة التراب الوطني، ونقف عند تعبيره الأخير ( فئة المجاهدين) ونقول كم عدد المجاهدين الذين ما زالوا على قيد الحياة؟، والجزائر تودع كل سنة إن لم نقل كل شهر أو كلّ يوم واحدا من جيل الثورة، فمتى يحمل هذا الشباب المشعل يا سيادة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، ويا سيادة رئيس الجمهورية؟، وإن كان في المجالس الشعبية المحلية ( البلدية والولاية ) شبابٌ،  أحَرَامٌ أن يكون شابٌّ جزائريٌّ رئيس جمهورية؟ أحَرَامٌ أن يكون مُنَاضِلٌ شابٌّ أمينًا عامًّا لحزب جبهة التحرير الوطني؟، شريطة أن يكون من الكفاءات القادرة على مواصلة المشوار، أشعر بالغيرة وأنا أقرأ أن رئيس الجمهورية الفرنسي الحالي شابٌّ، واستغرب والله عندما تعتمد الحكومة الجزائرية حزبا سياسيا يقوده شابٌّ، ولن أذكر اسم هذا الحزب أو رئيسه حتى لا يقال عني أن أروج لهذا الحزب، لكن هذا الحزب يشهد التفافا كبيرا للشباب، الذين هربوا من الأحزاب الديناصورة إلى الأحزاب الجديدة من أجل بناء جزائر المستقبل، طبعا لم تشفع صرخات الأحزاب الحديثة النشأة بضرورة الإسراع في تسليم المشعل للشباب، وإتاحة الفرصة لهم للمساهمة في  بناء دولة قوية بأفكار جديدة تماشيا مع ظروف العولمة وطموح الشباب، وأن المستقبل لهذه الفئة أكثر من غيرهم وعلى جميع الأصعدة، طبعا الرسالة قُرِأتْ بأنه صراع بين الأجيال، وأن دعاة التشبيب يريدون غلق صفحة الماضي، أو التاريخ إن صح التعبير، وتناسوا أن هؤلاء هم ابناء الجزائر أحبوا أم كرهوا، وعائلاتهم لم تشهد عليها الخيانة للثورة وللمجاهدين والشهداء، والدليل أن تدني نسبة المشاركة في الانتخابات كشفت عزوف المواطن الجزائري، وهذا يعكس حجم الأزمة السياسية في الجزائر، فلماذا الاحتكار والإستبداد في بلد الشهداء؟.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم