صحيفة المثقف

أمنية .. إلى كل امرأة عربية أمنية لحياة أكثر سعادة

yousri abdulganiبداية عندما قرأت هذه الرواية لم أصدق أن هناك أدب روائي مازال يهتم بالرومانسية أو العاطفية، أي تلك التي تربط بين صدق العاطفة والخلق القويم، وبمعنى آخر الفضائل عندما تواجه الرذائل، ومكافأة الخير ومعاقبة الشر ..

أعني بذلك رواية (أمنية)، لمؤلفها الدكتور  سليمان عوض، والصادرة عن مؤسسة سندباد للنشر والإعلام بالقاهرة 2017، بغلاف جيد متقن قام به الفنان أحمد طه، وبإخراج داخلي وخارجي يلتزم الوعي بمضمون الكتاب ويجعل منهما عتبات مدركة للنص الأدبي ...

وأحب أن أشير هنا إلى أمر أراه على درجة كبيرة من الأهمية وأعني به ما ذكره الناشر في تعريفه بداره حيث أكد على أنها مؤسسة ثقافية تطرح مشروعًا ثقافيًا جادًا على اعتبار أن الثقافة رسالة، من خلال تبني الإبداعات التجريبية الطموحة وتقديمها دون قيد أو شرط مع احترام حرية التعبير، ورعاية وتقديم المواهب المتميزة للحركة الأدبية، وأتمنى أن يلتزم بهذا كل العاملين في مجال النشر، من أجل إثراء حقيقي لواقعنا الثقافي العربي، وأمر رائع أن يكون الأستاذ المبدع والناقد / خليل الجيزاوي هو مستشار النشر لهذه المؤسسة، فرائع أن يتولى أهل الخبرة والفكر قيادة وتوجيه مؤسساتنا الثقافية .

الرواية التي معنا تجيء لنا في 140 صفحة عبر 7 فصول، راصدة إشكالية البوح ورعشة اللمس الأولى للحب الأول، انطلاقًا من سؤال يطرح نفسه : هل استطاعت أمنية فتاة التمريض الحلوة الجميلة الدقيقة الملامح، النحيلة بيضاء البشرة المثقفة، أن تغوي سامي طبيب الامتياز وتدخله جنة العشق والحب ؟ .

الرواية التي هي مذكرات طبيب امتياز في إحدى مستشفيات محافظة الدقهلية، تعطي بانوراما مصغرة للمجتمع المصري أو لواقعنا المعاش عبر المستشفى بكل ما فيها من متناقضات على المستوى البشري .

أمنية تلك الرواية التي يهديها صاحبها إلى كل امرأة عربية، أمنية لحياة أكثر سعادة، أمنية رمز البراءة والطهارة والإنسانية والثقافة الراقية، التي أحبها الدكتور سامي منذ أول يوم جاء إلى المستشفى لتسلم عمله، ليجعل منها المؤلف النموذج أو المثل الذي نتمناه جميعًا في واقع أضحت سلبياته أكثر من إيجابياته ..

الرواية التي كتبها الدكتور سليمان عوض، والذي هو في الأساس شاعر، وكاتب للقصة القصيرة، وقد اتضح ذلك جليًا في لغة القصة المقدرة على السرد بأنواعه، وفهمه لمعنى الحكي بكل تقنياته، في تعامله مع الشخصيات والأحداث والصراع والبداية والوسط والنهاية ...

يمكن القول أن هذه الرواية كتبت من طبيب شاعر، يتخفى وراء مشرط الجراحة، وقد تميزت بالمشاهد البصرية ومساحات شديدة الثراء للبوح، حاول فيها أن يصحبنا داخل أعماق شخصيات الرواية، من خلال سرد جذاب شاعري، ولغة معبرة واضحة مفهومة تمزج بين الفصحى والعامية، بعيدًا عن التعقيد أو الابتذال، ليكشف لنا أحد أمراض هذا الزمن، ونعني به التعصب الأعمى الغبي الذي يقوده في المستشفى عامر طبيب الامتياز الذي يتاجر بالتدين في فظاظة عجيبة، عامر صاحب اللحية الكثيفة الذي يصلي إمامًا بالجميع، ثم يتحرش بالممرضات حتى لو كن في عمر أمه، ويطالب بطرد الدكتور شكري، ويرفض أن يأكل وينام معه في مبيت الأطباء لأنه مسيحي، وهو طوال الرواية يكفر الجميع ويمارس عدوانيته معهم ..

الطبيب عامر لم يكن يكره الأخوة المسيحيين فقط، بل كان يكره الجميع، ويستحل لنفسه ما ينكره على الآخرين، إنه بحق شخصية وصولية مريضة، ولهذا استغل عامر كسر رجل زميله في حادثة الاعتداء عليه، وجمع تبرعات لزميله سامي، ثم تزوج بهذه الأموال فتاة صغيرة لا تزال طالبة في الصف الثاني الإعدادي ..

وهنا يأتي اعتراض، الدكتور سامي الذي أحب أمنية حبًا رائعًا، بكل ما يحمله الحب من طهر وبراءة، كيف ينتهك عذريتها التي تحمل الكثير من   الرمزية ؟، بالطبع هذا حدث بموافقة تامة من أمنية أي أنه لم يغتصبها أو يجبرها على ذلك، ولكن ما أراه أنها محاولة من المؤلف أن يأخذنا من عالم المثالية والبراءة إلى عالم الواقع بكل منغصاته، فبعد هذا الموقف انفتحت طاقة جهنم بالنسبة للدكتور سامي، من كل ناحية، حيث تكشفت له العديد من المواقف التي تبرهن على ما في المجتمع من سلبيات عديدة ...

لقد نجح مؤلفنا أن يكتب لنا رواية رومانسية، وإن كان ذلك لا ينفي كونها اجتماعية، حيث تصور المجتمع في مكان محدد وزمان محدد، هو وطن الكاتب، وهو الزمان الحاضر، وقد نجح الكاتب بجلاء أن يركز على إبراز العلاقات الاجتماعية سواء على مستوى الأطباء وهيئة التمريض والإداريين داخل المستشفى، أو الشخوص الأخرى خارج مسرح الأحداث ...

لقد استوفت الرواية التي معنا عناصرها بالكلية، حيث نجد التسلسل الزمني أو التسلسل الخاضع لقانون العلة والمعلول، وإن كنا لم نعرف زمن الرواية الذي كان سنة 1981، إلا في الفصول الأخيرة، حيث شهدت مصر ما يسمى بالفتنة الطائفية، والأضرار التي لحقت بالبلاد والعباد بسببها ...

شخصيات المؤلف نجح كاتبها في بنائها بناء جيدًا سواء كانت محورية أو ثانوية، بدءًا من الدكتور سامي أو حتى السائق الذي أوصله إلى المستشفى، والصديق مجدي الذي يقرضه دون أن نراه في الرواية، وعم محمود الفراش، وعبد السلام الباش كاتب الفاسد المتحالف مع المتاجرين بالدين، والانتهازيين والمتمثلين في شخصية الدكتور عامر، والدكتور عبد الخالق، وأبله أحلام الممرضة، وماما عايدة مسئولة الشاي والطعام، والممرضة سامية التي ستكون زوجة لعبد الخالق، والدكتور سلام وتابعه الدمرداش، حيث الصوفية المخلوطة بالدجل والشعوذة وعدم الفهم الحقيقي للدين، والدكتور شكري، وماجدة ممرضة العمليات، ووالد أمنية أمين المكتبة الشاعر والكاتب والمحب للفنون، وأم أمنية، والدكتور عبد العال، والدكتورة سلوى المثقفة التي تؤمن بالأعمال، وحسنية صديقة أمنية التي كانت تسهل لها اللقاءات في شقتها، والممرضة صباح صاحبة الإرادة الحديدية والقادرة على اتخاذ قراراتها ...

الرواية نجحت في أن تبني شخصياتها أو أبطالها، فلم نشعر بشخصية تتفوق على الأخرى، رغم اتجاهاتهم المتنوعة، وأعمارهم المتفاوتة، وبيئاتهم المختلفة، ولكنهم في النهاية بشر يتراوحون بين الصواب والخطأ ...

الرواية تدين بجلاء الطائفية بمختلف أنواعها متمثلة في الدكتور عامر الذي يقوم بتصرفات لا تليق بطبيب له رسالة سامية، أو كمتدين يفترض أنه يعرف معنى الدين، ولأنه من تجار الدين والأدعياء يتحالف مع الفساد المتمثل في شخصية عبد السلام، ليصل الأمر أن يتزوج عامر من ابنة عبد السلام التي لم تبلغ الثالثة عشر من عمرها وكادت أن تلقى مصرعها بعد أن تم محاولة إجهاضها، نفس الأمر عندما تدين الرواية الخزعبلات والخرافات التي يقوم بها الدكتور الدمرداش، والدكتور سلام، ويصدقها العوام والسذج، وصورة أخرى تتمثل في خرافة الأعمال والتي تؤمن بها الدكتورة سلوى التي كانت تحب الدكتور سامي وسعت إلى الزواج منه عبر التودد إلى أسرته ...

الرواية نجحت في استيفاء جميع عناصرها، وإن مالت في الفصول الأخيرة إلى البوليسية ولكن ذلك حتمته الأحداث، إلا أن الكاتب نجح في أن يشدنا في النهاية لمعرفة الفاعل الحقيقي في الاعتداء على الدكتور سامي، لنعرف أنه الدكتور عبد العال دفاعًا عن عيادته الخاصة و انتقامًا منه حيث كان يرغب في أمنية .

وختامًا نقول: أن هذا العمل يعلن بجلاء تعرية المجتمع، وبالذات أهل الثقافة والعلم، الذين هم من المفترض أن يكونوا المثل الأعلى والقدوة الحسنة لسائر أفراد المجتمع .. رواية جيدة تستحق القراءة، تحية لمؤلفها وفي انتظار المزيد من الأعمال .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم