صحيفة المثقف

نصوص الفقه وخطاب السيد علاء الهندي

mustafa alomariدأبت ثقافتنا على الإستئناس مع ما تجده ماكثاً في محيطها العام، من عادات وطقوس وعبادات دينية، ترحب به وتتمسك بقوانينه، دون المحاولة في التفتيش عن ماهيته وأصوله مع غياب شبه مطلق من أي نزعة ذاتية لتنقية او تشذيب ذلك القديم او ما يطلق عليه التراث او النصوص التي يتعبد بها الناس .

كتب عدد غير قليل من الاساتذة والواعين العرب عن محنة داعش وتعاملها مع المختلفين معهم بالدين او المذهب او التوجه، ودبجّ بعض الكتاب الى الهمجية الوحشية التي يمارسها أفراد داعش وأستهجنوا ممارساتهم المرتكبة باسم الاسلام . وكوني أحد الذين كتبوا عن هذه المرحلة وإسقاطاتها والممارسات الرّثة التي مورست فيها، فأني ركزت وبإصرار على أصل المشكلة وعمقها والاوتدة التي مكنتها من البقاء لهذا اليوم. معضلة مجتمعنا بشكل عام وبعض مثقفينا بنحو الخصوص أنهم ينظرون الى القضايا المهمة نظرة سطحية جداً، دون الغور في القعر الذي تنبعث منه الغازات المسرطنة والقاتلة.

ركزت في معظم ما كتبت على خطورة النصوص الدينية المتأتية من عمق الشرخ الانساني والديني ومن جوهر الصراعات والقتل والتمييز والإلغاء، النصوص التي يتمسك بها رجال الدين على أنها المسلك الحياتي الصحيح والفاعل للتقرب الى الله، باتت تبعدنا عن الله وعن الانسان . تأملوا معي نصوصنا الاسلامية فستجدون ان معظم القتل والدمار والخراب الذي ضرب أوطاننا وقوض عيش أهلنا أتى مما نطلق عليه أسم دين ! ولا يمكن لعاقل ان ينهزم أمام تخويف العامة لكي يعترف بهذه المهزلة التي ترتكب بإسم الله والله منها بريء

أحد المخاطر التي تواجهها المجتمعات الاسلامية هي النصوص الفقهية، التي تعد معظمها إستنساخاً لاراء سابقة مع قدر قليل من التحسينات اللفظية . اشتغل الوعي الاسلامي على الفقه إشتغالاً مكثفاً . الامر الذي وصفه ناقد العقل العربي محمد عابد الجابري "إذا جاز لنا ان نسمي الحضارة الاسلامية بأحدى منتجاتها فإنه سيكون علينا ان نقول عنها إنها حضارة فقه"

يعتمد الجابري في دراسته التي كونها من خلال بحث ومطالعة وخبرة طويلة، ويؤكد على مخاطر النص الفقهي وجموده لأنه يبحث عن تبريرات لبقائه وديمومته ولذلك نجده يتشبث بالقديم فيقول في رأي اخر "العقل العربي كان ومازال عقلاً فقهياً، عقل تكاد تقتصر عبقريته في البحث لكل فرع عن أصل، لكل جديد عن قديم يقاس عليه وذلك بالاعتماد على النصوص"

لم تكترث بعض النصوص الاسلامية والفقهية منها بالتحديد، لحال بعض الاشخاص المنتمين لديانات اخرى وخاصة الذين يعيشون في كنف الاسلام، فقد أجهدتهم هذه النصوص وأقصتهم عن الدور التفاعلي الذي يعيشون فيه . بل وجعلتهم لا يتساوون في الخاصية الانسانية مع المسلم ورأت فيهم أنجاس غير طاهرين ! لهذا السبب تجد ان بعض الآراء والرسائل العملية الفقهية التي تقول بطهارة الكتابي تُصنف بالرأي الشاذ. بينما يفتي أكبر الفقهاء وزعيم الحوزة العلمية، بأن ملامسة الكتابي نجاسة !

ترى كتب الفقه الاسلامية بشكل عام ان غير المسلم لا يساوي المسلم، وان دم المسلم لا يكافئه دم غير المسلم . ركزوا معي قليلاً، إذا قَتل مسلماً شخصاً غير مسلم، يهودياً او مسيحاً او مجوسياً، فلا يُقتل المسلم بغير المسلم! لأن النص الديني الذي عندنا يقول "لا يقتل المسلم بكافر" وفي رواية اخرى ان النبي قال "المسلمون تتكافأ دماؤهم ولا يقتل مسلم بكافر" وقالوا ان كل من لا يؤمن بالاسلام هو كافر .

النصوص والاراء التي بين يدي الان كثيرة تؤصل لمأساتنا وحنق الفقه واراء الفقهاء على المنتمين لغير الاسلام . لكني أرغب بشدّ إنتباه القارئ الى مسألة مهمة وهي: ان أصل النصوص الفقهية والاراء التي تتعبد بها معظهما تتبدد فيها روح الله ونسق الانسان الخير الوديع الذي بداخلك .

الذي حرضني على هذا الموضوع هي محاضرة ألقاها رئيس الوقف الشيعي العراقي السيد علاء الهندي وهو يتحدث عن الجهاد، قال فيها ما نصه "هناك ثلاثة طوائف يجب مجاهدتها الكفار المشركون، منهم كفار أهل الكتاب اليهود والنصارى .. يجب دعوتهم الى الاسلام، فإما يدخلون في الاسلام وإما يقاتلون وإما يأخذون منهم الجزية "

صحيح ان السيد الهندي أتى برأي غريب على مسامع الكثيرين، خاصة من المذهب الشيعي لكنه لم يأتي بالرأي من عنده، هذا ما وجده في كتب الفقه التي يزعم أصحابها انها توافق شرع الله ورسوله!

أرجوكم لا تكثروا الحديث عن علاء الهندي فالرجل مأزوم حتى مع أهل مذهبه، بل راجعوا وتأملوا في كتب الفقه وأنظروا كيفية تعاملها مع بني البشر؟ لا تسرفوا بالحديث عن ظاهرة الهندي بل دققوا في نصوصنا الاسلامية وحاولوا لفظها وإقصائها من حياتنا الانسانية، أيها السادة القراء ليس المسلم بخطر على ذوات البشر والناس المختلفين معه، لكن نصوص المسلم ورجال دينه هي الخطر الحقيقي.

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم