صحيفة المثقف

بـدرٌ مـن الـمـاء والـيـاقـوتِ

لــثـمْــتُـهُ بـعــيـونـي فـاسْــتــشـاطَ فــمـي

غَــيــظــاً ومـا كـان إلا كِــذبـةً ظَــفَــري

yahia alsamawi

بـدرٌ مـن الـمـاء والـيـاقـوتِ / يحيى السماوي

 

بَـدرٌ مـن الـمـاءِ والــيـاقـوتِ لا الـحَـجَـرِ

أعـشى سَـناهُ فـمي والـقـلـبَ لا بـصَـري

 

تـاهَ الـلــســانُ ... فــمـا أدري أفِــتْــنَــتُـهُ

سَــدَّتْ عـلـى لـغــتـي بـابـاً الـى فِـكَــري؟

 

وجْدي الذي كنتُ قد فـارقتُ من صِغَـري

كـيـف اسـتـحـالَ وليَّ الأمـرِ فـي كِـبَـري؟

 

لاذتْ بـهِ مـن ظــلامٍ مُــقــلــتـي وســعـى (1)

قــلــبـي إلــيــهِ بـمـا حُــفِّــظْـتُ مـن سُــوَرِ

 

بـدرٌ مـن الـمـاءِ والـيـاقـوتِ خـاطَ فــمـي

مـن الــذهــولِ فــلــمْ أنــبِــسْ ولـم أسِـــرِ (2)

 

تَـمَّـتْ بـهِ حُـجَّــتـي لــولا طـوافُ هــوىً

كـنـتُ اعـتَـزَمْـتُ ولـكـنْ شــلَّـني حَـذري

 

وفـيـهِ من "أورَ" مـشـحـوفٌ يـسـيـرُ بـهِ

زهــوُ الـهِـلالِ بـضــوءِ الأنـجُـمِ الــزُّهُــرِ

 

لــثـمْــتُـهُ بـعــيـونـي فـاسْــتــشـاطَ فــمـي

غَــيــظــاً ومـا كـان إلا كِــذبـةً ظَــفَــري

 

عَــفٌّ الــســريـرةِ والأردانِ شَــبَّ عـلـى

مـاءِ الـفـضـيـلـةِ والإيــمـانِ مـن  صِـغَــرِ

 

لـم يُـغْـوِهِ الـدرُّ عــن طـيـنـي فـصَـيَّـرَنـي

فـي عِــشــقِــهِ عـاشــقــاً قـدْ قُــدَّ مـن دُرَرِ

 

واسْـتـنْـبَـتَ الـنورَ في كهـفي وأعْـشَـبَ ليْ

صـخـري وأبْـدَلَـني الأعـراسَ بـالـضَّـجَــرِ

 

رأى  فــؤادي رمــيــمــاً لا رفـــيـــفَ لــهُ

ومـركــبـي مُــبـحِــراً فـي مُــزبِـدٍ خَــطِــرِ (3)

 

فـصـاحَ بـيْ يـا رمـاداً قُـمْ .. فـقـمـتُ وبـيْ

عـنـفُ الـفـتـى وشــبابُ الـعـاشـقِ الـنَّـضِـرِ

 

واتـلُ الـكـتـابَ ـ كـتـابي في الهـوى ـ فـأنـا

بـيْ مــثــلُ مـا بـكَ فـاقــبِــلْ عُـذرَ مُـعــتَـذِرِ

 

إنـي أعَــدتُــكَ طــفــلاً ... فــلــتــكُــنْ أبَــةً

ليْ واعــتـصِـمْ بـسـراطي مـن دُجى العَـثَـرِ

 

كُـنْ عـاشِــقــاً لا تُــســاقـي قــلــبَــهُ امــرأةٌ

غيري تـجِـدْ لــذّةَ الــفــردوسِ فـي ثـمَـري

 

أوقــفــتُ مـائـي عــلـى وادي هــواكَ فــلا

تـوقِــفْ عـلى غـيـر مـائي فـيـكَ مـن شَـجَـرِ

***

يـا  جـنـةَ َالـلـهِ  فـي قـلـبـي ويـا قــمــراً

مــن الأنــوثــةِ أدنــانـي مــن الــقَــمَــرِ

 

إنـي عـــبــدتــكِ لـكـنْ دون مـعــصِــيـةٍ

فـلـتـغـفـري لـلـفـتـى مـاضـيـهِ فـي كُـفُـرِ

 

مـازال مُـشــتـبِـكَ الأضـلاعِ مُـرتـجِــفــاً

فـأمْـطـريـهِ بـعــفــوٍ ـ مـنـكِ ـ مُـغــتــفِــرِ

 

يـا آيـةَ الـعـشـقِ لــو تـدريـن مـا قـلــقـي :

أُردى إذا غِـبْـتِ عن سمعي وعن نظري

 

ويـا هــديــلَــكِ لـم يـعــرفْ لــنــشــوتِـهِ

سمعي مـثـيـلاً سـوى تـكـبـيـرةِ الـسَّـحَــرِ

 

يُـغْــفـي عـلـى دَعَـةٍ روحي يُـهَــدْهِــدني (4)

طــفــلاً يُــؤرْجِـحُـهُ مَــهْــدٌ مـن الـخَــدَرِ

 

أقَـمْـتِ لـيْ فـي سـمـاءٍ مـنـكِ رابـعـةٍ

بـيـتـاً ولا مـثـلُـهُ فـي الـدَّهـرِ مـن أثَـرِ

 

سَـقَـيْـتِـنـي شِــربَـةً مـا بـعـدَهــا عَـطَــشٌ

وبُــردةً مـن دُعــاءٍ عــن لــظــى سَـــقَــرِ

 

ومـا زعَـمْـتُ هــواكِ الـصـدقَ مُــبـتَـدَئـي

لكـنَّ عِـشـقَـكِ فـي سِــفـر الـهـوى خَـبَـري

***

بـاتَ الـمُـغـنّـي يَـتــيـمَ الـصـوتِ والـوَتَــرِ

أمّـا الــرَّبــابُ فَــمِــنْ شـــوكٍ ومِــنْ إبَــرِ

 

تــلـهــو بــزورقِــهِ ريـحٌ تُــشِــبُّ لـــظـىً

أمّـا الـسـحـابُ فـلا بُـشــرى عـن الـمَـطـرِ

 

وحـدي .. يُـنـادمـني صـمـتـي ويُـؤنِـسُـني

وَهْــمُ  الــمـيـاهِ صـعــوداً عـنـد مُــنـحَــدَرِ

 

لا تــأفَــلَــنَّ فــأحــداقـي بــهـــا عَــطــشٌ

لــنـهــرِ ضــوئِــكَ والأشــذاءِ فـانــتــظـرِ

 

مـا عــدتُ أعــرفُ مــيــلاداً يُـؤرِّخُــنـي

فــكــلَّ يــومٍ ولـيْ مِــيــلادُ مُـحْــتَــضَــرِ

 

قـد كـنـتُ قـبـلـكَ مـحـمــولاً عـلـى نَــزَقٍ

طـاوي الـجـهـاتِ فـمِــنْ مـاءٍ الـى جُــزُرِ

 

أحـدو ولــيـس ســوى الأوهــامِ قـافــلــةً

بـيـن الـمـنـافـي حـسـيـرَ الحـزنِ والـكَـدَرِ

***

أنــثـى كـمـا الـوَهْــمُ لا جـنٌّ ولا بَــشَــرٌ

لـكـنـهــا أُنــزِلَــتْ فـي هــيــأةِ الـبَــشَــرِ

 

عُـلِّــقْــتُـهــا وأنـا عــشــبٌ يـســيــرُ بــهِ

نحـو الـخـريـفِ لـهـيـبٌ جـائـعُ الـشَّــرَرِ

 

تـمـشـي فـتـحـسـبُ قـيـثـاراً يـزخُّ عـلـى

صخـرِ الرصـيفِ رذاذَ العـطـرِ والـوَتَـرِ

 

أو أنـهــا روضــةٌ تـمــشـي عــلـى قــدَمٍ

يـلـهـو عـلى كَـتِـفَـيهـا شَـعـرُهـا الغجـري

 

مَـدَّتْ من الحـبِّ ليْ حَـبْـلاً ببـئـرِ ضـنـىً

وأنْـبَـضَـتْ بـعــدَ مـوتٍ قـلـبَ مُـنــتَـحِــرِ

 

مـعـصـومـةُ الــمـاءِ إلآ من لـظى نَـزَقـي

ضـوئِـيَّـةُ الـعـمـرِ إلآ مـن دُجـى وَطَـري

 

عـامٌ وآخـر ـ فـي عُـرسٍ ـ ومــثــلُــهُــمـا

بــيــن الـجــنـائــنِ والأنـعـامِ فـي سَـــفَــرِ

 

ذقْــنــا بــهــا فـي صَــفــاءٍ كــلَّ مـاتِـعَــةٍ

ما لـمْ يـذُقـهُ جـمـيـعُ الـطـيـرِ مـن شَـجَــرِ

 

تُـقـري فـمي مـن طحـيـن الـلـثـمِ أرغـفـةً (5)

أشـهــى وأعــذبُ مـا يُــقــراهُ ذو بَــطَــرِ

 

بـدرٌ مـن الــمــاءِ والــيـاقـوتِ لــيـس لــهُ

في أصـغَـرَيَّ مـثـيـلُ الأنـسِ فـي سَـهَـري

 

عَـفُّ الـضـيـاءِ فـلـم يـبـزغْ لـذي شَــغَــفٍ

غـيري ولا امْـتارَ مـن مـاءٍ سـوى غُـدُري (6)

 

فـيـهِ اسـمـرارُ رغـيـفِ الـخـبـزِ فـي وطـنٍ

إنْ جاعَ جـاعَ بـنـو " قـحـطـانَ أو مُـضَـرِ "

 

وإنْ تــعــافـى فــكــلُّ الـــنــاسِ عــافــيــةٌ

أو اسْـــتُـبــيـحَ فـكـلُّ الــنـاسِ فـي خَــطَــرِ

 

عــامٌ وآخــر قــدْ مَــرّا ومــثــلـهـــمـــا ..

ونـحـنُ طـفـلانِ فـي نـعـمـى مـن الــقَــدَرِ

 

أديليد 22/5/2017

.................

(1) إشارة الى قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)

(2) النبس: أقلّ الكلام .

(3) المزبد الخطر: صفة من صفات البحر.

(4): الدعة: الراحة ورغد العيش . وفاعل الفعل " يُغفي " يعود للهديل .  

(5) يُقري: يُطعم .

(6) امتار: تزوّد .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم