صحيفة المثقف

سقراط يُقتل بفتوى التكفير.. مبحث من مباحث "علم نفس الفتوى"

dawd alkabiهذا المقال هو ليس تعريفا بالفيلسوف اليوناني العظيم سقراط (469 ـ 399 ق.م)، بقدر ما نريد فيه تسليط الضوء على اكبر جريمة في تاريخ الفلسفة، بل وفي تاريخ الانسانية جمعاء والتي وقعت بحق هذا الفيلسوف الكبير الذي شيد اركان الفلسفة ووضع اسسها في القمة، بعد أن اراد اعداء الفلسفة، من سفسطائيين ومن غيرهم، أن ينزلوها في الحضيض.

(2)

التكفيريون هم موجودون في كل زمان ومكان، حيث لم يخلو منهم أي عصر من العصور، واذا كانوا اليوم في عصرنا هذا، وهو القرن الواحد والعشرين قد كفروا الفلاسفة والشعراء والعلماء والادباء والمفكرين والمثقفين، فمنهم من نفذوا فيه حكم الاعدام، بعد أن صدروا فيه الحكم ومن ثم نفذوه، أو من لم يستطيعوا، لأنه لم يقع بأيديهم، أو لم تصل اليه ايديهم.. اليوم من يمثلهم الدواعش، سواء دواعش الفتاوى، أم دواعش السياسة.

(3)

يشير معظم الذين ارخوا قضية اعدام سقراط الى أنه سخط عليه الشعراء والخطباء والسياسيين، لأنه كان يحاورهم فيغلبهم ويبطل آرائهم، ويكشف زيفهم للملأ، فسخطوا عليه وحقدوا، وتمنوا لو تسنح لهم الفرصة حتى ينتقموا منه شر انتقام، كردة فعل لأنه اهان كرامتهم.

وهناك ثلاث شخصيات، تعد شخصيات فارغة- جوفاء تدعي الثقافة والعلم والمعرفة، (ومثل هؤلاء موجودون في يومنا هذا) ومن الذين نالتهم سخرية سقراط، وهم: انيتوس، ومليتوس، وليقون؛ وهؤلاء الثلاث كتبوا عريضة ووقعوها بأسمائهم، ورفعوها للمحكمة يتهمون فيها سقراط بالكفر والزندقة لتنظر فيها المحكمة وتصدر حكمها، والثلاث نفاط  هي: (الاولى سخرية سقراط من قصص الآلهة.. والثانية ذلك الصوت الذي كان سقراط يقول أنه يسمعه في نفسه، ينهاه كلما اعتزم فعلا ضارا به وهو لا يدري، وكان يسميه بالروح الالهي، - وهذه اشبه بقضية الحلاج الذي اعدم بنفس السبب وقد ذكرنا ذلك بمقال- والثالثة أن سقراط .. يحدث تلاميذه ومستمعيه بآرائه وينفرهم من الديانة الموروثة، ويحضُهم على التفكير الشخصي دون مبالات بالنقل والتقليد، فيضعف من طاعتهم لوالديهم، ومن اخلاصهم للدولة). (راجع: يوسف كرم- تاريخ الفلسفة اليونانية ص 68، دار القلم بيروت، مراجعة وتنقيح د. هلا رشيد أمون).

وحينما قرأ القضاة ملف الدعوى، وكان عددهم يربو على خمسمائة قاض، وكلهم تكفيريون؛ بحسب بتعبيرنا اليوم: ودواعش، فبعثوا شرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، (و الآن موجودين في السعودية من يمثلهم)، فالقوا القبض على المعلم الكبير سقراط بتهمة الكفر والمروق عن الدين، ليمثل امام المحكمة لغرض الدفاع عن نفسه، او تثبت ادانته، فالقوانين الوضعية- كما هي اليوم تقول: "أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته".

لكنه يظهر أن القضية مفروغ منها، أو أن صواريخ ومدافع سقراط كان ضعيفة، ومقاوماته الارضية لم تعد تسقط طائرات العدو المتمثلة بالتلفيق والاكاذيب، والزور والبهتان المحبوكة؛ فأثبتت ادانته، واصدرت المحكمة حكمها التعسفي بمرسوم جمهوري – داعشي، تيمي (نسبة الى ابن تيمية). وكردة فعل هيئوا له تلاميذه ومحبوه من بقية الشعب، اسباب هروب ناجعة، وكان في عرف ذلك المجتمع أن من يهرب من كذا حكم لا غضاضة عليه، فهم يعذرونه؛ لكن سقراط ابى ذلك كل الاباء واعتبر هروبه لو تم فهو خيانة عظمى بقوانين بلاده، فقدموا له كأس السم، وكان حكم الاعدام في ذلك المجتمع بالسم، فتناوله بإقدام وشجاعة نادرة، فافرغه في جوفه، وكله ايمان بأنه سوف يذهب الى عالم آخر هو ليس مثل هذا العالم المادي المبني على النفاق والكذب، ففاضت روحه، وارتفعت للسماء، وظلت تعاليمه وفلسفته العظيمة الى يومنا هذا، رغم مرور قرون طويلة عليها، ظلت منارا للفلاسفة والمفكرين والشجعان تنير دياجي الظلام، وتدك اوكار الفسقة، وما اكثرهم.

 

داود سلمان الكعبي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم